أجمع الخبراء والمختصون على أن لاستفتاء تقرير المصير لجنوب السودان، تداعيات وإفرازات على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولعل أكبرها تأثيراً كان على قطاع الاستثمار الخارجي وتدفقه إلى البلاد. ولم يتوان عدد من الخبراء في إبداء مخاوفهم من تناقص الاستثمار بعيد استفتاء تقرير مصير جنوب البلاد حال عدم توفر الأمن والاستقرار بالبلاد. وطالبوا بتذليل كافة الصعاب والمعضلات التي تقف في طريق الاستثمار والمستثمرين، ببسط التسهيلات وتقليل الإجراءات، والعمل على تحسين بيئة الاستثمار بصورة عامة حتى تكون جاذبة ومشجعة للمستثمرين، لا سيما أن التعويل سيكون كبيراً على تدفق الاستثمارات جراء تناقص وفقدان الدولة لعائدات إيرادات نفط الجنوب الذي يساهم بحوالي 45% من العائدات الكلية بخزينة الدولة، وأكثر من 90% من الإيرادات النفطية. وناشدوا الدولة الاهتمام بالمنتجات غير النفطية في القطاع الزراعي والصناعي والخدمات على حد سواء، حتى يتسنى سد نقص الإيرادات. وتوقع البروفيسور عصام بوب ألا تزيد حصيلة تدفق الاستثمارات إلى السودان شماله وجنوبه عقب انفصال الجنوب مباشرة، لجهة تخوف المستثمرين من مآلات الأوضاع الأمنية نسبة لطبيعة رأس المال الذي يتسم بالجبن والخوف من الدخول في مغامرات. ودعا إلى إصدار حزمة قرارات لتشجيع تدفق الاستثمار الخارجي، مع ضرورة اتباع سياسة التدرج في الحوافز والاستثناءات، بحيث تتناسب طرديا في حجمها مع حجم تمويل المشروع المعين الذي يطلب المستثمر إنشاءه، فكلما زاد رأس مال وتكلفة المشروع زيدت له الإعفاءات والاستثناءات، علاوة على نوع القطاع الذي يرى المستثمر الدخول فيه، فالذي يستثمر في القطاع الزراعي يمنح إعفاءات أكبر من التي تمنح للمستثمر في قطاع الخدمات والصناعات، بهدف تشجيع الاستثمار الزراعي الذي تمثل نسبة الاستثمارات الحالية فيه 2%، وبالقطاع الصناعي 33%، وأكبرها في قطاع الخدمات حيث وصلت نسبة الاستثمارات فيه الى 65%، مع العمل على زيادة الحوافز الاستثمارية للقطاع الزراعي، بجانب أخذ موقع المشروع في الاعتبار، فكلما ابتعد موقعه عن المركز زاد حجم التسهيلات له لتشجيع التنمية بالولايات، كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم التوقف عند حجم العمالة المحلية التي يمكنها الاستفادة من المشروع في ظل الأزمة المالية العالمية. وأضاف قائلاً إنه يجب ألا يتم نسيان حجم إسهام المشروع الاستثماري في زيادة حجم الصادرات وإحلال الواردات، فكلما كبر دوره زادت له السلطات المختصة حجم التخفيضات والإعفاءات وكافة اشكال التسهيلات، مع النظر إلى دور المشروع في التنمية المحلية وقدرته على محاربة الفقر. ومن جانبه يقول الدكتور محمد الناير، إن التوسع في الاستثمارات هو الخيار الأول للاقتصاد السوداني، في ظل الحصار الاقتصادي المفروض عليه وعدم تجاوب مؤسسات التمويل الدولية مع المشروعات التنموية الكبرى بالبلاد. وتوقع أن يشهد السودان هجمة استثمارية كبرى عقب انفصال الجنوب، لأن المستثمرين يرقبون الوضع الحالي بتوجس، وينتظرون بفارغ الصبر الاطمئنان إلى استقرار أمني سياسي اقتصادي، وإلا فإن نفورهم سيزداد إن تعقدت الأمور أكثر وعادت البلاد إلى مربع الحرب والاضطرابات الأمنية. ودعا إلى أن تكون قرارات المجلس الأعلى للاستثمار وتوصياته ملزمة للجميع في كافة مستويات الحكم، لضمان تنفيذها بصورة جيدة حتى تهيئ مناخاً استثمارياً جيداً يغري بتدفق المزيد من المشاريع. ودعا الناير الى تكوين آلية لمتابعة تنفيذ قرارات المجلس على أرض الواقع، وأن يكون المجلس قادراً على حسم كل القضايا العالقة بين المستثمرين والولايات. وطالب بأن تكون للمجلس أذرع بالولايات والمحليات لحل كافة إشكالات المستثمرين. وطالب كذلك بإعادة النظر في الرسوم والضرائب، وأن يعفى المستثمر منها كلية في مرحلة البدايات شريطة التماس جديته، وأن يكون استثماره بأموال مقدرة في مشروعات تفيد الاقتصاد السوداني في القطاعات التي تحتاجها الدولة، وألا تكون النظرة مركزة على الحصول على الإيرادات السريعة، بل لمقدار العمالة ومدى قدرة المشروع على زيادة الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد، ومدى مساهمته في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحقل الذي يعمل فيه، وإلى أى مدى يمكن أن يسهم في زيادة العائد من العملات الحرة للخزينة العامة.