بول كريق روبرتز مركز بحوث العولمة سبق أن أشرت إلى أن المسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام الأمريكية يقفون موقفاً متعجرفاً متشدداً حيال حكم القانون في بورما في الوقت الذي ينهار فيه حكم القانون في الولاياتالمتحدة دون أن يعيروه ملاحظة. وفي الواقع إن النفاق أصبح هو السمة المميزة للولايات المتحدة إذ تجد الأمريكان يستمتعون بضرب الأناس الآخرين مقابل الخطايا التي يرتكبها الأمريكيون، والنفاق في أمريكا الآن أمر مألوف حتى أنه لم يعد يلاحظ، فانظر إلى نجم كرة القدم مايكل فيك إذ نجده أحرز في مباراة جرت في الآونة الأخيرة ست إصابات مسيطراً على ميدان اللعب بالكامل حيث خلق أداؤه أرقاماً قياسية جديدة بحيث جعل الإذاعة القومية تتعجب مما إذا كان من غير الواجب على جمهور الرياضة أن يتخذ موقفاً أشد صرامة إزاء أحدٍ قام بتعذيب كلب مما جعله يقضي عاماً ونصف العام في السجن لقيامه بمصارعة الكلاب. وأنا قطعاً لا أرضى إساءة معاملة الحيوانات، ولكن أين ثورة الغضب ضد تعذيب الحكومة الأمريكية للناس؟ فكيف يمكن للحكومة أن تضع شخصاً في السجن بسبب تعذيب الكلاب ولكنها تغض الطرف عن أفراد الحكومة الذين قاموا بتعذيب الناس؟ إذ يعتبر تعذيب البشر بموجب القانون الأمريكي والدولي جريمة ولكن القضاء الفيدرالي يغض الطرف بل ويسمح بالاعترافات الزائفة التي تنتزع بواسطة التعذيب لتستخدم في المحاكم أو المحاكم العسكرية لكي تزج بالناس المعذبين لسنين أكثر في السجن بناءً على تجريم الشخص المعذب لنفسه بالإكراه لا على شيء آخر. فقارن مثلاً معاملة مايكل فيك للكلاب مع معاملة حكومة الولاياتالمتحدة للجندي الطفل عمر خضر، فلقد كان الطفل عمر خضر في سن الخامسة عشر عندما تم القبض عليه في أفغانستان عام 2002م حيث كان الناجي الوحيد من اشتباك بالأسلحة النارية وهجوم جوي في أحد مواقع حركة الطالبان، ولقد أشرف على الهلاك مع جروح أصابت عينيه وكتفه كما أصيب مرتين بطلق ناري في الظهر. وقد اتهم الأمريكان الطفل بقذف قنبلة يدوية أثناء المواجهة العسكرية التي أدت إلى مصرع جنديٍّ أمريكي. عمر خضر ولما لم يكن هناك شاهد لتأييد التهمة، تم تعذيب عمر خضر لحمله على الاعتراف حيث تم سحقه وحرمانه من النوم وترك معلقاً ويداه مربوطتان بالسلاسل من فوق رأسه وعصبوا عينيه وهددوه بالكلاب. وقد أوردت صحيفة «ناشونال بوست أوف كند»ا يوم 6 نوفمبر 2010م الآتي: (لقد أعترف مستجوبه الرئيس في باقرام بأنه قال للصبي إذا لم تتعاون معنا فسنرسلك إلى سجنٍ أمريكي حيث ستقوم عصابة من الرجال السود باغتصابك حتى تموت). ورغم هذا الدليل والأدلة الأخرى التي تقول بأن عمر خضر قد أجبر بواسطة التعذيب على الإقرار بأنه قتل جندياً أمريكياً أثناء اشتباك ناري عسكري لم يترك لعمر خضر سوى الموت، لكن القاضي العسكري الأمريكي الكولونيل باتريك باريش قرر أن اعتراف عمر خضر قد أعطي له بحرية ويمكن استخدامه لإدانته في المحكمة. إن التهمة الموجهة ضد عمر خضر تهمة ملفقة إذ إننا لا ندري ما إذا كان عمر خضر كان محارباً أم أن وجوده في المكان الذي وقع فيه الهجوم الأمريكي كان مصادفة ليس غير. واتهم عمر خضر ب»القتل انتهاكاً لقوانين الحرب» وهذه جريمة لا وجود لها ذلك أن الجنود من الأعداء المقاتلين لا يحاكمون لقتل بعضهم البعض. وبما أن الأمريكيين أتوا بجريمة عمر خضر من العدم فإنهم قطعاً كانوا في حاجة لذريعة تجريمية، فقبل المحاكمة بقليل قال الأمريكان لعمر خضر إنه إذا لم يعترف بالذنب وينجُ من الإدانة فإنهم سيضعونه مؤبداً في سجن تعذيب باعتباره عدواً مقاتلاً. هذا هو سلوك ألمانيا النازية، فعندما أطلقت المحاكم الألمانية سراح الضحايا النازيين وبرأتهم من الاتهامات الزائفة قام الجستابو بكل بساطة باختطاف المتهمين المحررين عندما غادروا مبنى المحكمة وأرسلهم إلى المعسكرات أو السجون. وفي الدقيقة الأخيرة ظهرت اتهامات جديدة من العدم لتضخيم قضية لا وجود لها في مواجهة عمر خضر حيث أجبر على الاعتراف بقتل جنديين أفغانيين وأن يتنازل عن حقه في مقاضاة سجنائه بسبب تعذيبهم له. وقد أكد الكولونيل باريش مراراً في المحكمة أن عمر خضر اعترف بذنبه طوعاً وبرضائه، بمعنى آخر أن الكولونيل باريش كذب في المحكمة بتقديمه لاعتراف مفروض فرضاً على عمر خضر وكأن عمر قدمه بإرادته، وهذا ما يشبه المدعين الأمريكيين. لقد أوردت صحيفة ناشونال بوست أوف كندا في مقالة افتتاحية قوية بعنوان «كان لاستالين أن يكون فخوراً» النص الآتي: (ماذا كانت المحاكمة في الحقيقة، لقد كانت محاكمة استعراضية... وكان من الممكن لهم أن يأمروه بالاعتراف بأنه في ذات الوقت كان يقود جميع الطائرات الأربع المختطفة في يوم 11/9 وما كان له إلا أن يأتمر بأمرهم ويعترف). ومضت صحيفة الناشونال بوست لتقول إن خطط ستالين في التعذيب والتي أوحت بالإجراءات المعيارية المعمول بها في أبو غريب وباقرام وغوانتنامو والأماكن السرية السوداء لم توضع لانتزاع الحقيقة بل وضعت للحصول على الاعترافات الزائفة. فالأمريكان في حاجة للاعترافات الزائفة لكي يرسخوا الخوف من الإرهابيين وسط المواطنين المخدوعين ولكي يغطوا على جرائم التعذيب التي تمارسها الحكومة الأمريكية. وإذا يمكن لحالة أن تكون أسوأ فهي حالة عالمة الأعصاب الشابةالأمريكية المثقفة د. عافية صِدِّيقي، فقد تم اختطاف عافية صِدِّيقي وأطفالها الثلاثة وتم تعذيبها وابتزازها بواسطة الأمريكيين والدمي الباكستانيين التابعين لهم لأن خالد شيخ محمد عمَّ زوجها الثاني قد ذكر اسمها خلال مرة من ال180 مرة التي عُذب فيها عن طريق الإيهام بالغرق بحسب موقع الوكيبيديا. ويُذكِّرني هذا بتقارير المعارضين السوفيت التي يقولون فيها إنهم عندما كانوا يُعذبون بواسطة جهاز الكي.جي.بي كانوا يحاولون تذكر الأسماء الموجودة على شواهد القبور ليعطوها للسلطات وعندما لا يستطيعون تذكرها فإنهم كانوا يعطون أي أسماء تقفز في ذاكراتهم. إن من الواضح أن أطفال عافية صدِّيقي ما زالوا مفقودين، فهي نفسها عندما كانت في الاعتقال ضُربت في بطنها بواسطة جندي أمريكي وذلك عندما قررت أن تقبض على بندقيته وتصوِّبها نحوه. هذه القصة السخيفة كانت كافية لأن يحكم عليها القاضي الفيدرالي ريتشارد بيرمان بالسجن لمدة 86 عاماً بسبب الهجوم بسلاح فتاك ومحاولة قتل جندي أمريكي. ومن الواضح أن القاضي بيرمان يعرف أين مصلحته ولكن ليس وفقاً للعدالة. لقد قمنا بسجن مايكل فيك لأنه قام بتعذيب الكلاب ولكن مسؤوليْ وزارة العدل جون يو&جاي بايبي قاما بالتعاون مع بيت جورج بوش الأبيض ومكتب نائب الرئيس ديك شيني بتلفيق الحجة التي تقول إن القوانين الأمريكية والدولية ضد التعذيب لا تنطبق على الرئيس الأمريكي. ولقد كشف مكتب المسؤولية المهنية التابع لوزارة العدل أن جون يو &جاي بايبي انتهكا المعايير المهنية بيد أن مسؤول وزارة العدل ديفيد مارجوليس اختزل التهم إلى أنها «ممارسة حكم ضعيف». هذا على الرغم من أن جون يو أكد لأحد محققي مكتب المسؤولية المهنية أن صلاحيات بوش باعتباره قائداً أعلى تعطيه منفرداً سلطة إصدار الأوامر دون اللجوء إلى القانون بالقتل الجماعي للمدنيين. إن مايكل فيك لم ينج من «الحكم الضعيف»، ففي العدالة الأمريكية يعتبر تعذيب الكلاب جريمة أسوأ من تعذيب الناس، وفي الولاياتالمتحدة إذا عذبت كلباً فإنك تذهب إلى السجن ولكن إذا كنت من أفراد الحكومة يمكن أن تعطي ضوءاً أخضر للتعذيب وستكون مكافأتك أن يتم تعيينك أستاذاً للقانون في جامعة كاليفورنيا «الليبرالية» (كما في حالة جون يو) وفي الكرسي الفيدرالي (كما في حالة جاي بايبي). ماذا فعل ممثلو جماعات الضغط (الكونغرس الأمريكي) مع الكثير من مجرمي السلطة التنفيذية المشهورين والذين يتحركون بحرية؟ لقد انتقدوا الممثل النيابي الأمريكي الأسود تشارلز رانجيل انتقاداً قاسياً. فما هي جريرة تشارلز رانجيل؟ هل تورط في جرائم تعذيب واغتصاب وقتل أكثر مما فعل مسؤولو السلطة التنفيذية؟ كلا. فما فعله رانجيل أنه ساعد إحدى المدارس على زيادة أموالها، وبما أن المدرسة كانت بصدد إطلاق اسمها عليه فهذا يعني أن رانجيل «استفاد فائدة شخصية» من استغلال سلطة منصبه لمساعدة المدرسة في زيادة مالها. كما ارتكب رانجيل أيضاً جريمة مؤسفة أخرى إذ استخدم شقة في نيويورك مخصصة للاستخدام السكني فقط لكي تكون مكتباً لإدارة حملته، وفشل رانجيل في دفع ضريبة الدخل على استئجار شقة في جمهورية الدومنيكان وهو مبلغ ضئيل ربما كان رجلٌ في سن الثمانين ممن أدمت قدميه وظيفته ذات المطالب الجمة لا علم له به. وبسبب هذه «الجرائم الخطيرة» توصلت لجنة قوانين المجلس إلى أن رانجيل أشان سمعة مجلس النواب. وأنا اتساءل حقيقة كم عدد الأشياء التي يمكن أن تفكر فيها مما هي أقل أثراً من تجاوزات رانجيل؟ فنحن لدينا [كونغرس] يُشترى ويُرشى بواسطة جماعات الضغط إذ أي صوتٍ له يقرره اللوبي بواسطة مساهمات الحملة التي تجني الفائدة المالية للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ، بيد أن رانجيل يعتبر مذنباً لأنه ساعد مدرسة على زيادة مالها؟ إن لدينا [كونغرس] خسر سلطته بإعلان الحرب والركون إلى التآمر في حين أن الرئيس لم يقم باغتصاب السلطة فحسب بل استخدم سلطة غير شرعية لارتكاب جرائم حرب بشنِّ هجمات فاضحة على أساس الأكاذيب والخداع. ولدينا [كونغرس] يغض الطرف عن التصرفات الإجرامية من جانب الرئيس ونائبه ومن جانب السلطة التنفيذية بما في ذلك انتهاكات القانون الأمريكي ضد التعذيب وانتهاكات القانون الأمريكي ضد التجسس على الأمريكان دون تفويضات وانتهاكات أية حماية قانونية متضمنة في مشروع قانون الحقوق بدءاً من حق الخصوصية إلى أمر المثول أمام القضاء. لقد أضحت بصمات النظام القانوني الأمريكي المعدل بفضل «الحرب على الإرهاب» هي تجريم الذات بالإكراه والاعتقال لأجل غير مسمى والقتل بدون تهم أو أدلة، فأمريكا ابتعثت النظام القانوني للعصور المظلمة. ولكن رانجيل الذي قام بمساعدة مدرسة تم تجريده من الرئاسة وخضع لمراقبة الكونغرس الذي يُشترى ويُرشى، بيد أن المرء لديه انطباع بأن رانجيل كان من الواجب عليه أن يفعل شيئاً أكثر خطورة كأنْ ينتقد الحروب غير الشرعية أو سرقة عصابات البنوك لدافعي الضرائب الأمريكيين. أم أننا ببساطة أمام قضية فحواها أن أناساً بيضاً يتضافرون لمهاجمة رجلاً أسود؟ فعلى رأس من يقع القانون مع وجود عصابات الثراء المصرفي الفاحش الإجرامية المعفاة من الرقابة اللائحية بفضل عملائها المختبئين في الخزانة الأمريكية والوكالات التنظيمية ومجلس الإحتياطي الفيدرالي؟ يقع القانون على رأس صبية من ذوي الثلاثة عشر عاماً يقومون ببيع الكعك في المنتزهات العامة، فقد استدعى مايكل وولفنسون عضو المجلس البلدي بنيوكاسل في مقاطعة وستشستر بنيويورك الشرطة بشأن آندرو دي ماركيز وكيفين غراف البالغيْن من العمر 13 عاماً لأنهما يقومان ببيع الكعك والكوكيز في منتزه شاباكوا، وكانت جريرة الصبية أنهما يبيعان أشياءهما داخل أصول المدينة دون رخصة. كان دخل الصبية حوالى 100 دولار يومياً ولديهما أحلام رأسمالية للشروع في نشاط استثماري لكن اللائحة أوقفتهما، فتكلفة الرخصة ما بين 150 دولار و350 دولار لمدة ساعتين كما يطلب منهما أيضاً شهادة تأمين بمبلغ مليون دولار. لذا فإن عصابات البنوك التي استطاعت أن ترشو بمساهمات الحملة ومعها الذين يعرفون حجم المكافآت السرية ويعرفون إلغاء اللوائح المصرفية في عهد الكساد قد أعفوا من الضريبة بعد أن نهبوا من دافعي الضرائب أموال الإنقاذ المصرفي ومعاشاتهم، ولكن تم منع بيع الكعك الذي يقوم به ذوو الثلاثة عشر عاماً. فماذا يعني هذا لحوالى 300 مليون من المواطنين فشلوا أن يروا النفاق في ذلك؟ وهل يوجد مواطنون أكثر لامبالاة منا؟