كل منا يتمنى أن تصبح الأحلام حقيقة، واحياناً تتبخر الآمال سريعا، في ستينيات القرن الماضي كان الحلم بعد الانتهاء من بناء السد العالي هو انارة افريقيا كلها وليس السودان فقط. لكن سريعاً ما انقشع صباح الحقيقة بل وتبدد الحلم كالضباب. والآن تأتي الاخبار بموافقة مصر على طلب السودان بمده بالغاز، وكشف وزير البترول المصري المهندس سامح فهمي ان بلاده تدرس حاليا وبشكل جدي الموافقة على طلب حكومة السودان مدها بالغاز الطبيعي خاصة بعد وصول الغاز أسوان وذلك لتأمين احتياجات السودان من الطاقة وكانت الخرطوم طلبت رسميا من الحكومة المصرية الحصول على الغاز المصري لتأمين احتياجات السودان من الطاقة إلا ان وزارة البترول كانت قد ارجأت الطلب لحين تلبية احتياجات الطلب المحلي للطاقة. وبنظرة سريعة الى انتاج واستهلاك مصر من الغاز الطبيعي يمكن ان تعطينا مؤشرا الى مدى امكانية واستدامة امداد مصر للسودان بالغاز الطبيعي، بلغ انتاج مصر من الغاز 2135 مليار قدم مكعب عام 7002م وتم تحويل 1519 مليار قدم مكعب للوفاء باحتياجات السوق المحلي بنسبة 71% ويستخدم الفارق بينهما في عمليات الرفع والحقن بالغاز في الحقول واستخلاص مشتقات الغاز بحوالى 168 مليار قدم مكعب ويتم توجيه الباقي الى التصدير بحوالى 615 مليار قدم مكعب. ويمكن لمصر أن تصدر غازا للسودان لكن هناك مخاوف من ذلك الاولى تتمثل في ان السوق المحلي المصري قابل لزيادة الاستهلاك خاصة مع موجة الغلاء المتصاعدة في مصر والثانية هي بنود التعاقد في عقود التصدير العالمية للغاز ليست لها المرونة الكافية لاستيعاب التطور الكبير في الأسواق العالمية للطاقة وهناك خلافات موجودة اليوم بين الدول المصدرة والمستوردة للغاز، هناك خلافات بين كل من روسيا وأوكرانيا، الجزائر واسبانيا، روسيا وفرنسا، الجزائر وفرنسا، ايران وتركيا، تركمانستان وايران. حملت كل هذه المخاوف والرؤى الى الخبير الهندسي ورئيس غرفة الصناعات الهندسية المهندس حسن العشي وقال ان عملية استيراد الغاز من مصر للاغراض التجارية الكبيرة هي في اطار المحاولات الأولية وهذا الامر يأخذ زمنا طويلا وليس على المدى القصير أو المنظور، اذ يحتاج الى فترة زمنية 3 أو 4 سنوات. وهو يظل مجرد تعاون في مجالات الاقتراحات او الامنيات، اذ ان هناك فرق كبير بين المقترحات والنقاشات وبين الاجراءات الحقيقية لوصول المشروع الى طور التنفيذ، والحقيقة نقل الغاز من البحر الاحمر الى الخرطوم يحتاج لبنية تحتية ضخمة وتحتاج لتمويل طويل الامد. خاصة اذا علمنا ان الغاز المصري لم يكتمل وصوله الى كل انحاء مصر أي ان هناك مناطق لم تكتف ذاتياً من الغاز كما ان الاستهلاك المصري للغاز كبير جدا اذ يصل الى 30 مليون انبوبة غاز شهريا. وقال الحقيقة ان الدراسات المتعلقة بمشروع تصدير الغاز المصري غير كاملة ومعظم الحديث عنها يكون دائما في إطار التمنيات الطيبة والمجاملات على هامش مؤثرات لقاءات المسؤولين والتي تأتي بدون تحضيرات مسبقة وتأتي دائما في إطار التبريرات والتصريحات. وللغاز الطبيعي أهمية كبرى في أية عملية تنمية ويقلل تكاليف انتاج أية سلعة ويوفر الطاقة وهو ارخص بكثير من الفيرنس المستخدم حاليا في المصانع السودانية، اذ يكلف الغاز ربع تكلفة الفيرنس تقريبا، لكن الغاز المنتج في السودان لا يكفي الحاجة المحلية. وهناك مؤشرات على اكتشاف الغاز في البحر الاحمر ومناطق اخرى من البلاد ولكن لم يتم حتى الآن اثبات القيمة التجارية له، كما ان استكشاف الغاز واستخراجه يحتاج الى استثمارات هائلة.