رحل الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك» وتسلم الجيش إدارة البلاد إلى حين قيام سلطة الشرعية الثورية التي يرتضيها الشعب لتولي الحكم في الفترة الانتقالية والتي تتطلب قدراً من التوافق بين الفعاليات الشبابية والشعبية والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي أسهمت في انطلاق الثورة واستمرارها بذلك الزخم الشعبي المليوني في كافة ميادين وشوارع مصر وخاصة في ميدان التحرير (الشهداء) الذي تحول إلى رمز ومزار كبير ومأوى لثوار 25 يناير 2011م، الذين قادهم شباب المواقع الالكترونية «الفيس بوك» «وتويتر» ومدونو الإنترنت الذين شكلوا مؤخراً (ائتلاف شباب الثورة) المكون من حركة «كلنا خالد سعيد» وحركة (6 أبريل) و»حملة دعم البرادعي» و»شباب الإخوان» و»شباب حزب الجبهة» و»الثوريين الاشتراكيين» و»العدالة والحرية»وغيرهم. لقد مهر هؤلاء الفتية نضالهم وجهادهم بالدم في سبيل إسقاط نظام الفرعون وبذلوا المهج والأرواح فداء لمصر وعزتها وكرامتها وليرسموا مستقبلاً زاهراً من الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والدولة العصرية المتحضرة التي ترعى حقوق الإنسان وتكفل للمصريين سبل العيش الكريم بعد سنوات عجاف ساد فيها القمع والقهر والفساد طوال عهد مبارك الذي أرجع عهد الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم وأخرج مصر من دائرة التأثير في المحيط العربي والإقليمي وأورثها الذل والهوان باستجداء المعونات وهبات الدوائر الأجنبية ذات الأجندات الخفية من خلال رسم المؤامرات في العالم العربي من خليجه إلى محيطه ولعل المقاومة في فلسطين ولبنان خير شاهد على الدسائس التي حاكها الفرعون بالعمالة للصهاينة . أراد مبارك خروجاً مشرفاً واخذ يستجدي البقاء على سدة الحكم إلى نهاية ولايته من خلال سياسات الالتفاف والمراوغة المكشوفة والتي كاد أن يصدقها البعض بالوقوع في شراك الخطاب العاطفي والوعود الزائفة لبعض القوى السياسية تحت حجة سلامة وأمن واستقرار مصر وحاجات الشعب المعيشية ومصالح البلاد الاقتصادية، وأخذت بعض أبواقه الإعلامية تصور الخراب الذي حل بمصر جراء الثورة الشعبية وأتهم البعض الشباب بقلة الوعي والعمالة للأجنبي وتنفيذ المؤامرات الخارجية على مصر وكهذا كانت التغطية الإعلامية المصرية في غاية الرداءة والسوء من خلال بعض المأجورين والمنتفعين من الحزب «الميري» ممن يطلق عليهم «فئران السفينة» فسرعان ما تخرج مما بين ألواحها ودسرها بعد أن يتكشف غرقها وما أكثر هؤلاء المنافقين الذين تحولوا من أعداء مناوئين للثورة الشعبية إلى أنصار لها بعد سقوط الفرعون !! . لا شك أن أمام مصر فترة عصيبة تتطلب الحفاظ على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية وإبراز الوجه الحضاري الأصيل للمصريين الذين سجلوا بثورتهم الظافرة أروع ملاحم التاريخ في الألفية الثالثة، والتي سيكون لها تداعياتها الإقليمية والعالمية بعد أن استعاد الشباب الثائر الوعي لمصر ورسموا الهيبة على وجهها المضيء البراق .