جاء تكوين مجلس تنظيم المهن الموسيقية والمسرحية بصورته هذه ، كأول انتصار من المؤسسة الرئاسية للدولة لصالح الفنون على مدى التأريخ الحديث والقديم ، والشارة الاكثر التماعا في كونه أن جعل لكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا ، معنى وجودها جوهرا ومظهرا ، تلك المؤسسة الاكاديمية الشاهقة العتيقة ، والتي ظلت ترفد الحياة الثقافية السودانية منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان ، بأعداد كبيرة من المتخصصين في مجالات الموسيقى وعلم فن المسرح ، دون أن يجدوا سندا ، يمنع عنهم ، عمليات الازاحة القسرية التى يمارسها ضدهم ، غير أهل التخصص الاكاديمي في مواعين الدولة ومؤسساتها الرسمية . وما قاله ، الاستاذ كمال عبداللطيف وزير تنمية الموارد البشرية ، في فاتحة الاجتماع الاول بالمجلس وقبيل أداء القسم أمامه ، في تقديرى ينم عن إدراك عميق للرجل ، بدور الفنون الموسيقية والمسرحية ، بوصفها كيان مستقل له طبيعته الخاصة ، خادما للإنسانية ، في بحثها عن البشرية ، وتحقيق قيمها المطلقة في ذات الفرد . فقد ، أتحف المجلس بأفكار في غاية العمق والرصانة ، ونبل مقاصد وزارته ، التي جعلت من هذا المجلس سندا أساسيا في عمليات بناء الإنسان العارف ، المدرك ، لمعنى بشريته ، وذهب في هذا مذهبا ، في التفسير ، هو في تقديري أقرب إلي فلسفة المتصوفة بقولهم : « انتهي سفر الطالبين إلي الظفر بنفوسهم ، فإذا ظفروا بنفوسهم ، فقد وصلوا » وهو ذات المعنى المقصود به في جوهر المنجز الفني ، وغاية تجربة الفنان في فنه « فليست غاية العمل الفنى إلا الظفر بالنفس » .... وفي هذا المعني ذاته ، يرى « السياب » في مقالة له : أن الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعارا للخطر . ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقي بنفسها في البحر هربا من السفينة الغارقة . أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعون الاجراس ، ويصرخون بملء الفم ، حتى ينقذوا السفينة ، أو يغرقوا معها . 4 تأملت كل كلمة قالها الاستاذ كمال عبداللطيف ، وهو يحدثنا عن أطروحاته في وزارة تنمية الموارد البشرية ، التي يري أنها ومجلس تنظيم المهن الموسيقية والمسرحية صنوان ، إنطلاقا للاهداف الكلية لهما . وأجد في حديث كمال عبداللطيف ، وأطروحاته ، ما وجدته في خواص حركة الممارسة المسرحية السودانية ومنذ نشأتها ، ومن خلال تطورها عبر الحقب المختلفة ، في اتجاهاتها لصياغة الإنسان المدرك لمعنى بشريته ، المتفاعل والفاعل تأثيرا وتأثرا ، في مواجهة الصراع الاجتماعي والسياسي ، وفق متغيرات وضرورات التطور واستمرارية الحياة . ذلك البحث ، الذي شق دروبه جيل الثلاثينيات من القرن العشرين في السودان ، جيل المصادمة في المسألة السودانية الوطنية لبلوغ الحرية والنهضة الاجتماعية التي وضع شهداء ثورة 1924 بقيادة على عبداللطيف أساسها الاول ، ومن ثم سار الجيل المجايل من النخب المتعلمة في تأصيل التراث السودانى وإعادة إنتاجه فنيا وأدبيا ، باستخراج مقولات ومضامين تعمل علي دفع الإنسان السودانى للنهضة ودخل هذا المعترك الادباء والنقاد والمسرحيون الذين عملوا على إيجاد أدب ومسرح يعمل على صياغة مفاهيم الوطن وأمنه القومى ، الذى عماده الإنسان الواعي بعلاقته الجدلية بالواقع الاجتماعي الثقافي السياسي وفى حالة إدراك بانتمائه وبشخصيته الثقافية الوطنية . بذلك المعني تجلت القراءة النقدية وفق منظوراتي الخاصة لحديث الوزير كمال عبداللطيف لنا في فاتحة أعمال مجلس المهن الموسيقية والمسرحية . إن الفكر والفن يسبقان على الدوام ... يمهدان الطريق وينسقان الهدف بحسب الناقد الدكتور خالد المبارك منظورا من هذا ، تبدأ رحلة نهر الإبداع الموسيقى المسرحي إلى مصبه ، مع وزارة تنمية الموارد البشرية التي أجد ، ووفقا لمنظورات كمال عبداللطيف ، أنها جاءت فعلا لتكون دفعا لملامسة ضمير العصر وروحه وحيوية البيئة ، في سبيل إيجاد روح إنسان محب للتعاضد وبناء الوطن وفهم روح الحياة . 5 تنظيم المهن الموسيقية والمسرحية وتطويرها وترقية أدائها ومراقبة ممارستها علي الوجه الامثل ، وفق المؤهلات والشروط المهنية اللازمة هى أهم اختصاصات المجلس حسب ما نص عليه القانون . من خلال الرقابة وضبط الممارسة في مجال المهن الموسيقية والمسرحية ، وحفظ التراث وحماية الذوق العام والوجدان السوداني . تأسيسا علي تلك الشروط وغيرها ، تكون المهمة ، حسب ما جاء في كلمة الاستاذ على مهدي رئيس المجلس وفقا لقرار مجلس الوزراء نفسه ، مؤكدا المعني الجليل لمولد مجلس المهن الموسيقية والمسرحية ، بوصفه الاداة الرسمية للدولة ، والتي ستعمل بحضور فاعل لإحكام شروط الممارسة الإبداعية القادرة علي الاستجابة لمتطلبات الجمهور بتركيبته الاجتماعية ، وهويته الثقافية ، ومشاكله وصور معاناته . من خلال ما قاله الاستاذ على مهدي في جلسة الانعقاد الاولي ، يمكن القول بأننا في السودان ، بدأنا في اكتشاف فضاءات مضامين جديدة يمكن أن يتطور إليها الواقع ، مستنتجين تجارب فنية تعبر عن الذات الجماعية في تجاربها الماضية وتطلعاتها المقبلة ، في تآزر كبير بينها وبين الموضوعية التي سوف تتشكل ضمن ضوابط وقوانين مجلس تنظيم المهن الموسيقية والمسرحية بمجموع المبادئ والقيم الكلية التي تصبو إليها الفنون دائما ، وتعمل علي تحقيقها . إن احتضان وزير تنمية الموارد البشرية الاستاذ كمال عبداللطيف ، واشرافه المباشر للمجلس مقروءا بمفهوماته تلك ، في تقديري الخاص هو إلتماس جاد وحقيقي للدولة لإيجاد صيغ علاقات مؤسسية جديدة تستنهض القيم وترتقي بها نحو الافضل ، وفق منظورات إعادة التوازن للأمن الوطنى في الوجدان السوداني .