منذ ان احتشدت جماهير مصر تتحرر من ربقة الكبت والارهاب والطغيان واتجهت انظار العالم نحو هذا الحدث الفريد والرسالة القوية المرسلة للشعوب المقهورة كافة، منذ ذلك الوقت الذي حدث فيه الانفجار في الخامس والعشرين من يناير وانا اقلب في نفسي وخيالي اسألها يا ترى كيف ادار مبارك شريط تاريخ حياته مستدركاً احداثها حدثا بعد الآخر، وما هو اخطر واهم الاحداث التي اهمت وجدانه.. نعم لقد كانت حرب اكتوبر واداؤه فيها حدثاً يفخر به ويعول عليه في معالجة احزان ومآسي بقية الاحداث.. ولكن يا ترى هل استدرك مبارك اكثر ساعات مآسيه..؟ ظللت طيلة مشاهدتي لذلك الطوفان اتذكر ما فعله مبارك بالانصار في الجزيرة ابا عندما بدأت طائرته الحربية التي قادها نحو اسرائيل في اكتوبر تتجه جنوباً نحو جزيرة صغيرة أبى اهلها الا ان تعلو اصواتهم بالهتاف القدسي «بان لا اله الا الله.. محمد رسول الله» الا ان ازيز طائرته لم تكن تمكنه من الاستماع الى تلك الاصوات ولا الى صرخات الاطفال ولا اندفاع النساء نحو جدران بيوتهن ساكبات للدموع داعيات له بالويل والثبور.. لقد ادى مبارك تلك المهمة بمنتهى البرود ونال من ذلك تحية ورضاء الذين جثموا على صدر الشعبين السوداني والمصري.. ترى في هذه الايام الكالحات مر بذكراه ذلك اليوم الكئيب الذي اذاق فيه الانصار الذين وقفوا يدافعون عن دينهم ووطنهم واهلهم.. عندما احرقت قنابله الاخضر واليابس وفتح الطريق للطغاة لكي يدنسوا اول معقل تحرر فيه السودان من ربقة الطغيان والطاغوت.. لقد جرى قبل مغادرة طائرة مبارك نحو الجزيرة مؤامرة مدبرة عندما قابل الامام الهادي الشهيد وفد من الطغمة الباغية واطمأن الانصار بان هناك مخرجا لمطالبهم. وفي يوم الجمعة 72 مارس 0791م فوجيء اهل الجزيرة ابا بطائرة تحلق فوقهم فخرجوا جميعا يشاهدونها وبما انها كانت طائرة حربية ذات الوان غامقة صار اطفال ونساء الانصار يهتفون لبعضهم البعض مطلقين عليها «الحميرة» وفجأة يطلق قائدها السيد حسنى مبارك قنابله الحارقة القاتلة عليهم وبدأت افواج من الانصار والنساء والاطفال يهرعون الى مساكنهم بينما بدأت افواج منهم تسقط على تلك الارض الطاهرة لتلاقي ربها شهيدة وعلى لسانها هتاف الانصار الاول «في شان الله» «الدين منصور»، واستمرت المذبحة منذ ظهر الجمعة 72 مارس 0791م والسبت 82 مارس والاحدة 92 مارس في طلعات متقطعة لم تمكن الانصار من نقل شهدائهم وتجهيزهم للدفن ونقل الشهداء الى ساحة مسكن الامام الشهيد وفي مساء الاثنين 03 مارس 0791م اوصى مجلس الحل والعقد بمغادرة الامام للجزيرة في حراسة مشددة من شباب الانصار حتى خروجه منها عند ظهر الاربعاء اول ابريل رفع امين هيئة شؤون الانصار المغفور له خالد محمد ابراهيم العلم الابيض شفقة على النساء والاطفال بينما ظل الانصار مرابطين في خنادقهم وقاذفة مبارك تصليهم صلياً. فوجيء آدم احمد يوسف نائب الامين العام لهيئة شؤون الانصار بوالده محترقاً بقنابل «الحميرة» وبجانبه عمه اسحاق علي لقد كان صغيراً الا ان وحدة اهل الجزيرة خففت عنه واسرته رغم كثرة الصرعى. ويقول كل من المجاهدين الصادق حامد ومحمد حسن احيمر وآدم موسى ضحية انهم ظلوا لايام في دفن الشهداء بينما خلا الجو لقيادات الطغاة للتجول في حجرات الامام والتهجم على الانصار. هذا ما كان بين مبارك والانصار.. الذين صبروا على جراحاتهم وتوكلوا على الحي الذي لا يموت قاهر الجبابرة ومذل المتكبرين لقد وجه اليه الامام الصادق كلمة يوم الجمعة مدعومة بالمواساة والنصح والاذعان للعهد الجديد الذي نتج عن الانفجار العفوي الذي دائماً ما يحدث فجأة نتيجة لسياسات القمع.. وبين ان شل حركة القوى السياسية والنقابية دائماً ما تأتي بالانفجارات المفاجئة.. لا نريد ان نحلق في المأساة التي قضى فيها الامام الشهيد نحبه مع رفيقه الناجي وخاله ود المصطفى رغم ان الطائرة «الحميرة» كانت السبب الاول والاخير.. نسأل الله ان يهيئ لمصر الشقيقة مستقبلا آمناً.. وحرية حقيقية.. ونسأل لمبارك مخرجاً طيباً يستجيب فيه لرغبة شعب مصر المقدام.