٭ رغم أن صناديق الاقتراع لم تحسم بعد نتيجة الاستفتاء إلا ان الانفصال اصبح واقعاً وهو امر كان متوقعاً لان بند الاستفتاء ما كان له أن يوضع لولا أن هنالك هدفاً مرسوماً رسماً دقيقاً تم نسجه وحبكه بصورة خادعة جعلت الوطني ينام في سبات عميق نوماً هانئاً على مخدات الوحدة الجاذبة ثم يفيق على كوابيس الاحلام المزعجة التي فاجأته بتبني شريكه لخيار الانفصال. لقد حق للمؤتمر الوطني ان ينام تلك النومة الهانئة لأن ديننا يحثنا على حفظ العهود والمواثيق ويحرم علينا الغدر والخيانة وهذا هو حال كل الديانات السماوية لكنهم نسو ان الحرب خدعة. انني كنت اتوقع من المؤتمر الوطني الذي قبل بند الاستفتاء أن يضع للانفصال ولو نسبة 1% وان يحدد حلفاً خاصاً بذلك يحسم كبرى المشكلات التي ربما تطفوا على السطح في حالة الانفصال ومنها ابيي والحدود والمياه والبترول والمواطنة والعملة وحقوق المواطنين الجنوبيين بالشمال والشماليين بالجنوب والعمل على حسمها قبل كل شيء لأن ذلك من الملفات الحساسة حتى تكون الامور واضحة بينه ومتفق عليها كيلا تكون حجر عثرة في انسياب الامن والسلام بين الدولتين القادمتين. إن بعد النظر امر هام ويجب ان توضع للاحتمالات وإن كانت ضئيلة أهمية قصوى خاصة في مثل هذه المسائل الحساسة التي يتوقف عليها مصير البلاد ووحدتها. والآن علينا ان نعي هذا الدرس جيداً وان نقف عنده وقفة متأنية وأن لا نمر عليه مرور الكرام حتى لا تتكرر المأساة في منطقة ملتهبة أخرى كدارفور مثلاً فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. واقول للمتفائلين دون قراءة حقيقية لواقع الاحداث ودراسة مجرياتها والذين ما زالوا يظنون ان الوحدة هى الخيار الاوحد الذي لا مناص منه أنهم قد خدعوا بوسائل الاعلام وبعض تصريحات المسؤولين ولا يعلمون ان اختيار الوحدة او الانفصال أمر لا تحدده صناديق الاقتراع بل هو أمر تتحكم فيه الحركة الشعبية لأنها هى المسيطرة والمهيمنة والآمرة والناهية في الجنوب وأظن ان تصريحات النائب الاول سلفاكير بأنه سيصوت للوحدة ما ذلك إلا مناورات ونوع من التخدير السياسي وعندما اقتربت ساعة الاستفتاء جاءت حقيقة الامر وإعلانه لنواياه الحقيقية وهى الانفصال ولا شئ سوى الانفصال وهذه هى رغبة الحركة الشعبية لا اقول منذ ان وقعت اتفاقية السلام وان كان ذلك امراً وارداً ولكن منذ ان توفي الراحل العقيد جون قرنق إن البديل الوحيد لهم هو حكم البلاد جميعها وعندما لم يجدوا لذلك سبيلا ذهبوا الى خيار الانفصال. إن أبناء الجنوب الذين عشت معهم منذ نعومة اظافري والى ان بلغت سن الرشد لا يناصبون الشماليين العداء ولا يظنون أنهم أى الشماليين مستعمرين كما تظن النخبة الحاكمة بل يعتقدون اعتقاداً جازماً بأنهم جلبوا اليهم الخير الوفير هؤلاء لا يرغبون في غير الوحدة إلا ان الحركة استخدمت نفوذها وكل ما تملك من وسائل العنف والبطش والتهديد والوعيد لارغامهم على التصويت لصالح الانفصال بل ذهبت بعيداً من ذلك، حرمت بعض الجنوبيين من انصار الوحدة من حقهم في التسجيل وخاصة المسلمين منهم وما تم في الشمال لابناء الجنوب خير دليل على ذلك!! ومن الادلة التي تؤكد رغبة الجنوبيين في البقاء في وطن موحد هو توجههم نحو الشمال عندما احتدمت المعارك بالجنوب بدلاً من الذهاب الى دول اخرى قريبة منهم لأنهم يرون ان الشمال هو وطنهم الذي يمكنهم العيش فيه بعزة وكرامة والذي سيجدون فيه المأوى الآمن والعيش الكريم وهذا ما وجدوه بالفعل. واظن ان الاستفتاء اذا تم في اجواء نزيهة وشفافة فإن النتيجة كانت حتماً ستكون الوحدة ولكن فات الاوان ولقد فرطنا في الاحتفاظ بوطننا موحداً ولا يجدي البكاء والحسرة فلربما ضارة نافعة فارجو ذلك. والآن وقد اصبح الانفصال امراً واقعاً وهذا يعني ان يذهب كل الى وطنه الجديد تاركاً وراءه كل ما بنى وشيد من منازل وعقارات تجارية وغير ذلك وللاسف الشديد بادرت الحركة الشعبية بالعداء وفاجأت التجار الشماليين بضرورة مغادرة الجنوب في غضون 84 ساعة وهددتهم بعدم تحملها لاى مسؤولية تجاه أموالهم واعراضهم ودمائهم بدلاً من توجيه هذا التهديد لابناء جلدتهم بعدم التعرض للشماليين وان الانفصال اذا حدث لا يعني العداء ولكن فاقد الشيء لا يعطيه والآن يجب علينا في حالة الانفصال ان نلتزم جميعاً بقول الشاعر: عاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هى أحسن الآن وان كانت هنالك امور هامة معلقة ويجب حلها باسرع ما يمكن كمسألة الحدود وقضية أبيي إلا ان حقوق العباد يجب ان تنال أهمية قصوى فالمؤتمر الوطني قبل الحركة يعلم ان الله يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك به وحقوق العباد وكنا ننتظر من المؤتمر الوطني ان يجعل ملف حقوق التجار الشماليين التي اصبحت غنيمة لدى منسوبي الحركة ضمن ملفات السلام فلقد فقد هؤلاء التجار كل تحويشة عمرهم ومنهم من عاد الى الشمال بخفي حنين فطرقوا أبواب الكثير من المسؤولين إلا انهم لم يجدوا أذناً صاغية ولا إهتماماً يذكر لا ادري لماذا كل هذا السكوت؟!! فمتى سنجد حقوقنا إن لم نجدها في ظل حكم الشريعة؟!! وارجو ان اذكر رئيسنا الاخ عمر البشير بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب الشهيرة ( لو ان بغلة عترت بالعراق لسئل عمر لم لم يسو لها الطريق). فهاهو طريقنا الى حقوقنا متعثر فهل سيسوي لنا عمر هذا الطريق؟؟؟!! إذ اخوتنا الجنوبيون لهم ممتلكات الآن بالشمال ولنا نحن التجار الشماليين أيضاً ممتلكات بالجنوب ونملك المستندات التي تؤكد ذلك إذن آن الآوان الآن ان تخصص الحكومة والحركة ملفاً يضمن لكل ذي حق حقه لتصفوا النفوس وتبرأ الذمم قبل يوم الحساب العسير وأظن ان الحركة سوف لن تقبل بضياع حقوق منسوبيها من الجنوبيين جميعاً فهل سيبقى المؤتمر الوطني على حاله ساكتاً مضيعاً لحقوقنا؟؟!! وها نحن نستصرخك ياعمر وندعوك باسم الشريعة ان ترد لنا حقوقنا كاملة ولا تدعنا نلجأ الى منظمات حقوق الانسان وغيرها التي لا نظن بأنها اعدل واكثر اهتماماً بإنصاف المظلومين من شريعتنا السمحاء التي هدينا فيها القرآن الكريم وسنة نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (كان الناس في الجاهلية اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد والحمد لله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها). فأين نحن من هذا القول ارجو ان يكون لنا ذلك نبراساً ونوراً يرشدنا الى تطبيق الشريعة التي يرجوها الجميع بصورتها السليمة المعافاة والمبرأة من كل عيوب. ورسالة أخيرة للسيد ياسر عرمان القيادي بالحركة الشعبية والذي يتحدث كثيراً عن الظلم والتهميش والسودان الجديد وغير ذلك من الشعارات البراقة الرنانة وبصفته مسؤول قطاع الشمال.. هل انت مسؤول عن حقوق الجنوبيين بالشمال فقط ام أنك مسؤول ايضاً عن حقوق الشماليين بالجنوب أيضاً؟ ألم تسمع وتقرأ وتعلم الظلم الذي لحق بالتجار الشماليين سابقاً وحالياً بالجنوب؟ فماذا كان دورك وماذا ستنتظر منك يا مناصراً للمهمشين ومنادياً بتحقيق العدالة؟ ويا حلم رئاسة لم تتم!!