قبل أن تمضي أربع وعشرون ساعة على فتوى هيئة علماء السودان بتحريم حرق النفس احتجاجا على الاوضاع ومطالبتها باختيار أية وسيلة أخرى للتعبير عن الرفض، دلق شاب ساخط على ارتفاع الاسعار والغلاء «البنزين» فوق رأسه متأهبا لاشعال النار امام موكب والي ولاية الجزيرة الزبير بشير طه قبل ان تحبط الاجهزة الامنية المحاولة ويتم توقيفه في انتظار التحقيق ، بحاضرة الولاية ودمدني يوم امس الاول كما جاء بالصحف . اذن سنة البوعزيزي باتت لاكابح لها فهناك ما يفوق السبع حالات اقدمت على حرق نفسها ب»مصر وموريتانيا والجزائر والاردن» ومحاولة شاب ولاية الجزيرة التي لم تصل للنهاية التي خطط لها، فاتح الباب واسعا امام عدد من التساؤلات اولهم مامدى تأثير ما تصدره هيئة علماء المسلمين من فتاوي وسط المواطنين وتفاعلهم معها وماهي امكانية محاصرة الظاهرة والحلول الممكنة ، على صفحات الفيس بوك. كتب احد الشباب السودانيين على حسابه الخاص المسجل باسم الطيب حسن الاحد الماضي ، بعد انتشار محاولات حرق النفس في الشوارع العربية بعد نجاح الثورة التونسية التي تسبب فيها البائع المتجول ، ( علماء السودان يعلنون حرمة حرق النفس احتجاجا) الامر الذي وجد نوعاً من التداخل العالي والتندر فجملة 36 متداخل من بين 41 لحظة مطالعتي الصفحة بعد ساعات من كتابة التعليق كانوا يعتبرون الامر مجرد دور سياسي تقوم به الهيئة بينما ايد الآخرون الخطوة التي فاجأهم كاتبها ليلا وكتب ان الامر لايعدو سوى توقعاته للايام المقبلة بالسودان، وهاهي هيئة العلما تصدر فتواها الاربعاء معتبرة الخطوة بالانتحار كما جاء بالصحف صباح الخميس، محرك البحث قوقل يمكنه ان يأتيك بفتوى اخرى لكن مصدرها الارض التي اشتعلت فيها اولى الشرارات، فالفتاوي بتونس لاترى الامر بذات العين التي ترى بها هيئة علماء السودان ، لكن لنترك هيئة العلماء وفتواهم التي لم تجد سامعاً حتى قبل ان تغيب الشمس على اعلانها ، ونبحث عن الاسباب. تقول الباحثة الاجتماعية حنان ابراهيم الجاك ان الظاهرة تعود لتفشي البطالة وعدم التقييم الايجابي من قبل الانظمة لاحتياجات الشباب باعتبارهم في مرحلة التدفق ، معتبرة ان كبح جماح الظاهرة يحتاج الى استراتيجيات واضحة لمعالجة قضايا الشباب يراعي فيها النمو السكاني وضغوطات الواقع الاقتصادي والسياسي التي قد تتحول الى ثورات اجتماعية ، وليس فتاوي تجرم الفعل وتترك الاسباب الدافعة له ، ففي ابريل من العام المنصرم سجلت نسبة البطالة بين الخريجين 28%، الرقم قدم في ورشة عمل العدالة الاجتماعية والعمل اللائق من اجل العولمة التى نظمها اتحادنقابات عمال السودان ووزارة العمل وتحدث فيها وزير العمل السابق السون مناني مقايا ورئيس اتحاد عمال السودان ابراهيم غندور ، فالضعط الاقتصادي بجانب الاحساس بالدونية كما وصفتها حنان الجاك هي دوافع حقيقية تقود كل شاب للاقدام على الخطوة لافتة الى ان التنشئة الاجتماعية وفقدان الاجهزة الامنية والشرطية للوعي النفسي من اجل معالجة الامر هو ما يزيد من تفجر براكين الرفض والغضب ، فالازمة التي تحتاج الى علاج كما اتفق عدد من المختصين هي ضرورة ان تلتفت الدولة واجهزتها لمعالجة القضايا التي تحاصر الناس ، مشددين على ان الفتاوي لن تحد من الظاهرة وخير دليل ما اقدم عليه ذلك الشباب بولاية الجزيرة ، فالمحاولة التي قام به اتفق الجميع على انها قد تكون بداية لآخرين يمكنهم النجاح في محاولتهم بسبب ارتفاع معدلات الفقر والكم الهائل من الخريجين العاطلين عن العمل ، وتسميه خبير الاجتماع حنان الجاك بالجماعية في السلوك الفردي ولاتستبعد تكراره مرة اخرى مشددة على ان العلماء اذا تحدثوا عن الامر بانه انتحار فالمدان هو الجهاز السياسي بسبب انعدام الرؤية لهؤلاء الشباب بجانب الامن الاسري لافتة الى ان الخطوة التي قام بها الشاب بولاية الجزيرة قد لاتجد الاهتمام من قبل المسؤولين وسوف يعتبرونه قام بمحاولة للفت الانتباه وتكرار التجربة لكنها حذرت من ان التجاهل قد يولد عنفا واضافت على العلماء قبل ان يفتوا بالتحريم ان يفتوا في سياسات الانظمة ويحرموا مانراه سائداً في المجتمع من سياسات وعليهم ادانة الامر ويتحلوا بالشجاعة وليس تجريم الحدث ويقضوا الطرف عن الاسباب ، فالخطوة يمكنها ان تقود المسؤولين في الاتجاه نحو التخطيط وتوزيع فرص العمل وفتح الباب لكل الشباب .