هل ثمة حياة بعد الموت؟ لا اعتقد أن هناك شخصاً عاقلاً حياً سواءً أكان مؤمناً أم ملحداً أم باحثاً عن الحقيقة لم يفكر في هذا السؤال. وبالنسبة لي فإن هذا السؤال برز بصورة جادة قبل سنواتٍ قليلة عندما مات والدي ومن ثم قبل عام عندما أظهر التشخيص أن صديقي المفضل مصابٌ بالسرطان، فقد قال لي: (ما تعلمت من هذه التجربة أن طبيعة حيواتنا الظاهرة هي خدعة). فبالنسبة له وللآخرين أن الموت هو كرة عظيمة مدمرة تتدحرج أسفل الدهليز تهدد بتدمير كل إنجازاتنا الماضية ومشاريعنا الحالية وخططنا المستقبلية. ويبدو مستحيلاً معرفة ما يأتي بعد الموت طالما أنه لا يمكن لأحدٍ منا أن يعود راجعاً من الجانب الآخر من تلكم الستارة كما لا يمكن لنا أن نجري مقابلة مع أولئك الذين ماتوا. ومع ذلك فإن الإيمان بوجود الحياة بعد الموت شيء سرمدي وعالمي، فتقريباً إن كل ثقافة تؤمن بالحياة الآخرة وأن الإيمان بحياة ما بعد الموت يسود بوجهٍ خاص في البلدان غير الغربية بل حتى في أمريكا فإنه ينتشر بنسبة 75 في المائة، ولكن في أجزاء من أوربا وآسيا فإن الإيمان بالآخرة يعتبر فكرة غير مألوفة. إن الملحدين الذين ينكرون وجود الإله والآخرة قد يقلُّ عددهم كثيراً ولكنهم يظنون أنهم يحتلون المرتبة العالية بشأن هذه القضية ذلك لأن المؤمنين بالدين يثبتون الحياة الآخرة على أساس العقيدة في حين أن الملحدين يعتبرون أنفسهم منكرين له على أساس العلم والمنطق. أسباب الإيمان ماذا يقول العقل وحده عن حياة ما بعد الموت إذا وضعنا القناعات الدينية جانباً؟ هذا هو السؤال الذي بحثت عن إجابته في كتابي الأخير «الحياة بعد الموت: الدليل». وبدأتُ بتسوية ميدان اللعب بين الملاحدة والمؤمنين، فمن المؤكد أن المؤمن لم يذهب إلى الجانب الآخر جانب الحياة الآخرة ولم يسأل أي أشخاص ميتين ولكن الملحد لم يفعل أياً منهما. إذن ما هي المعلومات التي يمتلكها الملحد ولا يمتلكها المؤمن؟ لا توجد معلومات، فعدم الدليل ليس دليلاً على عدم المعلومة، لذا فإن إنكار الملحد لحياة ما بعد الموت مثل تأكيد المؤمن عليها، فكلتا الفكرتين قائمتان في النهاية على موقفٍ مبنيٍّ على العقيدة. فالأدلة التي توجد تتقاطع في الغالب، فانظر إلى الأدلة التجريبية التي لدينا متمثلة في تجارب حالات الدخول في تجربة الموت، ففي هذه الحالات يكون المرضى ميتين موتاً سريرياً وقد توقفت قلوبهم ومع ذلك فإن الآلاف من هؤلاء الناس على نطاق العالم يقولون إن الوعي والتجربة استمرا حتى بعد أن توقفت أجسادهم عن العمل. ومن خلال مجموعة مقالات معرفية حول الموضوع بعنوان «تجربة الدخول في الموت» حررها لي بيلي& جيني ييتس نكتشف أن هذه التقارير متشابهة بشكلٍ ملحوظ: تم سحب تقرير الانفعالات الشخصية عبر نفق وشوهد ضوءٌ ساطعٌ، فكثيراً ما يشاهد الناس كل حيواتهم تلمع أمامهم، وهو ما يصفه الباحثون ب»استعراض الحياة». ففي كثيرمن الحالات يواجهون الأقارب والأصدقاء الميتين وكثيراً ما يكونون في حضور كائنٍ سماوي. عندما أعدَّ ريموند مودي تقريراً عن تجارب الدخول في الموت في السبعينيات تم إلغاؤها باعتبارها ذات صبغة قصصية وغير محققة، ولكن الآن فإن هذه التجارب منتشرة على نطاقٍ واسع من خلال الثقافات التي لا يمكن تجاهلها بسهولة كما أن هناك هيئة دراسية كاملة خصصت لدراسة الكيفية التي تحدث بها هذه التجارب وماذا تعني. إن الملاحدة وقد أدهشهم الأثر الواضح لتجارب الدخول في الموت باتوا يعملون بجدٍّ لتفسيرها، فاليوم نجد أن أفضل تفسير إلحادي هو أن تجارب الدخول في الموت هي نتيجة دماغٍ محتضر، تقول عالمة النفس سوزان بلاكمور إنه عندما ينهار الدماغ فإنه يولِّد آثاراً خاصة تمضي عن كثب في اتجاه تجربة الدخول في الموت. وهناك مشاكل كثيرة بهذه النظرية ولكن المشكلة القَدَرية هي أن الناجين من الموت السريري يذهبون الآن إلى العمل ويرعون أسرهم ويؤدون وظائفهم على الوجه المطلوب. استبصارات من الفيزياء الحديثة اكتشفت في بحثي أيضاً أدلة من الفيزياء والأحياء وعلم الدماغ لأرى ما إذا كانت الحياة بعد الموت متفقة مع هذه المجالات من الدراسة أو أنها تجد التأييد من هذه المجالات الدراسية. بالنسبة للمفهوم المسيحي لوجود حياة بعد الموت يجب أن تكون هناك عوالم وراء العالم المادي وهي عوالم خارج المكان والزمان، وهذا ما يعنيه المفهوم المسيحي ب»السرمدية»، فالإله سرمدي وأن الجنة هي عالمه السرمدي. ولكن هذه المفاهيم لا معنى لها في فيزياء نيوتن لأن الزمن من المفترض أن يكون ممتداً امتداداً مطلقاً في الماضي والمستقبل وأن المكان من المفترض أن يمتد بلا نهاية في كل الاتجاهات. ولكن اليوم عليك أن تتجول داخل فصل علوم تمهيدية لترى كيف أن فيزياء القرن الواحد والعشرين قد وسَّعت آفاقنا بدرجة كبيرة، فاليوم يتحدث العلماء بشكلٍ مألوف عن الأبعاد الخفية والنطاقات المتعددة بل وحتى عن العوالم المتعددة. فماذا نعرف عن العوالم المتعددة؟ لا نعرف شيئاً كثيراً عنها، بيد أننا نعرف أن هذه العوالم إن كانت موجودة ستكون لها قوانين مختلفة اختلافاً كلياً من تلك القوانين الموجودة في عالمنا. فواحدة من الآثار المباشرة للانفجار العظيم «البق بانق» لم تكن هي بداية العالم المادي فقط بل بداية المكان والزمان أيضاً، فالمكان والزمان هما خصائص كوننا. وهذا يعني أنه قد لا يوجد في العوالم الواقعة خلف كوننا إن كانت عوالمُ كهذي موجودة مكانٌ ولا زمان. وفجأة تصبح فكرة السرمدية المسيحية مفهومة. وفي دراستي لمسألة الحياة بعد الموت، انتقلت من السؤال عن «لماذا أنه ممكن» إلى السؤال عن «لماذا أنه محتمل» إلى السؤال عن «لماذا يجب علينا أن نتقبل الفكرة». وطالما أننا نتعامل مع حدث مستقبلي اعترفت بأننا لا يمكن أن نبلغ اليقين، فأنا لا أزعم إثبات قضيتي وراء الشك العقلي ولكنني أزعم إثباتها بقوة الدليل. وفي النهاية يجب أن نحسم ما تبقى من شك بطرح سؤالٍ عملي هو «هل من الخير لي أن أؤمن؟». وبالنسبة لي فإن الإجابة الواضحة هي «نعم». فإذا لم تكن هناك حياة بعد الموت سنكون نحن كالمسافرين على متن التايتنك: يمكننا أن نعيد ترتيب مقاعد السفينة ونحرك مفتاح الموسيقى ولكننا نفضي في النهاية إلى الهلاك. وعكس ذلك، فإذا كانت هناك حياة بعد الموت يمكننا أن نواجه الموت بهدوء حيث ننظر إليه باعتباره باباً لحياةٍ أخرى. ومن العقل أيضاً أن نأمل أن الخير سيجد الجزاء في النهاية وأن الشر سيجد الحساب. أضف لذلك يمكن لنا ونحن ندرك أن وجودنا على الأرض هو جزءٌ من مشهد درامي أكبر أن نخلق إحساساً بوجود هدفٍ دائم في حياتنا، لذا لم يكن الإيمان في حياةٍ آخرة شيءٌ منطقيٌّ فقط بل هو شيء مفيد لنا أيضاً. * دينيش دي سوزا محلل سياسي في البيت الأبيض تحت إدارة ريغان وهو مؤلف لعديد من الكتب الأكثر مبيعاً حول السياسة والوطنية والدين، وآخر كتبه هو «حياة ما بعد الموت: الدليل».