شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    الى قيادة الدولة، وزير الخارجية، مندوب السودان الحارث    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    المنتخب يتدرب وياسر مزمل ينضم للمعسكر    عائشة الماجدي: دارفور عروس السودان    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوجهات الآحادية قد تدفع بأبناء النوبة والنيل الأزرق لحذو الجنوب
دكتور جمعة كندة ل ( الصحافة ) :
نشر في الصحافة يوم 19 - 01 - 2011

يعتبر الدكتور جمعة كندة أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة جوبا من ابرز المهتمين بقضايا جبال النوبة اذ ظل يوجه همه في البحث عن موضوعات الصراع والنزاعات وقد كان لخلفيته الأكاديمية دفعا كبيرا في هذا الاتجاه حاصل على الماجستير في اقتصاديات التنمية وله العديد من النشرات العلمية بالعديد من الجامعات العالمية ودراسات فوق الدكتوراة بجامعة هالة الالمانية وآخر اصداراته كتاب عن الحكم والصراع والنوبة بالسودان بعنوان: ( Land Governance Conflict and Nuba of sudan (
(الصحافة) جلست الى دكتور جمعة في حوار عام مع التركيز على قضايا المنطقة التي تشهد الآن وضعا شائكا وقد تم الحوار بمكتبه بمركز لغات جبال النوبة بأم درمان
{أزمة الحكم بالسودان وصلت تعقيداتها لخيار الانفصال ما هو تعليقكم على ذلك؟
- من ناحية تاريخية السودان كدولة حديثة لم تستطع المنظومة السياسية بشكل عام بناء مشروع وطني يحدث تكاملاً اقتصادياً سياسياً اجتماعياً وثقافياً لمكونات المجتمع المتنوعة نتيجة لتبني مشروع سياسي يعترف ظاهرياً بالتنوع لكن في باطنه يعمل بشكل مؤسس ومنظم على فرض ما يسمى القومية الآحادية من خلال ما اسميه الوحدة في التوحيد،بمعنى محاولة دمج الثقافات الأخرى وبشكل قسري في ثقافة رئيسية هي الثقافة العربية في حين ان الواقع يشير الى أن السودان دولة متنوعة الثقافات والأديان والأعراق ومتباينة حتى في الجغرافيا والبيئات وسبل كسب العيش وبالتالي الامر لا يحتاج لاجتهاد في خلق قناعة سياسية بان الوحدة في التنوع هي المنهج الامثل لحكم السودان عليه فان غياب هذه الرؤى طيلة فترة الاستقلال كانت نتيجتها انشطار السودان اليوم الى كيانين شمال وجنوب.
{هذا يعني ان انفصال الجنوب لا يمثل نهاية لحل الأزمة؟
- نعم انفصال الجنوب لا يعني نهاية الأزمة ما لم نستفيد من الدروس والعبر لهذه التجربة وتقديم مشروع سياسي جديد على اسس الاعتراف بالتنوع في بقية شمال السودان.
{هل ترى أن اتفاقية السلام الشامل قد خاطبت ذلك؟
- نعم الاتفاقية خاطبت مشكلة السودان عموما وقد كان واضحا ان مسألة التعدد الديني والثقافي والعرفي مثل الارضية الاساسية للاتفاق، وفي هذا السياق افرزت الاتفاقية بعض البروتوكولات التي خاطبت مشكلات خاصة لمجتمعات جنوب كردفان (جبال النوبة ) والنيل الأزرق تضمنت معالجات القضايا المتعلقة بمسألة الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغات المحلية وضرورة ان تتبنى الدولة سياسات واضحة تسمح لشعوب السودان المختلفة بالتعبير عن ثقافاتها المحلية وموروثاتها ولغاتها اثراءً للبناء القومي الشامل وهذه الفلسفة مبنية على أساس ان الولاء القومي للشعوب يبدأ من الولاء المحلي ثم يتدرج الى أعلى ليشمل الولاء القومي.
{كيف يتم ذلك؟
- لكي يتم ذلك لابد ان يشعر المواطن بان المظاهر الثقافية والوجدانية التي تشكل شخصيته المحلية قد تم ادماجها وبشكل واضح في الثقافة والهوية القومية من خلال البرامج والتربية والتوجه العام للدولة وهويتها وبغياب هذا التمثيل فان المجتمعات المحلية تشعر بالاقصاء الثقافي وتبتدئ من انتماءات خارج إطار الدولة وهو ما حدث في جنوب السودان الآن.
{هل هذا يعني تكرار التجربة خاصة اذا ما تم ربطها بالتصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية ؟
- يمكن تكرار التجربة فيما يعرف بالمناطق المهمشة تهميشا مركبا (سياسي اقتصادي ديني) وبالتحديد جنوب كردفان ( جبال النوبة) والنيل الازرق والبجه في شرق السودان، وهذا ما يجعلنا نقول بان اتفاقية السلام كانت كفيلة باعادة بناء السودان بشكل قوي ومستدام الا ان التحديات التي صاحبت تطبيقها نتيجة لغياب الرغبة والارادة السياسية في تحقيق مضامينها المتمثلة في (الوحدة في التنوع) كان السبب فيما نحن فيه الآن وما سيأتي لاحقاً،فبالرغم من انفصال الجنوب ليس هناك مؤشر يدل على ان القيادة السياسية الحاكمة أي المؤتمر الوطني سيغير من سياسته القائمة على عدم استصحاب جميع المكونات السودانية بشكل فعلي في عملية البناء الوطني وهو ما اكدته تصريحات رئيس الجمهورية بتاريخ 19 ديسمبر الماضي حينما ذكر بالحرف الواحد بأنه اذا انفصل الجنوب فلا مجال لما سماه بالدغمسة الثقافية والدينية وهذا يعني ان المؤتمر الوطني قد سمح بانفصال الجنوب حتى يبقى شمال السودان نقياً وخصباً لانشاء دولة آحادية القومية والثقافة واللغة.
{أين هذا من الواقع السوداني بأبعاده المختلفة؟
- هذا بالطبع يتنافى مع الواقع الاجتماعي والثقافي والديني في شمال السودان ولكن ما نريد توضيحه هو انه ليس هناك مشكلة بان يكون للسودان لغة رسمية في مثل هذه الحالة فلكل دولة لغة رسمية معروفة بالمنظمات الدولية وليس هناك مشكلة بان شمال السودان غالبية سكانه مسلمون وبالتالي من حقهم تحقيق اشواقهم من خلال الحكم.
{ ما هي المشكلة إذاً؟
-المشكلة عدم الاعتراف بخصوصيات الآخر مثلا أية دولة متعددة الثقافات واللغات كالهند ونيجيريا واثيوبيا وغيرها تكون لديها لغات رسمية مع الاعتراف الرسمي ايضا بجميع اللغات التي تتحدث بها المجتمعات المحلية في ذلك البلد لدرجة ان بعض هذه اللغات تكون لغات رسمية في البرلمانات المحلية والجامعات والمدارس ومؤسسات الاعلام. ايضا لا اعتقد ان الاسلام كدين لا يقبل التعددية بل بالعكس الاسلام يعمل ويثري الحياة في المجتمعات المتعددة بدليل ان الحضارة الاسلامية بنيت عليها الحضارة الأوروبية والعلوم والتقانة في المراحل الأولى واليوم تستفيد الحضارة العربية والاسلامية بشكل واضح من التفوق الغربي في مجالات العلم والتكنولوجيا وهذه كلها لا يمكن أن تتم في ظروف تسمح بتجاوز وتلاقح الثقافات والمعارف والأديان وكل القيم الانسانية وبالتالي فإن من يروا بأن في فصل الجنوب فرصة لتكوين دولة اسلامية عربية نقية في الشمال مخطئون فكرا وواقعا
{أرجو التكرم بتوضيح ذلك ؟
-ان المسيحية لم تأتِ من الجنوب ولم تأتِ من الغرب الأوروبي، أتت من الجزيرة العربية وباللغة العربية وهذا يعني انها رافد أصيل من روافد شمال السودان كما هو واضح من خلال تاريخ السودان، ثانيا ليس هناك فرصة لدولة دينية او عرقية او ثقافية او آيديولوجية او دولة قومية يمكن ان تنشأ في شمال السودان بل هناك ارض خصبة لدولة قوميات وديانات وثقافات تتعارف وتتعايش وتتحاور في إطار مسيرة طويلة يكون نتيجتها النهائية بناء الشخصية السودانية ولا تقبل غير أنها سودانية ولذلك فان تصريح رئيس الجمهورية يحتاج لنوع من الدقة كان من المفترض ان يطمئن بقية القوميات ومعتنقي الديانات الأخرى بأن دولة الشمال القادمة ستسع الجميع من خلال المشاركة الفعلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
{ ألم تكن هناك ارهاصات تشير الى أن الامور تسير في هذا الاتجاه من خلال تنفيذ الاتفاق؟
- بالتأكيد كانت هناك العديد من الارهاصات فحينما تراجع اتفاقية السلام تجد ان معظم البنود التي لم يتم تنفيذها تتعلق باحترام التعددية وبحقوق المجتمعات المحلية وحقوق الإنسان بصفة عامة مثلاً اتفاقية السلام اشارت الى تطوير اللغات والثقافات المحلية ولكن من الملاحظ عدم وجود اية جهود تعطي الانطباع بأن هناك تغييراً في الخطاب الإعلامي نحو ابراز الثقافات المحلية ولغاتها بل تجد أن التلفزيون المحلي نسخة أصلية للتلفزيون القومي.
{أضف لذلك ان مفوضية الاراضي على المستوى القومي وعلى مستوى ولايتي جنوب كردفان ( جبال النوبة) والنيل الازرق لم يتم تكوينها لأن ذلك يعطي الشعوب المحلية حق امتلاك أراضيها باعتبار ان الارض مصدر الثروة ورمز الهوية المحلية. ايضا لم يتم تكوين مفوضية حقوق الانسان لانها معنية بمراقبة وتحسين سجل السودان في حقوق الانسان كما ان مفوضية حقوق غير المسلمين التي تم تكوينها بالعاصمة سيطر عليها مسلمون مما هزم الروح الاساسية التي قام عليها انشاء هذه المفوضية حيث كان من المفترض ان يقوم بادارتها اصحاب المعتقدات الاخرى في اطار سياسة قومية واضحة المعالم وبصورة تسمح لغير المسلمين المشاركة في المصالحة الاجتماعية والتعايش الديني واثراء الحياة العامة في السودان. هذه الامثلة تشير بشكل واضح بأن الجزء الذي يعضد الوحدة في التنوع باتفاقية السلام لم يتم تطبيقه بشكل شبه كامل لذلك فان مستقبل شمال السودان واستقراره السياسي والاجتماعي وعلاقاته الدولية ستتوقف على مدى استعداد القيادة السياسية الحالية والقادمة على الاستجابة لمتطلبات الوحدة في التنوع.
{د. جمعة اذا استصحبنا اسقاطات الوضع الراهن ما هي فرص حل اشكاليات جبال النوبة؟
- جبال النوبة صورة مصغرة للسودان كما ان السودان صورة مصغرة لافريقيا من حيث التنوع وسبل كسب العيش مزارعون رعاة موارد بترول معادن.. الخ.. الاتفاقية اعطت لهذه الولاية خصوصية لانها كانت واحدة من المناطق التي سميت المناطق المتنازع عليها وهنا لا بد من الاشارة اولا الى ان ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها او مناطق التماس فهي ذاتها المناطق التي حدث فيها اندماج وانصهار ثقافي واجتماعي وعرقي وديني بشكل جعل من مجتمعاتها صورة مشرقة لما يمكن ان يسمى «بالسوداناوية» فكلما اتجهت شمالا تتراجع لصالح العربية وجنوبا لصالح الافريقية .المجتمعات المحلية بجبال النوبة الغالبية النوبة المزارعون وهم السكان الاصليون والبقارة الرعاة هاتان المجموعتان تتكاملان ثقافيا في منظومة محلية رائعة جدا فيما يتعلق بالتطور الطبيعي للمجتمعات حيث نجد التعاون الاقتصادي والتداخل الثقافي العفوي والاندماج الاجتماعي في ابهى صورة لكن رغم ذلك استطاعت العقلية الاقصائية في المركز خلال سياسة فرق تسد منذ فترة الاستعمار مرورا بمرحلة بعد الاستقلال من تقسيم المجموعات المحلية الى ولاءات سياسية بعيدا عن مصالحها المشتركة ،ووصل الحال الى ذروته خلال الحرب الاهلية الثانية التي فرضت على المجموعتين الدخول في حروب بالوكالة في اطار النزاع حول الثروة والسلطة والهوية على المستوى القومي.
لذلك كانت لهذه المنطقة خصوصية في اتفاقية السلام الا انها اعطتها حقوقاً محدودة من خلال ما يعرف ببروتوكول جنوب كردفان جبال النوبة.
{فيم تمثلت هذه الحقوق ؟
-اهم هذه الاستحقاقات المشورة الشعبية التي كان من المفترض ان تمارس قبل استفتاء جنوب السودان حتى يستطيع الشريكان التأكد معا من تنفيذ هذه الاستحقاقات ولكن واقع الحال يشير الى ان هذا الاستحقاق قد اصبح في قائمة موضوعات ما بعد الاستفتاء وسيكون لهذا آثار قانونية ودستورية وسياسية.
{قبل الحديث عن الآثار المترتبة على التأجيل هناك مآخذ وجدل حول غموض مفهوم المشورة الشعبية.
-الغموض ينبع من ان المشورة الشعبية ليست مصطلحا سياسيا قانونيا ذا تجربة دولية راسخة اضف الى ذلك المفارقة الواضحة في كيفية الممارسة التي ستتم بها المشورة الشعبية هنا في السودان. المشورة الشعبية في تيمور تعني حق تقرير المصير حيث اخذت استقلالها من خلال المشورة الشعبية وفقا للمفاوضات التي تمت بين الثوار والحكومة المركزية في وجود ارادة سياسية.
والمشورة الشعبية في اقليم ابتشي يعني حكماً ذاتياً واسع السلطات فمن خلال المشورة الشعبية نال الاقليم حكما ذاتيا وسيطر على حكم نفسه بنفسه بشكل كامل مع السيطرة على 70% من الموارد الاقتصادية بما فيها المطارات والموانئ بالاقليم بجانب مشاركته النسبية في السلطة والثروة على المستوى القومي مما اعطى شعب الاقليم قناعة بالبقاء في اطار الدولة الواحدة. المشورة الشعبية في كينيا استشارة شعب كينيا برمته من خلال استفتاء مباشر حول دستور كينيا.
اما في حالة المشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الازرق فان اهم ملاحظة هي المفارقة ما بين المسمى «المشورة الشعبية» والممارسة لان الممارسة هنا برلمانية وليست شعبية وهذا يعني ان الحق الاصيل لشعب الولايتين تم اختزاله في عدد محدود من الشخصيات التي يمكن التأثير عليها سياسيا او هزيمتها بآلية ديمقراطية مقارنة بحق تقرير مصير شعب الجنوب الذي يتم بشكل شعبي مباشر، بمعنى انه سيحدده كل افراد جنوب السودان. لهذه المفارقة الاساسية فان المشورة الشعبية لن تحقق طموحات شعب المنطقتين عدا في حالة واحدة.
{ما هي تلك الحالة ؟
- هي ان تتوفر ارادة سياسية ورغبة اكيدة لمخاطبة ومعالجة جذور التهميش المركب وتقديم حلول سياسية واقتصادية وتنموية وثقافية في اطار حل سياسي كامل للولايتين.
{ما هو السبيل لذلك؟
- السبيل الوحيد لذلك هو الاعتراف بهذا الواقع وتطبيق ما عرف عالميا بالتمييز الايجابي اي ان يتم اعطاء ميزة تفضيلية لهاتين المنطقتين في مجال التنمية حتى يتم قفل الفجوة بينهما وبين المجموعات القومية الاخرى في مجال التنمية البشرية تعليم وصحة وتنمية اقتصادية والتوظيف القومي وتمثيل الهوية والثقافة المحلية في الثقافة القومية.
{نعود للسؤال عن الآثار المترتبة على تأجيل المشورة لما بعد الاستفتاء ؟
-الآثار سياسياً لا يمكن تنفيذ هذا الاستحاق في غياب الشريك الآخر بالشكل المطلوب للحركة الشعبية التي ستنسحب جنوبا بعد الانفصال مما يعني انتهاء حكومة الوحدة الوطنية وهي ذات الحكومة المشار اليها في الاتفاقية وقانون المشورة الشعبية بأنها مناطة بتطبيق المشورة.
قانونيا ودستوريا المشورة مربوطة بجداول زمنية وأطر قانونية حددها قانون المشورة الشعبية وكلها تنتهي خلال فترة فعالية اتفاق السلام الشامل ولكن واقع الحال يشير الى ان تطبيق هذه الجداول والمصفوفات سيحتاج لفترة زمنية تمتد الى ما بعد انتهاء الفترة القانونية والمحدد لها 9 يوليو 2011 وبالتالي تنعدم الضمانات الدولية الموجودة في اتفاقية السلام اذا ما تم تطبيق المشورة الشعبية بعد اتفاقية السلام والخيار الوحيد في نظري ان يتم عمل ملحق لاتفاقية السلام بواسطة الايقاد وبتوقيع نفس الشهود الدوليين مع بقاء القوات الدولية في المنطقتين حتى يتم تنفيذ هذا الملحق وبشكل كامل.
{ما هي توقعاتك في حالة عدم تنفيذ هذا المقترح او ما يماثله ان وجد؟
في هذه الحالة ارى ان المنطقتين مرشحتين لان تكونا في مقدمة المناطق التي ستنحو منحى جنوب السودان وترفع سقفها من مجرد مشورة شعبية في اطار السودان الواحد الى المطالبة بحق تقرير المصير بشكل كامل وذلك من خلال بعض الحقائق، وهي وجود قوات بكامل عتادها وتدريبها وسلاحها من المنطقتين في انتظار حسم القضية بالشكل المطلوب، وجود جيل جديد اكثر تعليما ووعيا واكثر انتشارا في العالم سينضم لعملية النضال القادم مسلحا ام سلميا، المجتمع الدولي ودولة الجنوب الوليدة خاصة الحركة الشعبية ما زالت لديهم التزامات سياسية واخلاقية تجاه هذه المناطق من خلال التزامهم في اطار اتفاقية السلام الشامل اضف لذلك فان موضوع المشورة الشعبية يحمل في طياته آمال وطموحات شعب النوبة والنيل الازرق فيما يتعلق بصيغة الحكم والسلطة والهوية والاتفاقية لم تحقق ذلك وهو السؤال الذي ظل شعب المنطقتين في انتظار الاجابة عليه من خلال المشورة بالرغم من انها وفي حالة تعذر ذلك فان الاطار الجديد سيكون مفتوحا على مصراعيه ويمكن ان يمتد الى اي سقف مطلبي يمكن ان يتخيله المرء
{هل تشير بذلك الى ما حدث بالجنوب؟
- نعم تاريخيا بدأ الجنوب بمطالب متواضعة سودنة الوظائف حكم فدرالي انتهى بالانفصال الكامل. هذه التجربة ستكون درساً وعظة لهذه المناطق التي يجمعها الظلم والتهميش اذا لم تتغير العقلية السياسية في شمال السودان والمفارقة هنا ان ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق اكثر ولايات السودان غنىً بالثروات الكامنة الزراعية والتقليدية والثروة الحيوانية والغابية وموارد المياه بها خزان الروصيرص وسنار والبترول والذهب كل هذه الثروات موجودة في هذا الحزام الذي اسميه ( حزام الغنى والفقر) فهو احد المناطق القليلة في العالم التي يسكن بها الغنى والفقر ثراء في الموارد وفقر مدقع لمجتمعاتها وهو دليل كاف لاختلال عملية الحكم والثروة والسلطة في السودان واقصاء مجموعات بشرية مع استغلال اراضيها لصالح ما يسمى بالصالح العام.
{قبل ا ن نختم هذا الحوار ما هي الكلمات التي يمكن ان توجهها للاخوة بالجنوب وهم في طريق تأسيس دولتهم الجديدة؟
-ان يتعظوا من تجربة السودان التي قادت لانفصالهم وذلك بالاعتراف بالآخر والتنوع والحفاظ على حقوق المسلمين والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.