مخاوف لا حول لها تنتاب الشارع السوداني الآن بعد ان زال المكون الجنوبي من التركيبة السودانية الشمالية نتيجة انفصال الجنوب واقامة دولة اخرى. واحسب ان الدعوة التي وجهها الرئيس البشير بانشاء حكومة وحدة وطنية لمعالجة كل القضايا العالقة بالعبرة لما حدث من تقسيم والحفاظ على ما تبقى من وطن فهي دعوة صدق نابعة من قلب لا يعرف الحقد والضغائن. ان تشكيل حكومة ذات قاعدة شعبية عريضة من اجل توحيد الجبهة الداخلية امر يصب في مصلحة الوطن فلابد من مد الجسور الوفاقية ، وقد ظللت وسأظل اقول ان الانفصال لم يكن خيارا حكيما فليس من المنطق التوهم بأن الجنوب سوف يمضي الى سبيله دون الشمال، فالسودان الآن تحاك المؤامرات ضده لتمزيقه الى دويلات وهو ما خططت له الصهيوامريكية في افريقيا على ان تكون هذه الدويلات ضعيفة. ان ترتيبات ما بعد الاستفتاء احسب انها مهمة الآن فالانفصال قد حدث ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيكون انفصالا سلميا ام انفصالا متوترا يؤدي الى مشاكل في المستقبل، فهناك قضايا لا بد من معالجتها بين الدولتين، مثل ابيي وخمس مناطق حدودية مختلف عليها لذلك اي تصرف احادي تقوم به الحركة حتما سيرجع الناس الى مربع الحرب ،ايضا الحكومة مطالبة بحل مشكلة دارفور، فما هي تداعيات ذلك اذا فشلت، وكذلك اذا ما طالبت هذه الحركات بتقرير مصيرها، وكذلك كيفية انجاز المشورة الشعبية في النيل الازرق وجنوب كردفان، وتبقى الحدود قضية ساخنة جدا، يليها البترول وكيفية قسمة عائداته بين الشمال والجنوب، صحيح معظم الحقول المنتجة بالجنوب لكن كل خدماته من ترحيل وتصدير وتخزين جميعها بالشمال، فمثلا اذا توقف البترول اسبوعا عن الضخ فان ذلك سيكلف الدولتين مبالغ طائلة. ان انفصال الجنوب لو يعلم الساسة الجنوبيون فيه خسائر فادحة فهو مشاتر لمنطق وحقائق التاريخ الذي سيتشكل الآن لخلق عالم جديد، فمهما كانت رواسب التاريخ وظلامات الماضي فان اتفاقية السلام حققت للجنوبيين ما لم يكن يخطر على بالهم، الا ان الابتزاز والتوظيف السياسي بدد هذه الفرصة. فالعالم اليوم قائم على الايدلوجيات والتكتلات بين الكيانات العملاقة ولا مكان فيه للضعفاء وكان على الساسة الجنوبيين ان يقوموا اولا باعادة الاعمار خاصة وانه خرج من اتون حرب اهلية ما زال يعيشها وان يؤسسوا لبنية تحتية عميقة بدلا من استعجال الركون الى خيارات انفصالية غير مدروسة. لقد وجدت الخطة الصهيوامريكية طريقها الآن بانفصال الجنوب، فامريكا تعرف هدفها لكنها لم تجد الطريقة التي تحشد فيها المجتمع خلفها او تحشد العالم الى صفها، ففي الاول قالت بالسودان اضطهاد عرقي لان ذلك يضمن لها تأييد اللوبي الزنجي امريكي وكذلك اليهودي وظلوا يبحثون عن الشعار الذي يجذب الاهتمام، فظهر موضوع الانفصال ومن قبله موضوع دارفور التي ملأت الدنيا ضجيجا وقد ارتكبت الحركات الدارفورية خطأ كبيرا بأن ظنت ان الجنوب بعد انفصاله سيقوم بدعم دارفور، والآن مجريات الاحداث تؤكد ان رهانها خاسر وخاطئ لان الحركة حال انفصال الجنوب خلال الايام القادمة ستكون منشغلة بمسؤوليات دولتها الجديدة، وها هي الآن حركة العدل والمساواة كل مرة تخرج علينا بمشاهد درامية تدل علي الغباء وعدم الدراية فهي تأتي بافعال لا تمت الى افعال الرجال بصلة كما جاء في رسالة احدى نساء قبيلة الحمر والتي بعثتها الى خليل قائد الحركة بعد ان استشهد زوجها في منطقة المجرور التي اعتدت عليها حركة العدل والمساواة مؤخرا، حيث وصفت الحركة بعدم العدل عكس ما تسمي به نفسها، وان نساء الحمر سيكونون غصة في حلق الحركة، والرسالة مليئة بالدروس والعبر كيف لا وقبيلة الحمر مشهود لها بالحكمة وهي التي خرج منها آل منعم منصور وآل محمد عوض وال غبوش محمد جاد كريم العالم الذي نشر العلم في كل انحاء المنطقة. ان المواطن سواء كان في دارفور او كردفان اصبح الآن واعيا لكل شيء واصبح لا يخطيء في ان هذه الحركات ما هي الا فلول مجرمين ومرتزقة يعملون لمصالحهم الذاتية، وقد تلاشى التعاطف الشعبي مع هذه الحركات، وعلى خليل ان تلفظه امه التي ولدته قبل ان يلفظه السودان الام. فالقبلية اصبحت متجذرة داخل حركة العدل والمساواة فمثلا ابناء الطينة من حملة السلاح لا يعترفون بابناء منواشي وفوراوية وتبرز هذه التصنيفات في تشكيل القيادات فأي عدل وأية مساواة هذه في اطار الحركة الضيق، فكيف يريد هؤلاء ان نسلمهم دارفور جرح السودان النازف كذلك، وكما قالت خنساء الحمر كيف تتصالح العدل والمساواة مع الآخرين وهي لم تتصالح مع نفسها، فالتصالح مع الذات نابع من نقاء السريرة ومن شيم الرجال. فالخلافات الآن تتصاعد حتى وسط الصفوة من القيادات بالحركة، فهناك صراع ما بين سليمان صندل وعبد الكريم جولي، مما ادى الى هروب عدد من القوات، كذلك الآن هناك اقصاء للقبائل العربية بالحركة حيث اصبحت الآن زغاوة فقط ،وذلك امثال علي الوافي من الرزيقات، وود البلبل من الحمر، خليل الآن آثر الجلوس في الفنادق الاوروبية وترك رجاله في الميدان بلا مأوى او تسليح. ان تحالف مناوي وخليل تحالف فاشل حيث قام بمعارك فاشلة فالتكتيك هو ذات التكتيك والهدف غير معروف. فالاثنان من اصحاب المصالح الذاتية، فهي تهاجم فقط قوات الاطواف الادارية للقوات الحكومية التي تقوم بعملها الروتيني ولا تجرؤ على مهاجمة المدن والمناطق التي يتمركز فيها الجيش. ان تجربة تحالف مناوي وخليل تبدو يائسة، فمناوي ليس لديه القوة التي تجعله يتمركز داخل دارفور فقد خسر الكثير من قواته، كذلك التغييرات التي حدثت داخل الحركة نفسها بعد ان اقصاه رفقاء دربه، اما بالنسبة لخليل فهو ايضا فقد قادة عديدين وقعوا مؤخرا في ايدي الحكومة بعد ان افرغتهم من كل الخطط التي كانت بحوزتهم والتي اصبحت الآن مكشوفة لها بجانب بروز حالات السخط داخل الحركة والتي تطالب ببعض الاصلاحات. رسالة نهمس بها في اذن هذه القوات ان ما تقوم به هذه الحركات لا يشبه انسان السودان وهي ليست في مصلحة دارفور بل هي مصالح لاطماع ذاتية وقد آن الاوان للالتحاق بركب السلام فالتاريخ لا يرحم والمواطن في دارفور يعرف الكثير. نأمل ذلك.