[email protected] كنا نحدق في فراغات الزمان وتأكل الصحراء أوجهنا وتذرونا الرمال.. على الرمال نجري.. ونقتحم اللظى. ونموت في المنفى .. تبعثرنا الجبال.. على الجبال تتقيأ الدنيا أَظِلّتَنا.. فنركض في مناكبها.. هياكل.. ترتقي جبل الهموم.. بلا ظلال ونخيلنا ما لقَّحته الريح. ما ألقت جدائله على كتف الجزيره والنهر مسلول الجوانح. ما به شبق.. ولا زبد فقد نسيت أواذيه ترانيم (الدميره) أبيات شاعرنا السوداني ( محيي الدين فارس) هذه والسودانوية روحاً ومعنى؛ ربما تكون إن جاز لنا الوصف أبلغ تصوير وتشخيص للحالة السودانية الراهنة وفي هذه الأيام العصيبة من تاريخنا، والفارغة من أي بارقة أمل كفؤاد أم موسى.. حالتنا في أبسط تعاريفها ودون فذلكة حتى تشبه جداراً صلدا لا وجود فيه لمنفذ أو كوة يتسلل منها الضوء ليطرد دياجير القهر والضنك في زمن غار فيه الفوارس أم أزمان التصفيق.. وما أدراكم ما التصفيق. فالتَصْفيقُ والصفق هو الضرب الذي يُسمع له صوت، ويقال: صفقته الريح.. والتَصْفيقُ باليد: التَصويتُ بها، وصفقت له بالبيع والبَيعةِ صفقا، أي ضربت يدي على يده.. ويقال: ربحت صفقتك للشراء، وصفقة رابحة وصفقة خاسرة.. وفي درجيتنا السودانية نقول صفقتُ الباب أي أغلقته بقوة وهي كلمة فصيحة ومصداقاً لها قال الشاعر: يسعى عليه العبد بالكوبِ متَكِئا تصْفَقُ أبوابُه ونقول أيضاً: ( صفقتو كف أو أم كف).. وصفَقتُ العود، إذا حرّكت أوتاره عزفاً، وفي ذلك قال ابن الطثرية: دَمُ الزِقِّ عنا واصْطِفاقُ المَزاهِرِ ويوم كظِلِّ الرمحِ قَصَّر طولَهُ وللتصفيق معنى آخر هو التصدية وجاءت من كلمة الصدى وهو ما يُجيبك من صوت الجبلِ بمثْلِ صوتِكَ أو ارتداد الصوت في الأماكن الواسعة المغلقة.. قال الله تعالى: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مُكاءً وتَصْدِيَةً؛ قال ابن عرفة: التصدِية من الصدَى، وهو الصّوْتُ الذي يَرُدّهُ عليكَ الجَبَلُ، والتصدية ضرْبكَ يَدا على يد لتُسْمِعَ ذلك إنساناً، وهو من قوله (مُكاءً وتَصْدِيَة). وفي الحضارة اليونانية كان التصفيق هو وسيلة إظهار استحسان الجمهور وإعجابهم بالعروض المسرحية أو الموسيقية أو الغنائية التي يشاهدونها، بل إنّ اليونانيين ربما كانوا أقدم الشعوب التي عرفت مهنة المصفق المأجور؛ أي الشخص الذي يحصل على مقابل مادي نظير التصفيق المتحمّس لمسرحية معينة أو أداء موسيقي ما، فقد كان بعض المؤلفين المسرحيين الذين يعرضون مسرحياتهم على مسرح (ديونيسيوس) يؤجرون مجموعات من الجماهير تقوم بالتصفيق الحار لمسرحياتهم أمام لجان تحكيم المسابقات المسرحية. وتذكر كتب التاريخ أنّ (نيرون) طاغية روما الشهير أسس مدرسة خاصة لتعليم أصول التصفيق، وأنّه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف على القيثارة؛ ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف". أمّا في فرنسا فهناك هيئة منظمة للتصفيق في المسارح ودور (الأوبرا) التي كانت تدفع للهيئة لخلق الوهم ودرجة انطباع الموافقة لدى جميع الحضور حتى وإن كان العرض مزرياً. وفي بريطانيا يتم التصفيق لمدة دقيقتين للإشارة على احترام الشخص المتوفي حديثاً.. أمّا الشعب الأمريكي بشكل عام فإنه يصفق عندما يسمع كلمة (الحرية) لا أدري هل لأنّهم نصبوا أنفسهم حماة عالميين لها أم لأنّهم هم من يغتصبها من بقية شعوب الأرض تحت مسميات ومبررات عدة كالضربة الاستباقية؟ وللتصفيق في الأمثال نصيب فقد ورد في الأمثال العربية: (اليد الواحدة لا تصفّق).. والمثل الفرنسي يقول: (يظل الطفل بريئاً حتى يتعلّم التصفيق).. ونخلص مما سبق إلى أنّ التصفيق ظاهرة تصوّر وتعكس مدى البهجة أو الموافقة أو الرضا عمّا هو معروض أمامك من مشاهد وأفكار وفي أغلبها تدل على النشوة والفرح. إذا كان التصفيق يدل على البهجة والرضا فلماذا إذن صفّق نواب المؤتمر الوطني (الحزب صاحب الأغلبية المطلقة) في البرلمان عندما أجاز المجلس الوطني يوم 5 يناير الجاري قرار زيادة أسعار المحروقات والسكر.. هذا يعني أنّهم شبعوا فرحاً و (كيفا) لمعاناة الشعب السوداني وشظف عيشه و( شايل هم معيشته).. هل أطربهم ارتفاع وزيادة نسبة التضخم وسقوط جنيهنا السوداني مترنحاً صريعاً أمام دولار أمريكا التي دنا عذابها.. هل وجدوا لذة وانبهاراً للقرارات التي ستجعل بعضنا يأكل وجبة واحدة بدلاً عن وجبتين كما هو حال السواد الغالب منّا.. النواب المصفقون والمهللون في غير موضعه لم يسلم إخوانهم المسلمون من لسانهم ويدهم.. الأطرف من هذا كله أن أحدهم وصف القرار بأنه محاولة لتلافي انهيار الاقتصاد وب (الهدية) للشعب السوداني بمناسبة عيد الاستقلال.. بل أنتم بهديتكم تفرحون أيّها النواب. محمد الحضري [[email protected]] \\\\\\\\\\\\\\\\