يصعب على أي مراقب أن يمسك بمفاعيل النضال وتراكماته التي دفعت بالثورة المصرية التي أطلقها مجموعة من الشباب الحالمين بالتغيير، فلم تعرف الشخصية المصرية النوازع الثورية المتمردة على الحاكم والمطالبة برحيله خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ما حدث من تجريف للحياة السياسية والحزبية بعد ثورة 23 يوليو 1952م، بفعل أجهزة القمع والآلة الإعلامية الضخمة التي استمرأت المداورة والتبرير الفج وإسقاط الإخفاقات على الآخرين مع الحضور الدائم لنظرية المؤامرة من قبل قوى الخارج الحاقدة على مصر والحاسدة لحضارتها التليدة !! . لقد أتاحت وسائل التقنية الحديثة وخاصة «الفيس بوك» على شبكة الإنترنت قدراً من التواصل بين الشباب بعيداً عن أعين الرقابة الرسمية، بحيث يستطيع المشترك خلق شبكة صداقات وتواصل واسع عبر العالم وتبادل الرأي والمعرفة فضلاً عما يتيحه الفيس بوك من إمكانات التنظيم الجماهيري الواسع حيث تفاجأ الداعون للتظاهر في ميدان التحرير في 25 يناير 2011م، بحجم الاستجابة الشعبية والاستعداد لحركة النضال في الصراع مع النظام المتهالك وزاد الاستخدام المفرط للقوة إلى تفجر الثورة في جمعة الغضب 28 يناير وكسر حاجز الخوف من الأجهزة الأمنية المتسلحة بقانون الطوارئ والخطاب الإعلامي الرابط بين قوى المعارضة الإسلامية والإرهاب الدولي . من اللحظة الأولى لانطلاق الثورة الشعبية كان الإعلام المصري غارق في سيل من الأكاذيب الصارخة والتقليل من حجم الثورة الشعبية وآثارها مما افقده المصداقية والمهنية في نقل الحدث وصرفت محاولات وأد ثورة الجماهير إلى الإعلام الخارجي وعلى رأسه قناتي «الجزيرة الإخبارية» و»الجزيرة مباشر» التي تبنت تأجيج الثورة من خلال النقل المباشر للخبر العاجل صوتاً وصورة بينما ظل الإعلام الرسمي المصري وتوابعه من الإعلام الخاص يستجدى عواطف حب مصر وحمايتها في غياب الأمن وحضور البلطجية في موقعة جمل القرن الواحد والعشرين !! . ارتكب النظام خطيئة فادحة بقطع قنوات الاتصال عبر الهاتف الجوال (الموبايل) والانترنت والحد من حرية الصحافة العالمية وإغلاق مكاتب بعض الفضائيات ومنعها من نقل الحدث ظناً منه بأنها ستحد من حركة الحشود الجماهيرية الهادرة فكانت النتيجة بخلاف ما يبتغي النظام فانهالت عليه الإدانة الدولية بقمع الثورة السلمية وتغييب شهودها باستهداف الإعلام والصحافيين. . ومع بطء ردة فعل النظام الشائخ كانت الفضائيات سيدة الموقف بامتياز وشدت الملايين على نحو غير مسبوق بملاحقة الحدث ونقل استغاثات المواطنين المصريين العزل في مواجهة القمع . يصعب لصاحب الرأي أو أي جهاز إعلامي الوقوف محايداً في ظل الاستقطاب الحاد بين قوى التغيير والثورة الشعبية والمستفيدين من الاستبداد ومنهج الفراعين القائل : (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فيوشك «مبارك» أن يقول للمصريين : «أنا رئيسكم الأعلى . . وما علمت لكم من رئيس غيري» !! وأمام نهج كهذا فأي إعلام يحق له أن يظل محايداً ؟. . وهل يقتضي الحياد والمهنية المساواة بين موسى وفرعون ؟! وأي تقدير وخروج مشرف يرجى من الشباب والمتظاهرين إبداءه لرئيس لم يحترم يوماً إرادة شعبه طوال ثلاثين عاماً من حكمه ؟! .