ذكر الاستاذ محمد قابيل في احدى مقالاته العظيمة وصفا حقيقيا صادقا عن شخصية الدكتورة رتيبة الحفني بأنها فراشة من فولاذ، لا تعرف المستحيل، صديقة للنجاح، الصادق الامين، فهي الخبيرة والفنانة، والمعلمة البارعة في فنون الموسيقى العربية والغربية وادارتها، تفتحت في بيت فن وفكر وادب، الام هاوية للموسيقى والغناء الالماني بحكم جنسيتها الالمانية، والاب رائد ومفكر ومرب وفنان وطني من الدرجة الاولى، ألا وهو الاستاذ الدكتور محمود أحمد الحفني، الذي ضحى بدراسة الطب في المانيا من اجل الموسيقى. ومن المجهودات الناجحة والمتوافقة بين الابن والاب، في نجاحهما المشترك، انطبق عليهم المثل «ذاك الشبل من هذا الاسد». للعلم اولا، لا بد ان استعرض الجزء الهام عن شخصية الاستاذة الدكتورة رتيبة الحفني وحياتها الفنية، فهي ابنة الموسيقي الراحل المقيم الدكتور محمود أحمد الحفني الذي وصل في حياته الفنية الى مستوى رفيع وعالي في العلوم والابتكارات الفنية في الموسيقى الغربية، وبالتركيز القوي الاكثر تواصلا في كل علوم الموسيقى العربية في مصر والعالم العربي والاسلامي. يعتبر الاستاذ الدكتور محمود أحمد الحفني من المؤسسين الاوائل الذين فتحوا ابواب المعرفة لمراجع علوم الفنون الموسيقية العربية التي انتشرت جذورها في كل انحاء العالم العربي والاسلامي والاوربي في اول مهرجان ومؤتمر علمي عالمي للموسيقى العربية في مصر عام 1932من العام الميلادي. وبفضل ابحاثه العلمية وكتبه التي جمعت بين التاريخ، والعلماء والفلاسفة العرب، وعلوم الآلات الموسيقية اللحنية والايقاعية، والمقامات العربية، تحليلا وتصويرا وصيغ وقوالب الموسيقى العربية اللحنية الآلية والغنائية وضروب الآلات الايقاعية بانواعها البسيطة والمركبة المتجانسة وغير المتصلة المعروفة في العالم العربي بالايقاعات العرجاء، واصبحت جميع مؤلفاته مراجع سار علي دربها اساتذة الموسيقى والباحثون في مصر والدول العربية والاسلامية الى وقتنا هذا، اضافة الى مجهوده العلمي في التربية الموسيقية وتطبيقها علميا وعمليا لمناهج تعليم الموسيقى في المعاهد والتربية الموسيقية في المعاهد والتربية الموسيقية في فصول وزارة التربية والتعليم التي كانت تعرف سابقا بوزارة المعارف المصرية. اما الاستاذة الدكتورة رتيبة الحفني والتي حافظت وسارت على نهجه فقد بدأت حياتها الفنية متأثرة بأسرتها، فورثت حب التشجيع في علوم الموسيقى من والدها، كما ورثت منه طيبة القلب وروح المرح والدعابة والاطلاع المتواصل والكتابة. وورثت التدريب على جماليات اصوات الغناء الغربي من جدتها الالمانية الاصل ورعاية والدتها ذات الصوت الفريد الجميل التي كانت تعمل به مغنية ناجحة في اوبرا برلينبالمانيا، وهي التي من اصل الماني، فبالرغم من تشجيع ابنتها رتيبة على دراسة الموسيقى وحب الصوت كانت لها لمساتها في تربيتها الاسلامية في عهد صغرها وتعلمت منها الجلوس على سجادة الصلاة في مواعيدها وهي في سن السابعة حيث كانت قد اشهرت اسلامها قبل الزواج من ابيها، وبادرت بتشجيعها على الاستماع والحضور للمسرحيات باللغة العربية الفصحى، وكانت حريصة كل الحرص في حضورها لمشاهدة ابنتها في كل حفلات الغناء التي كانت تغني فيها وتتحول في حينها الى مشجعة وناقدة بناءة حفظا على مستواها المتطلع. فسارت وحافظت الابنة على هذا المستوى المتطلع وشقت طريقها من هذا الدرب الفني الناضر حتى اصبحت نجمة لامعة في غناء الاوبرات العالمية والاغاني الغربية الاوركسترالية الرفيعة بجمال صوتها الذي ورثته عن جدتها بالاسلوب الغربي في عهد الصغر. تخصصت الاستاذة الدكتورة رتيبة الحفني في تدريس علم التربية الصوتية ونالت فيه دراسات علمية عليا متقدمة وصلت فيه بنجاح تام حتى اصبحت من المغنيات الناجحات والشهيرات في الغناء العالمي الاورالي وبعض انواع الاغاني الغربية الروائية القصيرة في مسارح العالم العربي والغربي ومسارح مصر الشهيرة، واستطاعت ان تؤدي من نماذجها اوبرات ناطقة باللغة العربية على مسارح القاهرة وكنت مع المشاهدين والمستمتعين به في مسرح دار الاوبرا الحديث بالجزيرة. فلمست الترحاب الكامل من المستمع العربي في مصر والدول العالمية والعربية، وامتد نشاطها ونمت تجاربها لتكون استاذة التربية الصوتية في المعاهد الموسيقية في مصر، وانتشرت شهرتها الفنية في بعض دول اوربا واصبحت مرجعا متحركا في اصول التربية الصوتية التي ظهرت موهبتها وتجربتها الناجحة مع كبار المطربين والدارسين في مصر والعالم العربي. ومن محاسنها الخلقية ومقدرتها التربوية تولت الاستاذة وهي في منصب عميد المعهد العالي للموسيقى العربية التابع لاكاديمية الفنون بالهرم، وزادت شهرتها بتأسيس الدراسات العليا للماجستير للمعهد واجتهدت في فتح الدراسات العليا للدكتوراة، وشاركت في المناقشة في اول رسالة للدكتوراة كانت تخصني وهي بعنوان «ايقاعات الاغنية الدينية في وسط السودان» والتي اشرف عليها الراحل الاستاذ الدكتور عز الدين اسماعيل رئيس اكاديمية الفنون بالهرم آنذاك، وشارك معه مساعدان للاشراف وهما الاستاذ الدكتور صفوت كمال خبير الفنون الشعبية في معهد الفنون الشعبية العالي باكاديمية الفنون بالهرم، والاستاذة الدكتورة سهير عبد العظيم استاذة التربية والدراسات العربية بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، وناقشتها الاستاذة الدكتورة رتيبة الحفني عميدة المعهد العالي للموسيقى العربية ممتحنة من الداخل، والاستاذ الراحل المقيم سليمان جميل ممتحنا من الخارج، وبذلك كنت اول دارس من خريجي المعهد العالي للموسيقى والمسرح التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السودان آنذاك، تحصل على شرف الدرجة العلمية في علم الفنون من اكاديمية الفنون بالهرم في صباح الاربعاء العاشر من فبراير 1988م. ارتقت الاستاذة الدكتورة رتيبة الحفني في مواصلة نشاطها الفني الى منصب مديرة البيت الموسيقي في مصر لفترة طويلة وعادت الى ادارة المعهد العالي للموسيقى العربية بعد ان انجزت مهمتها الفنية هناك. واصبحت الآن صاحبة الشأن العظيم الناجح لاهم المواقع القيادية للموسيقى العربية والعالمية الا وهو منصب المقررة وامين عام مهرجان ومؤتمرات الموسيقى العربية في الوجه الاول، ورئيسة المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية والمجلس الدولي للموسيقى بباريس في الوجه الثاني. ومن اهم منجزاتها العلمية انها فتحت باب الدراسات العليا في الموسيقى للتحضير في درجتي الماجستير والدكتوراة لبعض الدارسين في المعهد العالي للموسيقى والمسرح بجانب الدراسات العليا للعالم العربي وبالاخص السودان لشعورها العظيم بتاريخ وحدة وادي النيل الذي كانت له روابط ثقافية وشأن كبير بين مصر والسودان. وفقها الله في خدمة الموسيقى العربية.. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.