اضحت مهمة تسهيل تدفق الاستثمارات الخارجية وتشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية ضرورة حتمية تمليها الظروف السياسية والاقتصادية وربما الاجتماعية التي تمر بها البلاد، حيث تشير كل الدلائل والإرهاصات لحزم أهل الجنوب أمتعتهم واختيارهم الانفضال عن الشمال وتكوين دولتهم. ويرى الخبراء أن زيادة غلة الاستثمارات بالبلاد أضحت ضرورة قصوى لسد النقص في الموارد القومية التي كانت تأتي من الجنوب وعلى رأسها النفط، غير أنهم يرون أنه لا يمكن الوصول إليها إلا عبر توفر إرادة سياسية كبرى توجه الاستثمارات لمشاريع الإنتاج الحقيقية من الزراعة والصناعة عبر إعلان وتطبيق حزمة من التسهيلات، وبسط الحوافز بغية تمهيد الطريق للمستثمرين بتخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على المشاريع الاستثمارية، وتطبيق طريقة النافذة الواحدة لإكمال الإجراءات درءا للبيروقراطية والتعقيد الذي كان سائدا، وفوق ذلك كله فك الاشتباكات والتقاطعات التشريعية بين مستويات الحكم، لا سيما في ما يختص بالأراضي وفرض الرسوم والجبايات، والعمل على تنزيل توصيات المجلس الأعلى للاستثمار إلى أرض الواقع. ويقول المحاضر بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الدكتور عبد العظيم المهل إنه لا بد من إصدار حزمة قرارات شجاعة تصب في اتجاه تشجيع الاستثمار الخارجي بالسودان، بالتدرج في الحوافز والاستثناءات، بحيث تعتمد في حجمها على حجم تمويل المشروع المعين الذي يطلب المستثمر إنشاءه، فكلما زاد رأس مال وتكلفة المشروع زيدت له الإعفاءات والاستثناءات، علاوة على نوع القطاع الذي يرى المستثمر الدخول فيه، فالذي يستثمر في القطاع الزراعي يمنح إعفاءات أكبر من التي تمنح للمستثمر في قطاع الخدمات والصناعات، بهدف تشجيع الاستثمار الزراعي الذي تمثل نسبة الاستثمارات الحالية فيه 2% والتي بالقطاع الصناعي 33%، وأكبرها في قطاع الخدمات حيث وصلت نسبة الاستثمارات فيه الى 65%. وطالب المهل بزيادة الحوافز الاستثمارية للقطاع الزراعي حتى تستقيم المعادلة ويتم تصحيح الصورة المقلوبة في بلد يتمتع بموارد زراعية كبيرة. وواصل المهل بأن يوضع موقع المشروع في الاعتبار، فكلما ابتعد موقعه عن المركز زاد حجم التسهيلات له لتشجيع التنمية بالولايات، كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم التوقف عند حجم العمالة المحلية التي يمكنها الاستفادة من المشروع في ظل الأزمة المالية العالمية. وأضاف يجب ألا يتم نسيان حجم إسهام المشروع الاستثماري في زيادة حجم الصادرات وإحلال الواردات، فكلما كبر دوره زادت له السلطات المختصة حجم التخفيضات والإعفاءات وكافة أشكال التسهيلات. وشدد المهل على ألا يغفل دور المشروع في التنمية المحلية وقدرته على دحر جيوش الفقر بين المواطنين المحليين، مع ضرورة اتباع نظام النافذة الواحدة لتسهيل الإجراءات، وفك الاشتباكات القانونية والتشريعية بين مستويات الحكم المحلي. وقال إن هناك حاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراق القطاع الاستثماري لجذب المزيد من الاستثمارات الجديدة في عام 2011م، لتعويض الفاقد من عائدات النفط جراء انفصال الجنوب الذي بات وشيكا ومسألة وقت ليس إلا. ومن جانبه يقول الدكتور محمد الناير إن التوسع في الاستثمارات هو الخيار الاول للاقتصاد السوداني في ظل الحصار الاقتصادي المفروض عليه وعدم تجاوب مؤسسات التمويل الدولية مع المشروعات التنموية الكبرى بالبلاد. وتوقع أن يشهد السودان هجمة استثمارية كبرى عقب انتهاء استفتاء الجنوب، شريطة أن يفضي إلى استقرار أمني سياسي اقتصادي، وإلا فإن نفورهم سيزداد إن تعقدت الأمور أكثر وعادت البلاد إلى مربع الحرب والاضطرابات الأمنية. وأضاف قائلاً إنه لأجل هذا فمن هنا تنبع أهمية انعقاد اجتماعات المجلس الأعلى للاستثمار في هذا التوقيت. وطالب الناير بتكوين آلية لمتابعة تنفيذ قرارات المجلس على أرض الواقع، وإعادة النظر في الرسوم والضرائب، وأن يعفى المستثمر منها كلية في مرحلة البدايات شريطة التماس جديته، وأن يكون استثماره بأموال مقدرة في مشروعات تفيد الاقتصاد السوداني في القطاعات التي تحتاجها الدولة، وألا تكون النظرة مركزة في الحصول على الإيرادات الحالية، بل لمقدار العمالة ومدى قدرة المشروع على زيادة الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد، ومدى مساهمته في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحقل الذي يعمل فيه، وإلى أى مدى يمكن أن يسهم في زيادة العائد من العملات الحرة للخزينة العامة.