أعلن الرئيس عمر البشير مجددا في جوبا أن الحكومة ستقبل خيار الجنوبيين في الاستفتاء على تقرير مصير الإقليم مهما كانت نتيجته، مؤكدا أن الحكومة ستعمل على تقليل سلبيات الانفصال إذا تحقق. وقال البشير في خطاب بعد اجتماعه مع نائبه الأول ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت في جوبا أمس إن قناعة حزب المؤتمر الوطني الحاكم كانت ولا تزال لصالح الوحدة بين شمال السودان وجنوبه، «لكن هذا لا يعني أن نرفض خيار الجنوبيين إذا جاءت النتيجة لصالح الانفصال». واستعرض البشير المجهودات التي قامت بها حكومته من أجل تحقيق السلام، مرورا بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني لقضايا السلام عام 1989، وصولا إلى اتفاقية نيفاشا التي وصفها بأنها حققت مطالب الجنوبيين في السلطة والثروة. وقال البشير إن «مظاهر الوحدة بين الشمال والجنوب لا توجد بين أي دولتين في العالم»، ودعا لتجاوز ما سماها سلبيات الانفصال حال وقوعه «بالعمل على تحقيق مصالح الجنوب والشمال وانطلاقة نهضة تنموية واستغلال الإمكانات الشحيحة بالمنطقتين لصالح إنسان الجنوب والشمال». وأعرب عن استعداد حكومته للمشاركة في احتفالات الدولة الجديدة المحتملة، مبديا الاستعداد لأي دعم تحتاجه، قائلا إن تلك الدولة «ستحتاج للعون وليس هناك أولى من الشمال لتقديم هذا الدعم». وبشأن الاستعدادات للاستفتاء، أكد البشير أن المراحل السابقة -بما فيها تسجيل الناخبين- تمت بصورة جيدة، وتوقع أن تتم باقي الإجراءات بصورة سلسلة. وعن إعلان النتيجة قال البشير إن «الشعب السوداني شعب متحضر وسيخذل كل التوقعات بحدوث أعمال عنف، تماما مثل الانتخابات الأخيرة التي شهدت توقعات مماثلة بحدوث «حرائق ودمار، ولكن الشعب السوداني كذب هذه التوقعات بسلوكه المتحضر». وأكد البشير في لقائه مع منظمات المجتمع المدني والنخب الجنوبية في جوبا رغبته في الحفاظ على روابط جيدة مع الجنوب حتى في حال الانفصال، وقال «حتى بعد قيام دولة الجنوب نحن جاهزون لتقديم دعم فني أو لوجستي أو دعم بالخبرة لها». وأوضح أن «حجم المصالح والروابط بيننا في الشمال والجنوب غير موجودة بين اي دولتين في العالم»، مؤكدًا انه «حتى لو حصل الانفصال فان الفوائد التي يمكن ان نحققها عبر الوحدة يمكن أن نحققها من خلال دولتين». وأكد البشير أنهم سيحترمون خيار أهل الجنوب، مؤكداً أن الانفصال إذا تحقق سيكون بقناعة تامة من هؤلاء، وطمأن بشأن قدرات حكومة الجنوب، مؤكداً أنها أصبحت تتمتع بإمكانات تعينها على قيام دولة منفصلة. وقال إن الحكومة حريصة على استمرار السلام في المنطقة، لأنه أساس لحل جميع مشكلات السودان، وأنه كان الهدف الرئيس لحكومته منذ مجيئها والآن سيتمدد ليعم الدولتين الشمال والجنوب. وانتقد البشير في خطاب لقادة حكومة الجنوب، التضخيم الإعلامي الذي يحيط بالاستفتاء، مؤكداً أن الأجهزة الإعلامية تتحسب لوقوع صراع عنيف بالمنطقة، إبان إعلان نتائج العملية التي رجح أن تكون لصالح الانفصال. وأكد أنهم سيُخذلُون تماماً وسيُلقنون درساً ثانياً، لأن إجراءات الاستفتاء ستسير بسلاسة وهدوء تامين على غرار نتائج الانتخابات التي جرت بالسودان في أبريل الماضي. واتهم الأجهزة الإعلامية المحلية والعالمية بأنها تسعى لتأجيج الصراع والفتن والقتل بالمنطقة، كما تتعمد إهمال الأخبار الجيدة التي تخدم مصلحة المواطنين. وطمأن البشير بشأن استفتاء تقرير مصير الجنوب، قاطعاً بأنه لن يكون سبباً لتأجيج الصراع بالمنطقة أو إحداث تفلتات أمنية، وأن حكومته في الشمال لن تقيم مأتماً حال الانفصال بل ستشارك الجنوبيين احتفالاتهم بالحدث. وذكّر البشير بنموذج الاتحاد الأوروبي للتأكيد على فوائد الوحدة، معتبراً أن دول القارة الأوروبية خاضعت الحروب من الحروب قبل أن تنتقل إلى خيار الاتحاد، غير أنه تعهد أن يقوم بالاحتفال مع الجنوبيين، بصرف النظر عن نتائج الاستفتاء، وأن الشمال «لن ينصب سرادق عزاء» إذ قرر الجنوب الانفصال. وفي المقابل أعلن سلفاكير ميارديت، ، أن حكومته اتخذت إجراءات طردت بموجبها حركات دارفور المسلحة من جوبا، مؤكدا أنه «لا توجد معارضة من الشمال تتخذ من جوبا قاعدة لها.» ورحب سلفاكير بزيارة البشير وقال إنها بددت الشكوك حول قيام الاستفتاء في موعده وغياب الحوار بين الشمال والجنوب. ولقي الرئيس البشير قبل ذلك استقبالاً حافلاً من قبل رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت الذي كان خاض ضده حربًا استمرت سنوات طويلة، غير أنه بسط له السجاد الأحمر أمس في جوبا. وكان في استقبال البشير في مطار جوبا عدد كبير من كبار القياديين الجنوبيين وحرس الشرف . وتجمع خارج المطار نحو 500 شخص يرفعون شعار «لا للوحدة»، ويلوحون بأعلام جنوبية في أجواء احتفالية. كما رفعت منظمات غير حكومية عند مدخل المطار لافتات كتب عليها «نحن سعداء باستقبالك من جديد للاحتفال باستقلال جنوب السودان»، و»نرحّب بكم في الدولة ال193» في العالم. ونشرت قوات أمنية كبيرة في جوبا قبل وصول الرئيس البشير بينما يجوب جنود مسلحون في الشوارع. وفي موازاة ذلك، وصفت بعض القوى السياسية الجنوبية زيارة رئيس الجمهورية إلى الجنوب في هذا الوقت بالمهمة جداً وان الخطاب الذي ألقاه البشير كان ايجابياً. إذ وصف لام اكول، رئيس حزب الحركة الشعبية - التغيير الديمقراطي خطاب الرئيس بالخطاب المسئول وأنه طمأن المتشككين من موقف حكومة حول التزامها بتنفيذ اتفاقية السلام خاصة الاستفتاء واعترافه بنتيجة الاستفتاء. أما توبي مدوت، رئيس حزب سانو، قال إن خطاب الرئيس بالجيد، ودعا الجنوبيين والشماليين الى العمل معاً سواء لتبني أفكار خطاب الرئيس خاصة تلك المتعلقة بالاتحاد بين الدولتين الجديدتين.