( سأغادر الوطن فقد كرّهونا العيشة بين جنباته) بهذه العبارات بدأ الدكتور ابو القاسم قور حديثه في الندوة التي كانت تبحث عن افاق الحلول لقضية ابيي والتي اقامتها منظمة افريقيا للعدالة ضمن اسبوعها المقام للاحتفال بالاستقلال من خلال تناولها لقضايا الشمال ما بعد الانفصال في مقرها بالخرطوم . لغة التشاؤم والاحباط التي بدأ بها المتحدث الرئيسي في الندوة ورقته كان لها ما يبررها خصوصا في ظل الصعوبة التي تواجه افاق الحلول او التحديات التي تناولتها الورقة وامن عليها المعقبون .ابيي تحد لفكرة السلام واستدامته خصوصا بعد التحول في تركيبة الدولة وانفصال الجنوب المنتظر فقط التأكيد عليه في الرابع عشر من فبراير، عندها يتحول الصراع الى صراع بين دولتين مستقلتين بعد ان كان صراعا بين مجموعتين داخل دولة واحدة بالرغم من ان البعض يرى ان هذا الصراع هو صراع متوهم وليس حقيقة، وهو امر له مبرراته باعتبار ان هناك من يستفيد من هذا الصراع وهم تجار الحرب والذين حولوا حالة التعايش في المنطقة الى حالة من الصراع وحولوا المنطقة من اداة يمكن من خلالها التأكيد على قيمة السلام الى مهدد اساسي لكل العملية السلمية في شطري الوطن الذي كان واحدا. في ورقته التي قدمها بدأ الدكتور قور متناولا مسألة السلام باعتباره يتجاوز عملية ايقاف الحرب الى اتجاهات اخرى تتناول عملية التنمية في المنطقة عموما، وقال ان السلام يبدو الان بعيد المنال في المنطقة نتيجة للتحديات التي تواجهه، وبدأها اولا بما اسماه اثر التسليح والاستقطاب السياسي الحاد لمجتمع المسيرية وهو استقطاب لم ينج منه الطرف الاخر الا انه القى بظلاله السلبية على عملية التعايش قبل ان يضيف عاملا اخر هو طبيعة الاستقطاب السياسي الحاد للشريكين ففي الوقت الذي احتوى فيه الوطني المسيرية سقط الدينكا في وحل الشعبية، وهو استقطاب نسف فكرة الوحدة الجاذبة ليصبح الانفصال هو الخيار الحتمي والوقوف امام الخيار الحتمي يعني العودة لمربع العنف مرة اخرى. واضاف قور ان الادارة الاهلية تم اختطافها من قبل القوى السياسية وصارت لا تلعب اي دور في المنطقة الان وقال ان هذا الحدث نسف كل امكانيات التعايش قبل ان يعود ليقول ان الادارة الاهلية لم تعد تملك المقدرة على تسيير المجتمع كما كانت تفعل سابقا، وان الكثير من الشباب بدت له اراؤه في كثير من الاحداث لا تتطابق وفق رؤى تلك الجماعات على ارض الواقع، ووصف كل الحلول المقترحة الان بأنها حلول آنية لن تتعمق في المشكلة الحقيقية، وتناول مراحل تطورها مشيرا لاحداث 1964 والمحرقة التي راح ضحيتها الكثير من الدينكا والتي لم يتم التعامل معها وفق ثقافة الاعتذار والمصالحة، وظلت رواسبها في النفوس دون معالجتها مشيرا للدور السلبي الذي لعبه مثقفوو المسيرية في هذاالاتجاه، ووصفها بأنها فواجع سكت عنها الساسة واضاف ان المراحيل بدأت في عهد الصادق المهدي واستمر الامر عبر الدفاع الشعبي وهو الامر الذي ادى لانتشار السلاح في المنطقة وصعب في المقابل من عملية جمعه من المواطنين وزاد من تفاقم الاوضاع مستقبلا، واضاف قور ان ابيي غدت هي الورطة الاساسية في السودان حيث كانت يمكن ان تعصف باتفاقية نيفاشا في العام 2004 وهي السبب في انهيار اتفاقية اديس ابابا وكادت تنهي عملية السلام بعد حريق 2008، وهو الامر الذي لم يضعه الشريكان في حساباتهما اثناء توقيع الاتفاقية وبعدها، قبل ان يشير لعامل اساسي فاقم الصراع واصبح من المستحيل السيطرة عليه، وهو عامل يتعلق بالمسيرية الذين يتنمي لهم حيث اشار لعملية احباط عام تسيطر على شبابهم سببها احساسهم بأنه قد تم تهميشهم من قبل المؤتمر الوطني خصوصا امراء الدفاع الشعبي قبل ان يشير لعامل يتعلق بالتحول الاجتماعي في تلك الفئة المحبطة التي ارتفعت عندها نسبة الاصابة بمرض الايدز وإدمان المخدرات، حيث قال ان البنقو صار يباع في سوق المجلد قبل ان يحدد مجموعات قال انها زجت نفسها في الصراع وهي ليست جزءا منه من اجل تحقيق مكاسب خاصة، واشار الى ما اسماه بالانهيار الاخلاقي للمجتمع الذي لعبت الحكومة دورا كبيرا فيه، خصوصا حينما يقوم بعض الاشخاص بقطع الطريق يأتي احد الاشخاص ليفاوض الحكومة انابة عنهم فيحصل على بعض المكاسب حيث قال انه التقى بمجموعة من الشباب في الخرطوم وحينما سألهم عن اسباب تواجدهم ردوا بأنهم المتمردون وجاءوا لمفاوضة الحكومة، وقال ان الصراع تلعب الطبيعة فيه دورا كبيرا مشيرا إلى أن بعض الدراسات تقول ان المنطقة لن تكون صالحة بعد سنوات للانسان والحيوان وقال ان الارقام التي تتحدث عن الثروة الحيوانية هي ارقام مبالغ فيها وليست حقيقية على ارض الواقع، قبل ان يقول ان العلاج يتم من خلال توفير بيئة الاستقرار للمسيرية وابقارهم مضيفا ان البقرة هي التي تقود الانسان هناك وليس العكس، مستدلا بمقولة بابو نمر حينما سئل عن الحدود التي يصلها في الجنوب واجاب ان الحد تحدده البقرة الماء والمرعى وليس الانسان، مؤكدا ان العلاج يتم اساسا بابتكار الحلول وليس العودة للماضي في اشارة لعلاقة التعايش السابقة في عهد بابو نمر ودينق مجوك، مشيرا الى ان تغيرات الواقع الان لا تسمح بهذا النوع من الحلول مع تأكيده التام على ضرورة محاربة الذين يستثمرون في الحرب والتي صار استمرارها استمرارا لنمط معيشتهم، وتوقع ان يلجأ الشريكان للحلول السياسية حتى ولو كان ثمنها بعض الارواح هنا وهناك، الا انها تبقى ضرورة من اجل الحفاظ على انجاز السلام وتبيض وجهها امام المجتمع الدولي واستمرار اتفاقية نيفاشا. الحديث عن عدم جدوى العودة للماضي وجد حالة من الاعتراض من قبل الحاضرين، وفي الطرف الاخر من الصراع طرف دينكا نقوك قال عبد الكريم منجير في مداخلته وعرف نفسه بأنه شاهد على العصر والذي قال ان العودة للماضي تعني العودة لارث الجدود، وبالتالي القدرة على ايجاد الحلول وهو الامر الذي كان موجودا في ذاك الزمن قبل ان يقول ان تدخل الاجندة السياسية بين الطرفين فاقم من الاوضاع وجعل المنطقة على هامش الهاوية، وربما تسقط في العنف في اية لحظة خصوصا وان الممسكين بمجريات الاحداث وبملفات التفاوض لا يعبرون عن الاحتياجات الحقيقية لاهل المنطقة سواء كانوا مسيرية او دينكا، وهم في الحقيقة اهل والعلاقة التي تجمع بين الدينكاوي والمسيري اكبر بكثير من تلك التي تجمع بين المسيري والجعلي بالرغم من الحديث عن العروبة، وقال انهم رأسان في جسد واحد حتى وان حدث الانفصال، مؤكدا ان الحل النهائي يكمن عند اهل المنطقة ولا يمكن الاتيان به من الخارج. حافظ اسماعيل رئيس منظمة افريقيا للعدالة في مداخلته اشار الى النقطة المتعلقة بالاقتصاد ودوره في الصراع حيث قال ان حدوث اي كساد عالمي تتبعه عمليات توتر وحروب من اجل تحقيق الفائدة الاقتصادية في دول العالم الاول، وهو امر يمكن حدوثه الان قبل ان يقول ان الاختلاف والتناقض في المصلحة الاقتصادية بين الخرطوم وجوبا، فالاولى تريد الماء بينما تريد الاخرى البترول الامز الذي من شأنه ان يؤثر تأثيرا مباشرا على اهل المنطقة المكتوين الحقيقيين بالصراع، مضيفا ان انجاز عمليات التنمية ومكافحة التخلف هي خارطة الطريق لاستدامة السلام، وهي المدخل لتطوير العلاقات بين الدولتين والعكس يمكن ان يقود المنطقة الى ما لا تحمد عقباه، بينما دعت الناشطة في مجال السلام خديجة ادم من ابيي الى ضرورة خلق حالة من المصالحة بين مكونات المجتمع المحلي وهي العملية المطلوبة الان وضرورة اعطاء فرصة للاجيال الجديدة لتدلو برأيها في الامر، بالرغم من انها قالت ان حل الادارات الاهلية في فترة وتسييسها في فترات لاحقة قادا لهذه النقطة التي يقف فيها الجميع الان في انتظار اشتعال الحرب لتحقيق اجندة جماعات ليس من بينها المطلوبات الحقيقية لانسان المنطقة الذي سيكون وقودا للصراع. في خاتمة حديثه، وفي،التوصيات الختامية، اعتبر دكتور قور ان الصراع بين الدينكا والمسيرية تم تضخيمه اكثر مما ينبغي، وكان يمكن معالجته في بداية الامر وقبل الوصول الى المحكمة الدولية وليست عودة المؤتمر الوطني بعد القرار ليقول للمسيرية ان ابيي مسؤوليتكم في حين لم يستشرهم في خطواته الاولى، وعاد ليقول بغير ذلك لعلمه التام بأن قرار المحكمة نهائي وان الخروج عليه يعني تسليط البند السابع على رقبته، وهو الان يريد ان يضع المسيرية امام المدفع. وتوقع قوران يجد الشريكان حلولا سياسية للامر بتقسيم المنطقة بين المسيرية والدينكا كحل وسط، وهو حل ربما يتم فيه استخدام العنف لوضعهم امام الامر الواقع، ولم يستبعد قور ان تحدث مواجهة بين الوطني والمسيرية، خصوصا امراء الدفاع الشعبي، واضاف ان ايجاد بدائل لكسب العيش وخلق مشاريع للتنمية في المنطقة هي المعبر الوحيد للخروج من حالة التصعيد السياسي والعسكري، وان التعويل على تواجد القوات الدولية لحماية المدنيين امر لا طائل من ورائه استنادا على التجارب السابقة.