تتصاعد الأدخنة وألسنة اللهب وتتوالى الصعود الى أعلى مكونة ضبابية فى أجواء منطقة كردفان التى لطالما ضخت النفط فى شرايين الموازنة لترفدها بملايين الدولارات بيد ان ولاية جنوب كردفان يبدو ان المثل الشعبى (شايل السقا وعطشان ) ينطبق عليها حيث حقول الهجليج المدرة لخام النفط الذى يشفى غليل الموازنات القومية وتجعلها غير متوجسة وفى مأمن من البحث عن بدائل انتاجية اخرى تدر عليهم حزماً من اوراق( بنكنوت) خضراء تسر الناظرين ويسيل لها لعاب خزنة من يديرون الملفات المالية فى البلاد. وبينما يتواصل انتاج النفط وجدت الولاية نفسها انها من المحظوظات دون ولايات اخريات نسبة لحصولها على بعض من نسب ارباح النفط علها تستطيع الانفاق على نفسها وتقتات عليها بدلا من انتظار تحويلات من المركز لايفى البند الاول للموازنة حسب ما اشار اليه بعض المراقبين وفى خضم الاحداث برزت فى الآونة الاخيرة بعض المطالب من شباب محلية الفولة بعودة ولاية غرب كردفان كسابق عهدها قبل اتفاقية السلام الشامل والتى ذوبت فيها ولاية غرب كردفان مع ولاية جنوب كردفان دعما وتأطيرا لاواصر الوحدة بين الشمال والجنوب الا ان اللجنة التى اطلقت على نفسها باللجنة العليا لعودة غرب كردفان ترى ان اسباب التذويب انتفت بعد وقوع الانفصال الامر الذى يحتم على الجهات السياسية العليا الاستجابة لمطالبهم ويرى عضو اللجنة العليا لعودة غرب كردفان اسامة محمد صالح البقارى ان منطقة الفولة اضحت عصية على فراق التهميش و مشاكل نضوب المياه بجانب تفشي الفقر والمعاناة والامراض ونقص الخدمات بالرغم من تخصيص 2% من ارباح البترول المستخرج من المنطقة لصالح الولاية حسب مانصت عليه اتفاقية السلام الشامل وقال «البقارى « ل(الصحافة) ان الاوضاع فى محلية الفولة تدهورت بصورة مريعة تستدعى معالجات عاجلة وذلك بالكشف عن الارقام الحقيقية لعائدات البترول وتوزيعها بشفافية ومنهجية دون التقيد بالاجراءات البيروقراطية التى وصفها بالغامضة والمكلفة واقر ان هنالك حالات من الاجهاض للنساء الحوامل انتشرت بكثرة فى الآونة الاخيرة بسبب العطش الهالك بجانب النقص الحاد فى الكوادر الطبية المتخصصة وانعدام وسائل النقل الآمنة لتقل المواطنين الى مناطق اخرى فضلا عن انتشار البطالة وسط شباب المنطقة وتخوض الولاية فى ابريل القادم الاستحقاق الانتخابى لمنصب الوالى والمجلس التشريعى وبينما يمضى المرشحون على صهوة الاحزاب المنافسة لاكتساب اكبر قدر من الاصوات لحملهم للمقاعد التى اعدت خصيصا للخائضين فى غمار الانتخابات تبرز بعض التساؤلات التى يطرحها سكان المنطقة بضرورة الكشف عن ارقام واموال عائدات البترول وتوزيعها بمنهجية حسب الاولويات التى تتطلبها موجهات الانفاق ورهنت اللجنة العليا لعودة غرب كردفان المشاركة فى الانتخابات فى الاستجابة لمطالبهم التى اوردوها فى عودة الولاية كسابق عهدها واعانة المنطقة فى الخروج من كبوتها الاقتصادية والخدمية ونقص المياه وتفشى الامراض وسارع والى ولاية جنوب كردفان الى ارسال تطمينات للشباب محلية الفولة بالاستجابة لمطالبهم بعد نهاية الفترة الانتقالية فى 9/يوليووفق ترتيبات دستورية الا ان البقارى يدحض من هذه الوعود ويصفها بغير الممكنة والمستحيلة لجهة ان الانتخابات القادمة فى ابريل ستفرز مجلسا تشريعيا منتخبا لايمكن تفكيكه وحله بقرار من والي الولاية وكانت الاحتجاجات والاعتصامات عمت مناطق بابنوسة وتلودى فى مايو 2010 بسبب الفقر والمعاناة ونقص الخدمات. وفى تقرير واحصائيات صادرة من ولاية جنوب كردفان فى مؤتمرالتعليم الولائى فى فبراير 2010 كشف التقرير الذى تم اعداده بواسطة خبراء فى العملية التربوية والتعليمية ان جملة المبالغ التى تم انفاقها للتعليم فى ولاية جنوب كردفان فى العام 2008بلغت 1.913.558مليون مناصفة بين منظمة اليونسيف وانقاذ الطفولة وهيئة غرب كردفان ومنظمة ايفاد والسندات الآجلة واعتمد بنسبة 100% لعمليات تشييد المدارس والصرف على التدريب من المنح والهبات الخارجية بينما التزمت الحكومة بدفع مرتبات المعلمين فقط ويشير التقرير الى انه فى العام 2009 انعدم الصرف على التعليم وخصصت الحكومة مبالغ ضئيلة لدفع المرتبات فقط بينما خلت موازنة الصرف من مبالغ مخصة للانفاق على التنمية وتاهيل المدارس والكوادر التعليمية . ويمضى التقرير الى ان جملة المبالغ التى انفقتها ولاية جنوب كردفان منذ العام العام 2006 وحتى 2009 بلغت 27.05.630مليون جنيه لبند المرتبات فيما كان الصرف على التنمية( صفر) بينما بلغت ميزانية التسيير فى ذات الفترة 3.459.972 مليون تم توفيرها من ايرادات ذاتية علاوة لمبالغ محولة من المركز واوصى التقرير بضرورة توفير البيئة المدرسية الملائمة للتعليم بجانب تأهيل المعلمين وتوفير الكتاب المدرسي ومقاعد الاجلاس والتى كشفت دراسة ميدانية قام بها خبراء للتعليم فى المنطقة ان نسبة النقصان فى مقاعد الاجلاس فى المدارس فى ولاية جنوب كردفان بلغ نحو 43326 بنسبة 65% لمدارس الاساس بينما وصلت نسبة الحاجة لمقاعد الاجلاس للمرحلة الثانوية 27478بنسبة بلغت 92% . فيما اورد التقرير احصائيات لنسبة النقص فى الكتب المدرسية لمرحلة الاساس بنسبة بلغت 70% فى حين بلغ النقص لكتب المرحلة الثانوية نسبة 100% وفي مجال التغذية المدرسية اورد التقرير احصائيات تشير الى ان جهات مثل برنامج الغذاء العالمي تتولى مسؤولية اطعام حوالي 115ألف طفل من حوالي 365مدرسة بالرغم من بعض الدعم الخجول التى توفرها الحكومة واعتبر التقرير ان حوالي نصف العدد المذكور يعاني من عدم توفر وجبة مدرسية ملائمة. ويبدو ان منطقة كردفان لاتأتيها المعاناة بمعزل عن المعاناة فى كافة المجالات الخدمية فالعطش يضرب باطنابه فى كافة ارجاء المنطقة بالرغم من وجود حوض النهود الجوفي والتي تبلغ سعته التخزينية 12مليار متر مكعب بجانب حوض بارا الجوفى وحوض (صقع الجمل ) واكد خبراء تحدثوا «للصحافة» ان ايراداتها المائية تتجاوز الايرادات المائية لنهرالنيل واشاروا الى ان المنطقة ظلت تعانى من عطش حاد ونقص فى واردات المياه بالرغم من ان دراسة سابقة اعدت من قبل خبراء وفنيين خلصت الى مد انبوب بسعة كبيرة من منطقة ام دونكى الى منطقة (ام مراحيك) بتكلفة 7مليون جنيه لتغذية المنطقة بالمياه الا ان حكومة الولاية عجزت عن توفير المبلغ بالرغم من مداخيل الضرائب المفروضة على القطعان تقدر شهريا ب150الف جنيه ويقول المراقبون ان الصرف على الجهاز الحكومى المترهل ادى الى ابتلاع جميع الايرادات بينما تم ايكال مهمة تحصيل فواتير المياه للمحليات بدلامن هيئة مياه المدن التي كانت تقوم بصيانة المرافق وجلب المعدات وقطع الغيار لمحطات المياه بيد ان المجلس التشريعى فى الولاية اصدر قرارا بايلولة تحصيل فواتير المياه للمحليات الامر الذى ادى الى تفاقم الوضع وتوقف عدد من محطات ضخ المياه نسبة لتوقف الصيانة الدورية التي كانت تشرف عليها هيئة مياه المدن. وقال احد مواطني المنطقة ان السكان يلجأون فى بعض الاحيان لشرب المياه المخصصة لتبريد الماكينات والمحطات في محاولة منهم للتغلب على الظمأ . وفى مناطق ارتفعت فيها معدلات الكثافة السكانية يضطر المواطنون الى ايفاد شباب من المنطقة الى مناطق اخرى تبعد عشرات الكيلومترات لجلب المياه بعد مسير ثماني ساعات بوسائل نقل بدائية كالدواب والحصان ويضطرون للمبيت فيها والتحرك فى الصباح الباكر بينما يرابط الاطفال فى الشارع لانتظار ماتجود به من خرجوا للبحث عن الماء لاجل اسكات جوفهم الذى اهترأ من شدة العطش ولاسكات طفل رضيع او شيخ مسن يلهث من العطش فيتم تخصيص الماء المستجلب للشرب والطهى فقط ولكن حينما ترى بعض من الصبية ير كضون بين الحين والآخر قبل ان يعودوا للجلوس مرة اخرى فذلك ليس بغرض اللعب وانما ليتمكنوا من افراز العرق ليساعدهم حلاقة رؤوسهم بسبب نقص الماء خاصة في ظل ندرتها التى تحول دون حصولهم على بعض الماء لاتمام تشذيب رؤوسهم تجنبهم اللجوء الى الركض لبضع دقائق ومن ثم مواصلة تشذيب الشعر وهكذا حتى انهاء الحلاقة لتفادي ماتفرزه عوامل الطبيعة القاسية. ونوهت دراسة تم اعدادها من قبل بعض الخبراء ان منطقة كردفان مهددة بتدفق الامطار الحمضية بسبب مخلفات البترول وهو مايؤدى الى الجفاف والتصحر بالرغم من ان منطقة كردفان تتميز بوجود ثروة حيوانية تعتبر صادراتها من الضأن (الحمرى) من افضل الصادرات الحيوانية التى تنافس فى الاسواق العالمية والمرغوبة فيها لسمعتها العالمية الجيدة ولفت المتخصص فى شؤون منطقة كردفان الدكتور صديق تاور كافي ان هنالك نوعا من الغبن اخذ ينتشر بصورة واسعة وسط سكان المنطقة بسبب التهميش والفقر ونقص الخدمات خاصة مياه الشرب وارجع تاور فى حديث ل(الصحافة) المعاناة لفترة ماقبل عملية السلام وخوض قبائل المنطقة حربا بالوكالة بين الشمال والجنوب بجانب عمليات التسليح الواسعة التى شهدتها المنطقة ابان الحرب الاهلية التى كانت تدور رحاها فى مناطق التماس والتى تعتبر منطقة كردفان من المناطق التى احتلت اولوية فى اهتمامات الجانبين الشمالي والجنوبي لاستمالة مواقفها للقضاء على الآخر دون الاهتمام بتطوير المنطقة فى فترة مابعد اتفاقية السلام ومكافأتها على بذلها لجعل مكانتها وموقعها الجغرافي جسرا للتواصل والانصهار بين الشمال والجنوب وقال تاور انه بالرغم من ان المنطقة تتميز بانتاج النفط الا ان نسبة الانفاق على التنمية لايشكل الأولوية لدى القائمين على امر الولاية لافتا الى ان نخبها يتمرغون في الثراء ورغد العيش خاصة من ظلوا ممسكين بالملفات الخاصة بالتنمية ومنطقة ابيي وبعض الملفات الادارية التي يحتكرها البعض ووصفهم بانهم يعيشون فى ترف وهم يتنقلون مابين المركز والولاية تارة لتلبية بعض المسائل المتعلقة بالمنطقة وتارة لتلبية دعوات اجتماعية غير آبهين بتعطيل مصالح مواطنيهم ودون ان تطرف لهم جفن لنقص دواء اوكساء او قطعة خبز لطفل جائع في مدرسة نائية لاتجد مليمترا من مياه صالحة للشرب بجانب النقص في المعينات اللازمة للعملية التعليمية من مقاعد الاجلاس والكتب المدرسية فضلا عن عدم تأهيل الكوادر المرتبطة بالتعليم ونقص الكوادر الطبية الاختصاصية والرعاية البيطرية والكهرباء التى اصبحت حلما يراود سكان المنطقة، مبينا ان البطالة انتشرت وسط قطاعات كبيرة من ابناء المنطقة بجانب الافلات الامني الذى يحدث بين الحين والآخر وهو ما يمهد لنشوء الحركات الاحتجاجية التي سرعان ماتتحول الى حركات مسلحة وحينها لايجدي البكاء على اللبن المسكوب على حد تعبيره.