قرية تمساح ريفي ابيي مقيم بالسعودية بعد التحاقي بالمرحلة الثانوية تمكنت من معرفة علاقتي بأعمامي الاثنين المسميان بأحمد واحمد اللذان عاشا كتوأمين لا يفترقان حتى عند أداء مناسك الحج سويا لازلت اذكر هداياهم عند عودتهم فكنت محتارا حينها لماذا اختار جدي لهما نفس الاسم فلم أكن اعلم بان احدهما لم يكن ابن لجدي بل كان ابن لصديق له من أبناء دينكا نقوك تربي في كنف جدي بعد أن فقد والديه في احدي المعارك فلم اعلم بذلك إلا بعد وفاته (يرحمه الله برحمته) بسبب أن اغلب أجدادي وأعمامي لهم نفس السحنات وأقاربنا وأهلنا خليط من الدينكا والمسيرية لدرجة يكاد يصعب علينا أن نفرق مابين ماهو مسيري ودينكاوي في أسرتنا بحكم التماذج والتزاوج الكبير داخل الأسرة . هكذا كانت الصورة بين قبائل المسيرية ودينكا نقوك قبائل تماذج وتصاهر مما جعلها تتعايش في سلام طيلة فترة الحروب التي سادت المنطقة فكان التلاقي الحضاري والتداخل ألاثني والثقافي والاجتماعي بين القبيلتين فلايمكن التفريق بين الأنماط التعايشية المتمازجة والمتداخلة والتي توجت بعلاقات زواج وتزاوج وانصهار حتى تكاد تري المسيري تحسبه دينكاوي من سحناتة ورطانته وتقاليده (أنت مسيري ولا عربي ساكت )هكذا يمزحون أهلنا من دينكا نقوك مع أخوانهم المسيرية والعكس تماما تري الدينكاوي فهو مسيري بكل تفاصيليه وعادته وتقالدية كما ذكرت حال عمي احمد سابق الذكر أحيانا تعتري تلك القبائل بعض النزاعات والاختلافات التي يتم احتوائها في إطار العرف المحلي فكان الحوار الهادي والعقلاني لفض النزاعات التي تحدث من حين لآخر بسبب المرعي والزرع والماء والكلأ (لا أكثر ولا اقل ) فعلاج كافة مشاكلهم بالحكمة والإدراك لمصالحهم واحتراما لتقاليد وأعراف عايشوها وورثوها من أجدادهم, فكانت ابرز صورها وتجلياتها حالة التفاعل والتعاون بين الناظر بابو نمر والسلطان دينج مجوك ( سيرة رجل يدعي دينق مجوك) تأليف ابنة فرانسيس دينق قال الابن عنة كان والدة يحرص علي ارتداء الجلابية والعمامة وعلي التحدث بالغة العربية وعلي الكرم الحاتمي يذبح الكباش إذا أتاه عرب المسيرية وعلي إنصاف العرب إذا حدث نزاع بل إيثارهم علي قبيلته والنتيجة أن أحبة العرب إلي حد عندما ترشح لرئاسة المجلس صوتوا له ففاز علي منافسة بابو نمر ناظر عموم المسرية وبالمثل أحبو هم العرب إلي حد عندما أراد الانجليز ضمهم إلي المديريات الجنوبية اثروا إتباعهم إلي كردفان علي الجنوب رغم اللحاح الانجليز وبالمثل كان رفض سلاطين الجنوب فصلهم عن الشمال بمؤتمر جوبا عام 1947 وبذا عبروا عن الإرادة الحقيقية لأهل الجنوب قبل أن يحاول من أفسدهم التعليم والسياسة من تزييفها (البروفسير عبدالله عووضة حمور) تخلي الشريكين عن مشاركة أهل المنطقة وإدارتها الأهلية والاكتفاء بتبعيات حزبي التفاوض بالإنابة والاعتداد بالحل السياسي الفوقي والذي جاء أخيرا من قبل الإدارة الأمريكية بعد أن أدي الحوار بين الشريكين لطريق مسدود ( كلام لام اكول في لقاء حتى تكتمل الصورة بقناة النيل الأزرق ) فكان هذا أول تخلي للشريكين جعل المنطقة أكثر حساسية لم تعرض مشكلة ابيي علي مؤتمر محلي طيلة الخمس سنوات الماضية عمر الاتفاقية لاستعراض وتهيئة المواطنين والأخذ بآرائهم واستصحاب خصوصية المنطقة والاستفادة من الاستيعاب الثقافي المنداح عفويا بين أبناء المنطقة كما لم تشرح الاتفاقية بالتفصيل طيلة الفترة المذكورة مما خلق جوا من الشحن الزايد بالعواطف واستقلاله من قبل الشريكين في الاستقطاب الذي جعل المنطقة مخزنا لإذكا النعرات القبيلة والعرقية الواهمة والتخلي الأكبر من الشريكين إذ لم يعملا علي إعادة روح الأعراف والتقاليد وإذكا نمط ما كان بينهم من تعايش والذي بدوره يودي إلي خلق جو سلمي يفضي إلي سلام دائم فيما بعد, لذا نري بان الشريكين لم يقروا تاريخ المنطقة الذي خلق نموذجا للتعايش جعلهم قادرين علي علاج مشاكلهم في الحاضر كما عالجوها في الماضي وعليه أوجز دعوتي لأهلي في المنطقة قبل أن تطبخ صفقة الأرض وتكتمل الصورة التي يريدها الشريكين أن يعمل أصحاب الأرض الحقيقيين من القبيلتين مع الشريكين وأهل الرأي وجميع أهل السودان مع استصحاب تجربة أجدادنا اللذين حكموا المنطقة وتعاقبوا علي حكمها بكل تعاون مثمر ومرونة وحكمة يضرب بها المثل حتى يومنا هذا مما أتاح لكل الأطراف أن يعيشوا في وئام وانسجام خمسمائة عام لذا أري أن ينظر أهلنا للمستقبل بعقل مفتوح وأمل كبير والذي ظهرت بوادره خلال فترة السلام القليلة التي عشناها يجب ضغط القبليتين علي الشريكين كل طرف في اتجاهه من اجل أن تتحمل الحكومتين مسؤوليتها تجاه شعب المنطقة كافة في حال فشلها في إيجاد حل نهائي والعمل علي إحباط كل الدسائس والمخططات والمؤامرات التي تضرب النسيج الاجتماعي في هذه المنطقة والتي تشكل (( نفاج)) للوحدة والسلام الاجتماعي في حال الانفصال وصمام أمان قوي لخيار الوحدة الوطنية الطوعية إن تمت أن يدققوا النظر في مصالحهم المستقبلية المشتركة وعدم السماح للانسياق خلف رغبات الآخرين التي تجر المنطقة لكثير من الدمار ويجب أن نركز مطالبنا في الاستقرار ثم التنمية والتعايش السلمي مما يمكننا أن نكون نموذجا حقيقي للسودان المتسامح استثمار الأزمة في الضغط علي شريكي الحكم الذين تخلو عن أهل الديار في مراحل المفاوضات الأولي واعتادتهم بالحلول السياسية فقط والتي جاءت نتائجها أمريكية الصناعة إلا إن إرادة حقن الدماء ردت كرة ملتهبة إلي أهلي بالمنطقة بإشراكهم أخيرا في أديس أبابا والعودة للحلول الاجتماعية والإرث التاريخي القديم وإنهم قادرين علي العيش سويا والجلوس تحت ظل الشجر والعرف والتقاليد والتحاور بلغة لا يفهمها إلا أصحاب الأرض ( قالها مسئول تنمية ابيي الشيخ الأنصاري في عدة نشرات إخبارية علي قنوات السودان الرسمية ) وإلزام الطرفين بالسماع لصوت الموروث الذي جعل المنطقة ماعون يسع الجميع كما أناشد أهلي أن يحكما العقل والابتعاد من لغة الانفعال والحروب وتغليب مصلحة الجماعة علي الأفراد والتحلي بالصبر والعقلانية حتى يعود لأهل المنطقة وللسودانيين الخير الوفير والضغط معا علي الشريكين بتوفير الأمن وبيئة الاستقرار من تعليم وصحة وطرق ومصانع وشركات ومياه ومراعي للثروة الحيوانية والتي تلعب دورا كبيرا في دعم الخزينة الوطنية بالعملات الصعبة بجانب الثروة النفطية المكتشفة في المنطقة استثمار الطاقات الشبابية بدلا عن تجييشها لإنابة السادة الحكام في حروبهم العنصرية والاستفادة منها في أمر التنمية وذلك بتعيينهم في شركات البترول العاملة في المنطقة وبهذا يتحقق الاستقرار والاستفادة من خيرات الأرض كمبدأ أممي لكل الشعوب وأخيرا وليس آخر يجب أن يقدم أهلي بالمنطقة مزيدا من التنازلات لصالح الوحدة أو التكامل علي الأقل في حال الانفصال لأنهم يمثلون نموذجا لكل المناطق المسماه بمناطق التمازج والتي تمتد من غرب دارفور غربا إلي أقصي جنوب النيل الأبيض شرقا فبانهيار السلام في هذه المنطقة يؤجج الصراع في كل التماس ويلغي بظلال كئيبة علي مصير عملية السلام بأسرها. د. عيسي رحمة محمد جامع قرية تمساح ريفي ابيي مقيم بالسعودية *عزرا لكل الذين استخدمت تعابيرهم لأجل الوطن noon e [[email protected]]