خلال فترة وجيزة أفلح الإعلام «على تهيئة سكان السودان قاطبة لاستقبال دولة جديدة في الجنوب بعد التاسع من يناير»، وذلك من خلال نقل أحاديث وإفادات القيادة السياسية، وتحليلات واستنتاجات المختصين والمفكرين، ولعل ماتم يصب في المصلحة الوطنية، وعدم حدوث توترات نتيجة «هول المفاجأة» فإن ظل سكان الشمال في إنتظار إعلان نتيجة الاستفتاء دون تبصيرهم وبخاصة «العامة» بمثل هذه الحقائق ربما حدث «انفجار» رفضا لتجزئة الوطن. ٭ ومن اللافت إن أحاديث الانفصال التي تملا الساحة حالياً ونحن على بعد أربعة أيام من ذهاب سكان الجنوب ليدلوا بأصواتهم في الاستفتاء الذي أقرته «اتفاقية نيفاشا» ماكان لهذه الأحاديث أن تصمد في وجود «الهيئة الشعبية لدعم الوحدة» والتي ينبغي أن يكون لها دور مابعد الاستفتاء أن لم ييأس أهل الشمال من وحدة تأتي من بعد انفصال . ٭ وبما أن الانفصال أضحى مسألة وقت، يتوجب أن يكون هذا الحق الذي أقرته اتفاقية السلام، سهلا ميسوراً دون حدوت «توترات» آملا في وحدة طوعية قد تأتي بعد الانفصال، بحيث يتيقن عقلاء الجنوب بأن وجودهم ضمن الوطن الواحد، أكثر خيراً وأمناً واستقراراً لإقليمهم ووطنهم الكبير، وأن تحقق هذا الأمر ستكون الوحدة أقوي مما كانت عليه في السنوات الماضية، بحيث يعيش جميع أبناء الوطن وهم يتمتعون بكامل الحقوق، ورد الواجبات الوطنية، ويمكن لهذا الأمر أن يتحقق مهما طال السنوات، فالذين يسقُون أبناء الجنوب الآن نحو الانفصال «لغبن في النفوس»أو «أجندة خارجية» لن يكون على الدوام في المسرح السياسي، ولن يكون بعض الشباب الجنوبيين الذين أتوا عبر البحار على مقدرة من الاستمرار في جوبا، حتما سيعودون وهم الذين أججوا نيران الانفصال، وسيبقى السكان المحلين الذين إذا أتيحت لهم الحرية الكاملة سيقولون نعم للوحدة. ٭ المهم يجب أن نتناسى أمر الانفصاليين والشباب القادمين عبر البحار، ولننظر إلى مستقبل السودان في إطاره العريض، بحيث تعمل الحكومة على رفع المظالم، وإزالة دوائر التهميش، التي نأمل أن لايشعر بها سوداني في أي مكان قصي، وأن يظل الجسر ممتداً بين الشمال والجنوب، وأن يكون التعاون الأخوي نموذجاً مشرقاً، لان أي بديل أخر يعني إعادة إنتاج الأزمة بصورة يصعب إطفاء نيرانها، ولايخفى أن الذي يربط الشمال والجنوب أقوى رغم حتمية الانفصال، والذي يمكن أن يكون طلاق يتم بعده تراضي وتوافق، وعودة أكيده «للوحدة» لنعود نغني من جديد رائعة الراحل المقيم عبد اللطيف عبد الرحمن : أنت سوداني وسوداني أنا ضمَّنا الوادي فمن يفصلنا نحن روحانِ حللنا بدنا منقو قل لا عاش من يفصلنا.