السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فذلكة تأريخية حول الغناء وشعره في السودان ومآلاته (12)

المتتبع لحركة الغناء في السودان، يجد انها تتنوع فى نمطها تبعاً للانتماء الثقافي الموروث للقبيلة والموقع الجغرافي لها، حيث نجد أن الغناء في جنوب السودان يتداخل شيئاً ما مع الغناء في كل من جنوب دارفور وجنوب كردفان، حيث تستعمل آلات مثل الطمبور والبالمبو والادنكو مع الخلاف في بعض الآلآت والايقاعات ونوع الرقص المصاحب، كما نجد أيضاً أن نفس الحالة بين شرق السودان وبعض القبائل في اوسطه وشماله، حيث تتمازج اشكال الايقاعات والرقصات والآلآت المستخدمة في العزف.
وقبائل مثل الرشايدة في شرق السودان وبحكم انتمائها الى الجزيرة العربية، فإنها تتفرد بالعزف على آلة شبيهة بأم كيكي المنتشرة في غرب السودان، وهي الآلة المعروفة عند العرب بآلة الناي، اما الغناء في اواسط السودان فله نوعية خاصة به، وهو ما يسمونه بغناء التم تم الذي انطلق من مدينة كوستي وقد اظهرته شقيقتان تقطنان هنالك، وتمدد في بداية القرن المنصرم شمالاً فتأثرت به مجتمعات قاطني الخرطوم بصفة عامة وجزء كبير من منطقة الجزيرة، وهو ما يسمى كذلك بغناء البنات أو غناء السيرة، وهو شبيه بغناء الحكامات في بعض مدن كردفان ودارفور، إلا أن الاخير يعتمد على الصفقة والضرب على القرع كآلة ايقاعية، اما في بداية شمال السودان ومناطق الجعليين بالتحديد فقد انتشر غناء الحماسة والمديح، وأخذ أنماطاً كثيرة مثل الدوبيت والحوم بي وهو صوت يخرج من الحنجرة، بالإضافة الى الدلوكة، وتتبعها آلة الشتم وهي آلة مصغرة من الدلوكة واصغر من الطبلة المكملة لآلة البنقز المعروفة في الغناء الحديث، بجانب غناء الطمبرة. ومن منطقة كبوشية بالتحديد بدأ شكل الأغنية يأخذ طابع الحداثة، حيث بداية غناء الحقيبة التي يستعمل فيها الرق والمثلث وايقاعات صفقة الايادي والطبل ورائدها هو الفنان عبد الله الماحي.
وتشتهر منطقة الشايقية بإيقاع الدليب عن طريق الغناء بالطمبور، وتصاحبه الصفقة مع الرقص بحركات الأرجل، بالاضافة الى رقصات النساء اللاتي يشاركن في حلقة الغناء، والامر يبدو متشابهاً في منطقة الدناقلة والمحس والسكوت، مع اختلاف في منطقة حلفا التي ينتشر فيها الغناء الذي يصاحبه الضرب على الدفوف والطار. وهذا يعتبر مدخلاً بسيطاً للشكل العام للغناء في السودان، حيث يعتمد على الإرث الموجود في كل منطقة علي حدة.
وبدأ الغناء الحديث في الشمال وتمدد في بقية الاقاليم بغناء الحقيبة الذي انطلق من منطقة كبوشية، وذلك فى بداية القرن المنصرم وما حولها في اتجاه مدينة ام درمان، حيث بدأ عصر انطلاق وانتشار أغنية الحقيبة التي انداحت الى منطقة بحري وشرق النيل، وشملت اجزاءً كبيرة من مناطق العاصمة، حيث انتشر غناء الحقيبة في اتجاه المدن التي تجاورها، ورويداً رويداً تطور غناء الحقيبة نفسه، وذلك عندما بدأت الآلآت الموسيقية تنتشر، حيث سجل خليل فرح اول اسطوانة بالقاهرة وادخل عليها آلة البيانو زائداً العود، وهي الاغنية المشهورة «عازة في هواك»، ومن ثم تكونت بعض الفرق من عدد قليل من الآلآت مثل العود والكمنجات والطبلة، وكان من منسوبي هذه الحقبة الاساتذة اسماعيل عبد المعين وعبد الحميد يوسف وحسن سليمان الهاوي وعبيد الطيب وأحمد المصطفى وحسن عطية والكاشف وعبد الدافع عثمان والخير عثمان ومحجوب عثمان. ومن المغنيات عائشة الفلاتية وفاطمة الحاج ومهلة العبادية ومنى الخير. وكان هؤلاء يمثلون المدرسة الرائدة في الغناء الحديث، ثم تبعهم في تطور طبيعي الأساتذة عثمان حسين وسيد خليفة وابو داؤود وإبراهيم عوض وعثمان الشفيع والتاج مصطفى ومحمد وردي ورمضان حسن ومحمد حسنين والكابلي وأحمد الجابري وحمد الريح ورمضان زائد وخليل اسماعيل، وبقية العقد النضيد. إلى أن جاء الجيل الثالث او قل الرابع، وهم الاساتذة زيدان ابراهيم وعثمان مصطفى ومحمد الامين ومحمد ميرغني وابو عركي البخيت وعبد العزيز المبارك وخوجلي عثمان ومصطفى سيد احمد والخالدي والبلابل ومجذوب أونسة. ولقد صاحب ذلك الزمن انعكاس للموسيقى العالمية على وجه التحديد الغربية منها والامريكية، فظهرت فى تلك الحقبة فرق للغناء الغربي الجماعي أو ما يسمى بغناء الجاز، ونذكر منهم فرقة شرحبيل أحمد والبلو استارز وفرقة جاز العقارب وفرقة جاز الديوم وفرقة كمال كيلة والجيلاني الواثق ووليم أندريه، مروراً بفرقة السمندل وفرقة عقد الجلاد.
وللأسف فإن معظم تلك الفرق التى عطرت سماء العاصمة القومية والأقاليم قد انسربت من دائرة الضوء، ونسأل الله أن يحفظ أستاذنا شرحبيل أحمد وفرقة عقد الجلاد ومجموعتهم، وأن يقوي شوكة الأستاذ النور الجيلاني الذى يخبو مرة ويضيء تارة أخرى.
ولا بد من بناء فرق للغناء والعزف الجماعي تستفيد من إرث الشعوب الاخرى وتنسجم مع ثقافة وتراث الشعب السودانى، ولا يفوتنا أن نشيد بالبلبلتين الغريدتين آمال النور وحنان النيل، ونتمني ألا يقف عطاؤهم ويصير موسمياً أو تعوقهم الكبوات المرتبطة بالهوس الديني أو التفسير المغلوط لمشروعية الغناء في الفقة الإسلامي، طالما أنه لا يرتبط بالرذيل من الكلام الذى يحطُ من الفضيلة الإنسانية.
وحافظ هذا الجيل الحديث من الفنانين على الموروث من الذين سبقوهم، وتميزوا بإبداعهم الخاص الذي حاز على رضاء الناس، واستقر في وجدانياتهم التي شكلت اجيالاً من المعاصرين الذين عشقوا تلك الروائع. وكان كل ذلك يمثل الحقبة التي بلغت بالغناء السوداني الحديث الى اعلى مرافئ الموسيقى والغناء المرتبط بالمفردة الشعرية المتميزة التى بدأت منذ عهد الأساتذة الشعراء الافذاذ، عمر البنا وخليل فرح وعبد الله البنا وود الرضي وابو صلاح وعبيد عبد الرحمن وسيد عبد العزيز والعبادي والعمرابي ومحمد بشير عتيق ومحمد الأمي والمساح وفلاحّ وعبد الرحمن الريح وأحمد محمد الشيخ الجاغريو وعثمان ادريس والفاضل المُنجد. وقد تغنى لحقيبة الفن من هؤلاء الشعراء النوابغ خليل فرح وسرور وكرومة وزنقار وميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة واولاد الموردة وأولاد شمبات عوض وإبراهيم، كما تغني لهم بادي وعمر أحمد وصديق الكحلاوي وخلف الله حمد وخضر بشير وأحمد الطيب، ولاحقاً عوض الجاك وعوض الكريم عبد الله وعبد الله محمد والجقر والفرجوني وإبراهيم خوجلي وكمال ترباس واولاد الدبيبة وثنائي الفتيحاب وثنائى ديم القنا، وبقية العناقيد التي غردت بها لاحقاً.
ومن شعراء الأغنية الحديثة حسن عوض أبو العلا وحميدة أبو عشر والعباسي والجيلي محمد صالح وعبد المنعم عبد الحي ومبارك المغربي ومحمد المهدي المجذوب وحسين بازرعة وعلي محمود التنقاري واسماعيل حسن ومحمد علي أبو قطاطي ومصطفى سند وقرشي محمد حسن وعوض أحمد خليفة والسر دوليب وصلاح أحمد ابراهيم ومحمد المكي ابراهيم والطاهر ابراهيم ومحمد يوسف موسى والسر قدور وسيف الدين الدسوقي وإبراهيم الرشيد، وكل عمالقة حي العرب ام درمان وتباعا حتى ظهور الاساتذة ابو آمنة حامد وكجراي واسحاق الحلنقي وفضل الله محمد وحسن الزبير والتيجاني سعيد وسيد أحمد الحردلو ومحجوب شريف وعلي عبد القيوم وعبد الباسط سبدرات وكامل عبد الماجد وسوركتي وصلاح حاج سعيد وعثمان خالد والكتيابى وأزهري محمد علي والتجاني حاج موسى والدوش وعبد العزيز جمال الدين والقدال ومحمد الحسن حميد وحسين حميدة ومصطفى ود المأمور وجمال حسن سعيد. ومعذرة لمن سقط اسمه سهواً في هذه او تلك الفئة من شعراء الاغنية السودانية.
وكثير من هؤلاء الافذاذ من المطربين والشعراء صاحبهم في عزف أغانيهم وموسيقاهم العباقرة من أمثال السر عبد الله وبدر التهامى والخواض وبرعى محمد دفع الله وعبد الله عربى وعبد الفتاح الله جابو. ونخص بالذكر في تلك الحقبة عازف آلة القانون المصري مصطفى كامل الذي لعب دوراً متفرداً في ترويض تلك الآلة الشرقية لتخرج من كنف السلم السباعي الى دهاليز السلم الخماسي الذي استقر عليه غناء السودان الذي خلفه في العزف عليها من بعده الموسيقار العاقب محمد الحسن بعد أن دربه عليها، ولقد قدم السلم الخماسي من غرب إفريقيا مروراً بمناطق كردفان ودارفور التي عرفت بغناء المردوم، واستقر وانطلق السلم الخماسي من مدينة كوستي تلك المدينة التى تقع على خط مسار السلم الخماسى، وانتهى بأجزاء واسعة من قارة آسيا، حتى عم مناحي عديدة من مدن السودان، وتبع ذلك الجيل من العازفين الاساتذة عبد اللطيف خضر الحاوي وعلاء الدين حمزة ورابح حسن وموسى محمد ابراهيم وعلي الله جابو وحمزة سعيد ورمضان ترنتي وأحمد بريس ومحمدية وعبد الوهاب كتبة وبابكر المحامى وسيف النصر وعوض رحمة وصلاح خليل والزبير وعبيد طبلة وخميس بنقز وخميس جوهر وهريدى والفاتح الهادي ومحمد جبريل وبدر الدين عجاج وحافظ عبد الرجمن وصلاح دهب سليمان اكرد واسامة بكلو وصلاح موسى. ومعذرة أيضاً لمن سقط اسمه من الأفذاذ الآخرين.
وصاحبت تلك الفترة مجموعة من المبدعين الملحنين، امثال علي مكي وبرعي محمد دفع الله وأحمد زاهر وحسن بابكر ود الحاوي وبشير عباس وموسى محمد ابراهيم والسني الضوي، وخلافهم من المكملين لذلك العقد الفريد من عباقرة اللحن والتوزيع، كما عرف عن بعض الشعراء قدرتهم الفائقة على إجادة فن التلحين، وارتبطت أسماؤهم بفنانين معينين، مثل عبد الرحمن الريح مع حسن عطية وإبراهيم عوض والجابري والتاج مصطفى وآخرين، وكذلك الطاهر إبراهيم مع إبراهيم عوض، ومحمد عوض الكريم القرشي مع عثمان الشفيع، ومحمد الشيخ الجاغريو مع أحمد المصطفى.. كما ارتبطت أسماء ملحنين بمغنين معينين، مثل برعى محمد دفع الله مع أبو دأوود، وبشير عباس مع البلابل، وحسن بابكر مع محمد ميرغني، وعمر الشاعر مع زيدان ابراهيم، وسليمان ابو داوؤد مع الخالدي. وكذلك كانت هنالك ثنائيات متميزة بين شعراء وفنانين مطربين، مثل سيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن مع ابراهيم الكاشف، وحسن عوض أبو العلا والجاغريو مع أحمد المصطفى، وعبد المنعم عبد الحي مع عبد العزيز داؤود، وجماع مع سيد خليفة، وعثمان حسين وبازرعة، واسماعيل حسن ووردي، وعلي شبيكة وثنائي العاصمة، وحسن الزبير وعوض جبريل مع كمال ترباس، ومحمد يوسف موسى مع ابن البادية، وصلاح حاج سعيد مع محمد ميرغني ومصطفى سيد أحمد. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
ويعتبر عبد الكريم الكابلى من أبرز المغنين لأشعارهم عى الاطلاق.
كل هذه الاسماء الشوامخ المشتركة شكلت وجدانيات الشعب السوداني في الفترة ما بين الاربعينات وحتى الثمانينيات بالغناء والطرب الجميل الذي ارتبط بالمفردة البليغة المميزة المكتنزة بالتعابير الرائعة بمصاحبة تلك الاسماء الخالدة من الموسيقيين الذين ابدعوا كلٌ على آلته يغرد ويسمو بنا في عوالم ساحرة بالعزف الاثيري الذي ساعد كثيراً في بلورة الميلوديات وهرمنة الغناء تبعاً لسلالمه وتوزيعه، واخرجت لنا غناءً مكتنزاً بعبق واريج مختلط، وممتزجاً كلمةً وموسيقى وغناءً. والسؤال الذي يخرج حزيناً من بين فجاج النفس الحائره والعصب الممزق هو هل انتهى عهد كامل الدسم من الغناء والموسيقى، واصبح في ذاكرة التاريخ، أم أن الجيل المعاصر قد امسك بذات عصاة موسى وسار على نفس النهج؟
ونتوصل في هذه الفذلكة الاستعراضية التاريخية الي حقيقة أن فن الغناء ظل لاكثر من اربعة عقود تقريباً محافظاً على منهج متماسك ومتطور، وذلك لأن المعينات المرتبطة بالمطرب زائداً رغبته في تطوير نفسه وخلق إبداع متميز، وذلك عبر التدابير التي كانت تحيط به ويحيط بها، ترجع للآتي:
1/ إصرار المطرب على اختيار المفردات الشعرية المتميزة لشعراء متمكنين.
2/ تجويد اللحن بالصبر المضني بمساعدة الورش المكونة من موسيقيين وعازفين متمكنين.
3/ التشاور مع الرأي الآخر من المبدعين من ذوي الخبرة.
4/ إرخاء السمع للموسيقى العالمية والاقليمية بمختلف مدارسها، مثل موسيقى البوب والصول ميوزك والرقي والسامبا والرامبا والروك والموشحات العربية والغناء الافريقي العربي، بالإضافة للتنقيب في التراث السوداني.
5/ الانضباط الاخلاقي والمسلكي والقناعة والرضاء بالكسب المعقول.
6/ المظهر الراقي الذي يكمل ويجمل شكل الفنان امام جمهوره.
7/ الإطلاع بصفة عامة والدراسة في النوتة الموسيقية وفنون التوزيع.
8/ الاستعانة بأكبر عدد من الالآت الموسيقية بغرض تجويد وتقوية الموسيقى والاداء.
- هذه هي السمات العامة لأهرامات عمالقة الغناء بغرض تطوير إمكانياتهم وبناء قدراتهم الإبداعية، ولذلك ظل خالداً ومستمراً ومقبولاً ومرغوباً فيه من قبل الذين أتوا من بعدهم وتشربوا بذلك الموروث، وظل يردد حتي الآن ولأزمان قادمة ما بقي الفن موجوداً ومستمراً.
الحرية والفن:
إن الحالة الإبداعية يستدعيها مناخ معافى خالٍ من أمراض الكبت الوبائي للحريات في التعبير الشعري كان او الادائي او حتي في الرقص المصاحب، ولم يرد في اي دين ان الرقص الاستعراضي او التعبيري الحركي محرم، وذلك خلافاً لما يدعو بغير ذلك من جماعات الهوس والتطرف الديني، بدليل أن أدب الصوفية القائم على ذكر الله ورسوله «ص» الذي لعب دوراً جوهرياً واساسياً في نشر الاسلام في كل ربوع السودان وافريقيا، يرتبط بضرب النوبة والطار، ويكون ذلك مصحوباً بحركات تشكل نوعاً من الأداء الحركي الذي هو اقرب الى الرقص التعبيري الذي تؤديه جذوة الانجذاب نحو محبة الله ورسوله «ص» ذكراً ومديحاً. وغني عن الذكر أن اي غناء او كلمات او رقص يثير الغرائز الجنسية او يدعو الي التفكك والانحلال وينتهك الفضيلة فإنه غير مرغوب فيه، بل انه يتناقض مع المعاني الفاضلة وقيم الحق والخير والجمال التي تدعو لها كافة الاديان السماوية والعفة الفطرية التي هي من مكونات الإنسان السوي. ودعم هذا القول العلماء جمال الدين الافغاني والإمام الغزالي والشيخ القرضاوي والدكتور حسن الترابي في كتابه الفن والدين ود. محمد إقبال.
ولكن القول عن أن الحرية هي المناخ الاسلم لانطلاق الإبداع، هو قول مقبول وله أسانيده المنطقية والفلسفية، الا ان الثابت ايضاً ان عهود الاستعمار والكبت وحتى الاعتقال ايضاً تخلق إبداعاً يتولد نتيجة لهذا التوتر والقلق، ولذلك نجد ان أدب المقاومة بشعره وغنائه الذي انتشر في كل بقاع وشعوب العالم، تزامن في الزمن الذي عانت فيه من ويلات الاستعمار والسلطات الديكتاتورية وحكم الفرد والحكم الشمولي او العسكري وخلافه، فنجد اروع الحان العملاق محمد وردي من أشعار الدوش ومحجوب شريف قد تم تلحينها بسجن كوبر في حكم الراحل جعفر محمد نميري مثل «جميلة ومستحيلة، وقلت ارحل، أسفاي». وان الاكتوبريات التي صيغت ولحنت من كلمات محمد المكي ابراهيم وعلي عبد القيوم وفضل الله محمد وهاشم صديق وأنشدها محمد الامين ومحمد وردي وبعدهما كابلي وعثمان حسين، كان ذلك إبان انطلاق الثورة في 1964م، وهي في ذروة اشتعالها. والثابت ان الحان الخالد عثمان حسين والعبقري وردي وابراهيم عوض وغيرهم من العمالقة جاءت في بداياتهم في عز الحكم العسكري الاول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.