لعل أهم الدروس المستفادة من الثورة المصرية أنها لفتت الانظار بقوة لدور الشباب في النهوض بمجتمعه وحمل لواء التغيير والديمقراطية والحرية، فقد فاجأ الشباب المصري المجتمع الداخلي والخارجي بقيادة الثورة وابلاغها لغايتها المعلنة باسقاط الرئيس مبارك، هذا الهدف كان دونه المهج والارواح وقد بذل هؤلاء الشباب التضحيات الجسام وجادوا بأرواحهم الغالية فداء لوطن غال يستحق جسامة التضحية، وقد حاول الرئيس المخلوع كل المحاولات للبقاء في كرسيه والالتصاق به، ابتداءً باستعمال العنف والبطش والارهاب في أبشع صوره، فقد وضع النظام القناصة على سطوح المباني المحيطة بميدان التحرير، وقد انتاشت بنادق هؤلاء القناصة المحتجين بدقة متناهية لبث الرعب والهلع في قلوبهم. الا ان المردود كان على خلاف ذلك، حيث اججت هذه الاغتيالات الخسيسة نيران الثورة واشعلتها في قلوب الشباب، وتقاطرت جحافلهم على ميدان التحرير، هذا الميدان الرمز والذي سيحتل مكانة تاريخية في نفوس المصريين وكل الشعوب التي تتوق للانعتاق من الدكتاتورية والظلم والاستبداد والفساد، وقد أبدع قادة الثورة في ابتكار الوسائل التي تتواءم مع كل طارئ يستجد على الموقف الرسمي، وقابلوا عبارات الوعيد والتهديد بمزيد من التنظيم والحشود، ولجأ النظام لتقديم التنازلات الواحد تلو الآخر، وعندما تأكد له ان هذه التنازلات لن تؤدي لإخماد الثورة لجأ لأسلوب البلطجة والارهاب، فرأينا جحافل الخيول والجمال والنوق تقتحم الميدان في مشهد غير حضاري، وتصرف لا اخلاقي ينم عن عقلية متخلفة تسعى للتشبث بالسلطة بأي ثمن، ويقابل هذا الاسلوب اسلوب راق وتنظيم دقيق، يؤكد ان وراء هؤلاء الشباب قيادة شبابية متنورة تتعامل مع الوسائل العلمية الحديثة بمهارة وحذق، وقد كان تعاون القاعدة مذهلا فما ان يتم الاعلان عن مسيرة مليونية الا وتترى الحشود ملبية لنداء قيادتها، في تلاحم لم يشهد التاريخ الحديث مثله من شعب عريق عراقة التاريخ هذا الشعب الذي خذل كل التوقعات، فقد كان الجميع لديه الاعتقاد الجازم بان الشعب المصري لن يثور ضد حكامه استنادا ورجوعا للتاريخ الذي يؤكد ان هذا الشعب تربى على الاستكانة لحكامه والاستسلام لقدره، وان هذا الشعب لم يعرف عنه خلع حكامه ومنازعتهم في أمره، فالتاريخ المصري لم يعرف كلمة الرئيس السابق من قبل، والاجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية عرف عنها الاحترافية والمهنية العالية، وتتمتع بمقدرات وقدرة على البطش واستعمال العنف بصورة يشيب لها الولدان، وتاريخ مصر المعاصر يبين ان وزارة الداخلية المصرية يختار لها الجلادون والسفاحون لتولي امرها منذ النبوي موسى، وزكي بدر والوزير الحالي حبيب العادلي تسفك هذه الوزارة الدماء وتمارس الاغتيال والتعذيب القاسي، الذي لا يوجد له مثيل في المنطقة العربية، تسندها آلية اعلامية رهيبة تبث الخوف في نفوس المواطنين جراء ما يلاقيه من يقع في أيدي هؤلاء الزبانية. كل هذه الوسائل المخيفة لم تسن الشباب عن الثورة التي جاءت بعد الثورة التونسية لكنها تتفوق عليها بانها ازاحت أعتى نظام دكتاتوري في المنطقة، وأنها انطلقت من ارض مصر وما أدراك ما مصر! فمصر هي قلب العروبة وأثقل دولة وكيان اجتماعي في الشرق الأوسط، وكل احداث مصر تتأثر شعوب ودول المنطقة بها. والثورة في مصر تعنى ان هنالك ثورات قادمة، تشتعل لتغطي كل الوطن العربي وهنالك انظمة عدة مرشحة لهذا المآل! وهنالك رؤوس قد اينعت فرياح التغيير التي هبت على مصر لا شك انها ستمتلئ بها اشرعة عدة. وما حدث في مصر له ما بعده وقد ظهرت تداعياته الآن في اليمن والجزائر والاردن والبحرين والسودان ليس جزيرة معزولة عن محيطه والمعارضة السودانية تفتقر للقدرة على تفعيل عمل منظم يؤدي لاسقاط النظام القائم، فالمعارضة تتسم بالضعف والجمود فالمعارضة كبديل بشخوصها التاريخية لن ترضي طموحات الشباب، فهؤلاء الشباب تفتح وعيهم على وجود الانقاذ في السلطة وغياب المعارضة، وهي كبديل للنظام الحالي فهي بديل غير مقنع لقطاع كبير، والتجربة المصرية والتونسية تؤكد بأن الشارع يمكن ان يتجاوز القادة السياسيين وهؤلاء يمكن ان يكونوا عامل تثبيط للهمم، فالشعب السوداني ظل ينتظر المعارضة للقيام بما تقوله في اللقاءات السياسية دون ان يرى تحقق ذلك، ووجود مثل هذه القيادة الكسيحة أدى لتحجيم دور الشباب وعدم اقدامه على المبادرة، انتظارا لدور مفترض في قادته السياسيين، فالانتفاضتان المصرية والتونسية ما كان لهما ان تريا النور ان كان هنالك قادة احزاب يطلقون التصريحات والفرقعات الاعلامية، وعلى الشباب تحمل مسؤولياتهم وعليهم الاقتناع بأن هذه المعارضة لن تستطيع ان تفعل شيئا، وعليهم تنظيم انفسهم تنظيما دقيقا بعيدا عن الانفعال واستعجال النتائج، يجب عليهم الاقدام على هذه الخطوة بهدوء وروية وبعد نظر وثاقب فكر، وعليهم التنظيم الدقيق والثقة بالنفس وتحمل الاذى والصبر والجلد والتحمل، فليس الهدف الخروج للشارع فوراً كرد فعل لخروج الشارع المصري. فالشارع المصري خبر ادوات نضاله وعجم عودها، ونظم صفوفه في فترة ليست بالقصيرة، فاقتحام الشارع دون تنظيم ودون خطط مدروسة سيؤدي لسهولة الاحتواء والاخماد، وعلى الشباب الاستفادة من درس منبر السودان الذي دعا اليه الصحفي عثمان ميرغني ونزل به للشارع ولم يصمد هذا المنبر امام اول مواجهة مع شرطة الطوارئ، وذلك لعدم التنظيم والاستعجال والاعتماد على الهالة الاعلامية، المرحلة التي يمر بها السودان مرحلة دقيقة، وما حدث في مصر ان حدث في السودان دون تنظيم يمكن ان يودي بالدولة السودانية، وعلى الشباب ادراك ذلك وعليهم التعامل بهدوء وموضوعية مع الواقع الماثل، وهذه الدعوة لتنظيم الشباب لن تأتي حكراً على فئة معينة او عزلا لجهة محددة. فالوطن وطن الجميع ووجوده يسع الجميع وغيابه يمثل خسارة للجميع ورموز المعارضة الحالية كالصادق المهدي والميرغني ونقد والترابي قد يتجاوزهم الزمن ولن يكونوا اداة تغيير مقنع وعلى الشارع فرز قيادته وتجاوز هذه القيادات التي أقعدت به.