إنطفأ مصباح من مصابيح مدينة الدامر وإنطوت صفحة بيضاء زاهية برحيل الأديب الشاعر والقاص مهدي الطيب صاحب الصالون الأدبي في بيته منذ زمن بعيد فهو بحر من بحور الأدب في بلادي وينتمي للدامر مولداً وعلماً وكان جسر للتواصل بين الدامر وأدباء مصر مع طه حسين والعقاد مع صالون مي زيادة مع كل المنتديات.. ونقول قول الشاعر علوي الهاشمي وقد كان الراحل يؤنس مرتادي ديوانه بالشعر والعصافير وظل الشجرة:- لوركا أيتها الحرية الحقيقية أوقد لي نجومك البعيدة وداعاً وجففوا النشيج مرة راودتني العصافير في النوم كانت تنقر فوق جفوني وتزقو فتحت مدائن حلمي وقلت أُدخلي نافذة الحلم مفتوحة كالمدى. وكان مهدي الطيب كتاباً مفتوحاً معجب بالزعيم الأزهري وينادي بالوحدة مع مصر وتدهشه الأيام لطه حسين وقد ولد وهو على موعد مع المعرفة ويتابع حركات التحرر ويتحدث كثيراً عن لوممبا وعبد الناصر وكان متصوف ليبرالي زاهد وكان كحبات القمح تدفن أشواقها في التراب ويجذبه شوقاً للقضية الفلسطينية شعراء القضية ومساجلاتهم ومراسلاتهم من معين بسيسو إلى سميح القاسم وصاحب النجوم محمود درويش ويحلق كثيراً متأملاً مظفر النواب ومنتوجه الأدبي. كان مهدي الطيب كالفراشات مصلوبة الأجنحة.. وكشجر النخل باسقاً يتلألأ في سموات مدينة الدامر جمالاً ومعرفة كان آخر الحزن لي.. وكان كما يقول صديقي بانقا عباس رامبو عندما يعجبه موقف كان في الأعما يحفر أنبل المواقف على جدارات الزمن.. عند حوارات الشروق والغروب مع صديقيه البروفسير عبد الله الطيب وحاج حمد عباس حمودة.. كان مهدي الطيب الإنعتاق وجسارة كلمات الأوفيا عندما يصف صديقه البروفسير عبد الله الطيب انه من صناديد الشعراء العرب، ومهدي الطيب ناقد حصيف وصاحب عبارة ووجهة كالوطن يتقدمك أشع مهدي بالخضرة عطاء وكان كالندي يغسل الأحزان كان يخطو في زمانه ويتمدد في دواخلنا نم غرير العين صديقي مهدي الطيب.. فقد كنت الجسد والورود والأزهار فأنت الأرض.. الروضة.. المدرسة.. الجامعة.. وميلاد الموجة الصرخة.. الود والكتمان وأنت الشدر الناضر.. يا وجع الذاكرة وقراءة التاريخ وتخط رواية زواج من أسرة مجهولة وتسألني هل هي أحلام يقظة أم هل هي خترفة حالم؟ وكانت رؤية فلسفية عندما تقول إنما قصة لمن يعقل وتظل رؤيتك بأهدائها محفورة في ذاكرتي كملامحك وأنت تتحدث عن صلاح عبد الصبور الانسان والشاعر وتتحدث عن ماذا كتب الشاعر نشأت المصري عن صلاح وأن تكوين الشاعر من حيث الظروف التي صقلت علاقته بالكلمة.. وأن أبجدية الشعر الكلمات وتعجز الكلمات لدى أن أصفك وأصف روحك لا أعرف أأعزي نفسي أم إخوانك ميرغني وأبشر أم أبناء اخوانك مجذوب وحسن أم صديقك حسن النعيم.. أم أعزي طرقات المدينة وناسها أم أن الكلمات لا تعطيك حقك أيها الناسك الجميل.. يا فارس الكلمة والأحرف والمواقف يا صاحب البشارة والأمل دائماً أيها الرجل الممتلئ بالحياة وأنت تقول أنا أكره الأصوات الباكية مستشهداً بصديقك نجيب محفوظ في روايته «الكرنك» وإنك تهتم بمكتبتك بالأرض والجدران والأرفف وتقول دائماً إن في الجو غيم وان المطر قادماً كبشارة وأن هذه البلاد لا خوف عليها طالما فيها ومنها سادت المعرفة التجاني الماحي الذي كتب مقدمة في تاريخ الطب العربي وأن الإرتقاء بالعربية يتأتى من المحبة وهي سلالم الشفاعة وقد كنت نافذة للدامر تحكي أطلالها وخلاويها ومشايخها وشعراءها.. وقد كنت عندما تأتي من القاهرة ومن أحد صوالينها الأدبية.. وتحكي عن مسرح المواجهة والإنتاج المسرحي العربي وعلاقته بالقضية الفلسطينية وتعود تتأبط أمهات الكتب الصادرة في القاهرة إن كانت لأحمد عبد العطى حجازي أو أمل دنقل وقد كنت تشكل إضافة معرفية سنوية لذاكرة المدينةالدامر التي أحببتها وقد كنت معرفياً تجيد الكي والتأمل تحفظ التراث.. ولم تتفوه يوماً بكلمة في غير موضعها كنت الأدب والتأدب. أستاذنا مهدي الطيب أنت النهر الفاصل في دروب المعرفة وقد علمت نفسك وثقفتها.. أعطيتها المكياج الداخلي الذي شكل حرتك وسكونك وتصور أن الأدب هو صراع الإنسان ضد الشر وقد أوضحت كثيراً أن نهاية القصة قد تكون أحياناً سعيدة وقد تكون حزينة.. وقصتنا نحن اليوم الذين فقدناك حزينة ونحن في أشد الحوجة لشخصك تملأ فضاء مدينتك معرفة وسط عارفي فضلك وتقول ان دون كيشوت يحاور ظله وكنت تردد أستاذنا مهدي أن العمر لا يظلم وأن ساعة الرحيل قد تأتي في أي لحظة وأنت المتصوف.. العارف لعلوم الكون ولكن رحيلك كان مفاجأة لنا ومرير ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله ولكن نقول إنك قد كنت كتاباً مفتوحاً في حضرة مدينة «الدامر» وكان بيتك مفتوحاً ومكتبتك مقروءة لأبناء الدامر.. وأصدقائك الشيخ الهجا والشاعر عمر محمد العوض ومصعب الصاوي وميسرة عثمان وأمير صالح جبريل والفاضل عكير وحسام البر وبكري سليمان دخيل الله.. وكانت قهوة ود البي بعطبرة هي مجلس السمر الأدبي وكانت الونسة مع الضابط الأديب اللواء يوسف محمد عبد الغني عن الشعر والشعراء وعن خليل حاوي وانتمائه لمدرسة الشعر الحديث وعن هل هو معاصر للبياتي أم صلاح عبد الصبور ويمتد الحديث في جلساته ومؤانساته عن الشعر السوداني وتاج السر الحسن وجيلي عبد الرحمن وكان يرتاد مكتبته الضخمة في بيته طلاب الدراسات العليا بالجامعات من أبناء الدامر وقد جاء رحيله ضد الأزمنة الجميلة ومازلنا كنا نرتجى منه مؤانسات ومحاضرات عن بلند الحيدري ومحمود درويش وسميح القاسم.. وقد كان منزلك عصف فكري وذهني بحضور إخوتك وأبناءك من مدينة الدامر لقد رحلت أخي مهدي الطيب وأنت ممسك بالمعرفة.. وأقول لك أديبنا مهدي الطيب أنت وإعلامنا وعلماءنا الذين رحلوا عن الدامر وعن هذه الدنيا الفانية محمد المهدي المجذوب وبروفيسور عبد الله الطيب وعبد المنعم قدور و حامد عبد الرؤوف وعز الدين الربيع ومأمون كليب وعلي عكير والشيخ الهجا وحاج حمد عباس وعثمان الصول وولاد ملاح وكمبرور وأولاد عبد الرحمن أقول ان شخوصكم وجلائل أعمالكم لا تصدأ في الذاكرة إلى أن أرحل عن هذه الدنيا وما تركتموه تاريخ ناصع لكل أمة السودان وقد كسوتم بالحب أرض الدامر دار الأبواب. الرحمة تغشاك أستاذنا مهدي الطيب نأمل أن ترى كُتُبك كلها النور.