كنت في طريقي اسير، شد انتباهي مانشيت عريض في إحدى الصحف مكتوب بالأحمر (اجتماع القمة) يعقد في قصر البارونة، عزمت في قرارة نفسي على الذهاب الى قصر البارونة كي ألم بشئ عن اجتماع القمة المزعوم، كان القصر مقسما لقاعات عريضة لعقد المؤتمرات والاجتماعات، فيه مركز للثقافة والفنون، تقام فيه الندوات الثقافية والاجتماعية عقدت فيه من قبل مدة ندوة الهوية والثقافة واثرها في المجتمعات القبلية التي تكثر في الدول النامية. فيه مسرح كبير وكثير من المرفهات. ذهبت الى القصر كان همي الاول ان ارى هؤلاء القمم الذين يحملون على اكفهم وقلوبهم قلب الوطن وحب الارض. رأيتهم انشرح صدري ازدادت دقات قلبي غمرني الفرح. ما اجمل رجال هذه الارض ورأيتهم في تلك اللحظة رسلا للإنسانية يحملون على عواتقهم هموم ارض ووطن كقمم الجبال شعور بزهو وفخر بأننا لنا قادة بقامات لا يمكن تحديد مداها. بدأت اتشاغل بأحد الملصقات على جدار المسرح، وكان لون الافق محمرا فجأة سمعت ضوضاء تعتلي القصر مسرحه ومؤتمراته وندواته ضوضاء لافتة للانتباه. علمت ان القمة بدأت الآن تناقش قضية محورية تمثل كرامتنا ووطننا وقوتنا، اصابتني رعشة غير سارة لشعور انتابني لا ادري لماذا؟. اللهم اجعله خير، بدأ الاجتماع لقادة القمة هاهي مقاعد القاعة ملأت بالقمم، وبدأ احدهم بتقديم ورقة يقول فيها (إن انشطار الامة وهشاشة الرأي هي التي عجلت بموت اوطاننا) تنفس احدهم الصعداء وصفق آخر بعمق وفرح وآخر اطرق اطراقة طويلة واحدهم يتلفت كأنه يراقب شيئا خارج القاعة، او كأنه يخيل اليه ان هنالك شخصا ما يتنصت عى هذا الاجتماع. قال احدهم يميل لونه للسمرة (الارض هي نقطة الارادة وبداية القوى لدى الانسان الذي ينبض بحب الارض وحق الارض في غرارة نفسه ما احوج الارض لنا عندما نراها في ايد غير آمنة، وان كانت هذه الايدي تمثل ابناءها؟!) تنحنح احدهم في زاوية القادة واصابت الذي يجلس على يمينه عشراقة في حلقه (اعطني ماء من فضلك) فليستمر العضو في تقديم مقترحه).. اصبحت المادة هي المحرك وهي الكيان - الاساسي في قاموس الانسانية هي الرتبة العالية هي الاخلاق للأسف هي الاخلاق فكم من شريف ظلم، وكم من ظالم برأ من اجل مكانته المادية، وبرأ حفاظا عى مكانته الادبية في مجتمعه، علينا يا اخوة بمواجهة اخطائنا علينا تجريد انفسنا من الذاتية التي تقف عائقا. علينا ان نخرج من محور الذات الانانية (ضجت القاعة بالتصفيق الحاد إلا القليل منهم كان هناك من يراقبهم ترى الخوف في عيونهم يبرق). وقال آخر (قضيتنا هي الارض وما تحويه من مدخرات الارض هي التي نصبتنا اعلاما بارزين نعقد الاجتماعات والندوات هي التي اعطتنا فلنسأل انفسنا ماذ اعطيناها؟ قل آخر (سررت جدا بعقد هذه القمة في هذه الفترة تحديدا لأننا نعيش امبريالية عظمى وحركات وتيارات اقتصادية مضادة وقوية يريدون ان يجرفونا من وجه الارض وان يستولوا حتى على عقولنا وافكارنا ونظل في محبس يغيرون افكارنا، ويستولون على آرائنا يمسحون ثقافتنا والغزو الفكري والمسخ الثقافي الذي نتعرض له مخطط ومدبر منذ آلاف السنين، مضت مرحلته الاولى ناضلت قمم بقامات ذرى الجبال فأزالته وبدأ الآن مرحلته الاخيرة ها هي الارض اصبحت بين فكي الحوت فمن منا له المقدرة والقوة لاصطياد هذا الحوت الجبار؟! نكس احدهم رأسه تلفت آخر بخوف وتقدم امام المنصة: نحن في زمن التطور والتكنولوجيا وايدلوجيا الصراع وايديولوجيا الحوار لابد لنا ان نعيش مثلهم لابد ان نماثلهم في الجاه والقوة والسلطان وليس بكثير ان نقدم تنازلات مقابل تقدمنا ولابد ان نعيش؟ صفق قليل من المجتمعين احمرت عينا الاسمر اراد ان يأخذ فرصة ثانية الا ان رئيس الجلسة لم يمنحه . لم يعطه فرصة اخرى ليعبر عما بداخله. وقف احدهم اصلع الرأس كبير السن علينا ان ندبر امورنا بعقلانية هم يمثلون زمام التطور واننا نركض خلف التطور فكيف لنا ان نصل بأوطاننا هذا التطور ان لم تكن هنالك قوة تحمي هذه الافكار وان هذه القوة هم الذين يمثلونها علينا ان نسايرهم حتى نؤمن شرهم ولا ننسى اننا في حاجة إليهم والى علمهم وثقافتهم. وقف شاب نحيل فارع القامة في منتصف الثلاثين من العمر تجري نخوة العروبة في دمه عيناه بهما بريق ذكي لماح وكان اطولهم قامة واكثرهم شجاعة وقال أتنسون محور القضية الاساسية ها هي مدينة اخرى تحترق تجادلنا كثيرا صادقناهم حاورناهم لم نجد غير اطماع في ارضنا وثرواتنا نحن من مد إليهم حبل الطمع. نحن الذين اعطيناهم ارضنا على طبق من ذهب حين استعنا بهم ونسينا هموم امتنا التي على اعناقنا بهرتنا حضارتهم ، لماذا تنازلنا عن حقنا ، فإنني اؤمن ايمانا كاملا بأن الانسان لا يفقد حقه ولا يفقد حريته الا نتيجة ضعفه وتخاذله. لماذا لا نعالج الضعف والتخاذل الذي ينمو في دواخلنا لماذا لم نجتثه حتى نقف بلا خجل امام شعبنا في المنصة؟. وتحدث بصدق من غير ان يشير لنا بأننا نمثل التبعية بعينها وكيف نعيد ثقة شعوبنا المفقودة فينا كيف؟ انهم تحدونا شيدوا استراتيجياتهم على قلب شرقنا ولم ننبس ببنت شفة وساعدناهم في بناء قوتهم في ارضنا بالصمت والإطراق وتنكيس الرأس لماذا لا نقول لا يا سادة؟ لماذا لا نقول لهم كفى ادركوا اننا لا نحتاج قوة السلاح او تكنولوجيا بل نحتاج قوة عزيمة واصرارا صادقا لتبني قضية دلالاتها واضحة لماذا الخزي والصمت؟ امسى احتراق المدن العظيمة سمة وعلامة واضحة وكست وجوهنا اغبرة الرماد وخجل المشاركة في التيار المضاد فجرفتنا المدنية من قبل حضارة اللا شئ حضارة الهيمنة والتكنولوجيا وخوض الامبريالية وخداع الشعوب المغلوب على امرها، فإنهم يريدون ان يصنعوا لهم تاريخا وارثا وحضارة كحضارتنا فليس امامهم غير ان يعيدوا استعمار - واحتراق المدن العظيمة والعريقة ذات التاريخ والتي بتاريخها رغم بساطة اهلها تشعل في قلوبهم الاستفزاز بماضيهم وعراقة حضاراتهم فلابد ان يدمروا هذه المدن ليصنعوا لهم مجدا جديدا وتاريخا يريدون ان يؤرخوا لأنفسهم برماد مدننا واضطهاد شعوبنا، يريدون ان يبنوا بالقوة والتكنولوجيا تاريخا على قلوبنا، للأسف سوف يسقطون لأن التاريخ والمجد لا يبنيان على اضطهاد الشعوب والهيمنة، ما ذنبنا ان يولدوا بلا تاريخ ما ذنبنا ان لم تكون لهم امجاد وحضارات؟! فأرجو ألا ندع لهم فرصة بناء مجد على آثارنا او فرصة نجاح جلجلت القاعة بالتصفيق المتواصل الا من بعضهم وقف آخر مسح وجهه بمنديله الابيض هدأوا من روعكم رجاءً لا تنفعلوا هكذا.. لا تبذلوا طاقة في الحديث ولا حتى التصفيق فقد مضت عهود الشعارات البراقة والتصفيق للقادة والسادة لم هذه الضوضاء لماذا نصفق لكلمة الحق؟ لماذا لا نجعل هذه الكلمة هي محور قضيتنا ونقاشنا؟، ان التصفيق عادة يستخدم للنجاح للدهشة لشئ مبهر لشئ حدث فجأة لم نتوقعه، لماذا نصفق هدأوا من روعكم ، هل بهرتنا الحقائق لماذا نبذل طاقة في شئ بديهي لماذا لا نكبر لماذا نفرح بالشعارات ونحن نعلم في غرارتنا اننا لا ولن نستطيع القيام حتى ولو بحرف منها، واننا لم نحقق نجاحا حتى نصفق له..؟! جلس صاحب المنديل الابيض اصاب القاعة الوجوم بكلماته الحارة الواقعية لم يصفق احد نكسوا رؤوسهم وقام آخر وقال: «إننا في زمن النفخ على البوق وملء الافواه بالدولارات. نحن في زمن المادة التي تغلبت على العقول والقلوب لماذا ضاعت قضيتنا الاساسية ، ؟ واين دينارات الذهب الاسود وما عدد الخزائن المملوءة ؟ ماذا اعطونا غير فتات وسندوتشات الهامبرجر والكولا، اين نحن منهم؟! فإنهم بنو قوتهم على رؤوسنا واكتافنا ولن نستطيع الفكاك من قيودهم نحن نحتاج لنهضة انسانية تحس قضايانا وهمومنا. ما زلت اتلفت كالمخبول لا اعلم ما قيل في القمة كان همي المدينة المحترقة. كان همي ان يخرجوا جميعهم يدا واحدة ويد الله فوق ايديهم وان يضعوا مدينة العروبة المحترقة هم الامة. جف حلقي من التنبؤات وزخم الخيال بما يقولون شربت كوب ماء بارد والتفت يميني رأيت سيدة تسير بثقة نحو باب القاعة راقبتها ترتدي فستانا احمر قصيرا، شعرها اصفر ترتدي نظارة تكاد تخفي ملامح وجهها الذي لم ارَ منه إلا انفها الرقيق اين هذا الوجه انني رأيته من قبل ولكن اين؟! رفعت النظارة عن وجهها قليلا قرب باب القاعة كانت جميلة باهرة تساءلت ان هذه السيدة مكانها المسرح اوالمقهى المطل على الشاطئ او اي مكان لموعد غرامي خاص وتاهت عن مكانها ولكنها لم تتلفت اوتسأل احدا وسارت كأنها تدرك مكانها لم تكن ثيابها وبهرجتها تعني انها مسؤولة او سيدة مجتمع ابدا..! ظلت تنظر للساعة بطريقة قلقلة جدا ما يقلقني اكثر ماذا قال سادة الاجتماع بخصوص المدينة المحترقة على ماذا اتفقوا؟! بدأت الضوضاء تعج بالمكان اسرع المجتمعون في خطواتهم كانوا يهرولون كأنهم يريدون ان يخرجوا من انفسهم عبءاً ثقيلا على اكتافهم او كأنهم يتخلصون من حمل على اكتافهم لم ارَ احدهم مسرورا. توقف احدهم في الاربعين من عمره قرب السيدة ذات الثوب الاحمر همست له في ا ذنه ابتسم بفخر اشار لآخرين: توقفوا مدعوون الليلة وليمة عشاء فاخرة فيها غناء ورقص، توقفوا حولها الا بعض منهم كالشاب الاسمر وصاحب الثلاثين عاما وآخرون نظروا لهؤلاء بحسرة بائنة وساروا في خطواتهم. قال صاحب الثلاثين عاما للاسمر ألم ترَ رجالا بهذه القامة يقفون حول هذه الحرباء يتوددون إليها هل هؤلاء يرجى منهم قضية ارض او مدن محترقة وكان الله في عوننا.... ألم ترَ ان نقاش هؤلاء كان فيه هشاشة مثلا كلام الاصلع نقاش لا عمق فيه سطحي يحمل كثيرا من التودد للامبريالية كأنه يخاطبهم. هيا تعالوا احترنا فإننا فلت زمام انفسنا، منا هيا تعالوا قودونا فإننا لم نعد نقدر على فعل شئ بدون استشارتكم هيا ساعدونا...!! نقاش فيه كثير من التردد والتساهل حتى الحقيقة نصب اعيننا ولم نستطع الوصول إليها هيا يا رفاق فلنسر فإننا لم نعد شيئا يذكر وهؤلاء الآن يقبضون ثمن خطابهم اوصمتهم، ألم ترَ السهولة والسذاجة في خطاب قضية المحور او قضية المدينة الاخرى المحترقة؟. اخي ماذا تفعل وإننا نعيش زمن المصلحة الخاصة وخصخصة حتى المشاعر الإنسانية ، نحن لم نعد عامين بل خاصون في كل شئ مما دمر افكارنا ودمرنا ، إننا نعيش فكاك العقول ، فكاك الدم والدين ونسينا رابطنا ديننا مبادئنا التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل نحن امة يرجى منها عدل؟ام نحن منهزمون هزيمة ذاتية هزيمة داخل اغوار انفسنا فهل من يرقع هذه الثقوب ، فالهزيمة الذاتية مدمر اساسي للوطن وللإنسان؛ لأن هنا تسيطر الانانية على سلوك الافراد وبعدها ينتشر الجور والظلم وتنعدم الإنسانية الحقة، وتتفتت الامة التي وحدها النبي صلى الله عليه وسلم القائد الاعظم التي بناءها على التوحيد وحب الدين والارض وملأ الكون عدلا وانسانية.. فلنعش يدا واحدة ونترك حب الذات قبل ان نغني للارض ونقول للازهار: (كوني خيمة لحبيبتي)..!