لعناية الاستاذ/ امال عباس ٭ الاحداث العاصفة التي اجتاحت تونس الخضراء وافضت الى مغادرة بن علي تاركا شعبه يغلي كالبركان، لا تخلو هذه الاحداث من دروس وعبر، فقد وفرت هذه الاحداث لحظة للتأمل العميق، لنغوص برهة في مدلولات تلك الآية (تلك الأيام نداولها بين الناس)، فبين ليلة وضحاها غادر الرجل قصره المنيف وحياة الدعة له ولاسرته لاجئاً يبحث عن موطيء قدم في هذا الكون الفسيح، وحتى الامس القريب كان يفرش له السجاد الاحمر ضيفاً عزيزاً أنّى حل، ويطلب الناس وده والتقرب اليه. ٭ وتعلم أن الناس بالذات المراقبين والمحللين للاحداث قد ذهبوا مذاهب شتى من خلال تقييم هذه الاحداث من زوايا مختلفة، فالناظر لهذه الاحداث والمعالجات التي تقدمت بها الحكومة، بل وفكرها في إدارة الازمة والتي تشير وتؤكد من قوتها وإندفاعها وتسارع إيقاعها، أنها أزمة تراكمت عبر سنوات طويلة، جاءت المعالجات صادمة للوجدان السليم بل ومخجلة في ذات الوقت، وأكدت المعالجات بجلاء أن الامة العربية في بعض امصارها ما زالت تمتطي صهوات الجمال والخيول وتتجول في الصحراء بحثاً عن الكلأ والماء، ولم تعرف المدنية ولا مطلوبات الحضارة الانسانية سبيلاً اليها، بل تعيدنا هذه المعالجات الى بعض كلمات للراحل نزار قباني بعد هزيمة 76..( ليس في تاريخ الاقوام قوم اسمهم العرب). أقول هذا وقد خرج بن علي مخاطباً جماهير أمته في تونس في خطاب اشبه بالاعتذار، ذاكراً انه كان مغشوشاً.. تلاعب به شلة من المستشارين وبطانة السوء، وذكر بن علي وقال الآن فهمتكم ووجهت بحرية الاعلام ورفع الرقابة عن الصحف، وانه لا رئاسة مدى الحياة وحرية التظاهر السلمي، ووجه كذلك بسحب القوات المسلحة من المدن، هذه القوات التي نزلت الى الشارع العام لتصوب أسلحتها لمواطنين مدنيين وعزل. هذا في تقديري أسوأ أنواع الدكتاتوريات التي تعمل على قطع صلة الشعب بالعالم، فقد ذكر احد المعارضين التونسيين من فرنسا عبر قناة الجزيرة.. أن تونس كانت من ابشع الدول التي فرضت رقابة على الانترنت. ٭ الاحداث جاءت وتسارعت لتؤكد بجلاء أن بعض حكام العرب ما زالوا يجلسون في القصور تحفهم حاشية عبر مجلس يتعاقرون فيه الخمر، وتتلاعب بجوانحهم جارية حسناء، تتغنى لهم عن مجد هم أول من أضاعوه، فقلت في نفسي انتهى زمن الجواري ومات ابو نواس، ورحل الامير المغري الى غير رجعة، وانكسر سيف العرب وقبر في غرناطة والاندلس. ٭ قلت إن احداث تونس كانت فرصة للتأمل ووقفة للمراجعة لمعرفة الهوة بين الحكام والمحكومين في منطقتنا العربية، وكيف ان شعبا بهذا الانسكار وخيبة الامل يسهم في ترتيب بيت العرب من الداخل لمواجهة التحديات التي تقف في وجه العرب من صلف اسرائيلي وامريكي يمتد في منطقتنا بين فراغات الغفلة وإنحسار المواكبة. محمد النوبي