حينما قال المتحدث باسم خارجية السودان خالد موسى معلقاً على زيارة المبعوث الامريكي غريشن لولاية البحر الاحمر ان الولاياتالمتحدةالامريكية ليست طرفاً في اتفاقية سلام الشرق لم يكن يدلي بمعلومة جديدة فالجميع يعلم ان الاتفاقية تم توقيعها في اسمرا بوساطة من دولة اريتريا والجبهة الشعبية الحاكمة هناك ، بيد ان تصريحات الخارجية القلقة افرزت سؤالاً صعباً حول مدى تقدير الحكومة السودانية للدور الاريتري في شرق السودان وما اذا كان للوساطة دور مع اطراف الاتفاقية في متابعة ومراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية ، صحيح ان جوانب كبيرة من البنود تم تنفيذها ولكن في واقع الامر ما تزال هنالك بنود لم تنفذ بعد وهي بنود مهمة على صعيد رفع التهميش عن شرق السودان فيما يلي جوانب التوظيف بنسب معقولة في الخدمة المدنية بالاضافة الى دمج المسرحين الذين ما يزالون يجوبون مدن كسلاوالخرطوم بحثاً عن ثمرات الاتفاقية دون جدوى . لقد انتبهت الحكومة لاهمية الشرق في اوساط الدوائر الامريكية ولذلك سارعت الخارجية الى نفي علاقة المبعوث الامريكي باي خلافات طرأت في ملف الشرق بين الاطراف المختلفة و الخرطوم ثم اتضح لا حقاً ان غريشن الذي تدعي حكومة ولاية البحر الاحمر البطولة بعد المشاركة في استقباله لم يأت الى الاقليم بحثاً عن البروتوكولات وإنما جاء والتقى بعدد من القوى السياسية ثم لا حقاً وعد بالمساعدة في ابراز ملف ضحايا مجزرة بورتسودان يناير 2005 التي اودت بحياة 22 من المواطنين ، ان غريشن بتصريحاته المذكورة قرر التدخل في ملف الشرق رغم انف وزارة الخارجية وعلينا هنا ان نوجه الانتقادات للخارجية المضطربة، ففي الوقت الذي تبشر فيه خارجية الخرطوم بقرب التطبيع مع الامريكان وطي عهود القطيعة بينهما تعود خلال اسبوع لتخرج علينا بتصريحات تستنكر فيها تصريحات القنصل الامريكي بجوبا عن عدم رغبة واشنطن تطبيع علاقاتها مع الخرطوم ما لم تنفذ الاخيرة كافة المطلوبات . ومن الواضح ان مطلوبات واشنطن لا تنتهي فبعد ان طالبت من قبل بعدم تأجيل موعد الاستفتاء على مصير الجنوب واستجابت الخرطوم لذلك التوجيه بما افضى الى كلفتة الاستفتاء واعلان النتيجة السحرية بتصويت نسبة 57و99% من سكان الجنوب للإنفصال هاهي اليوم تعود لتحشر انفها في ملف الشرق ومن المتوقع ان يكون لها دور مؤثر في الاقليم في القريب العاجل اذا استمرت الخرطوم في سياسة التخبط تجاه مشاكل الاقاليم المتأزمة ومن بينها الاقليم الشرقي الذي جاءت زيارة الرئيس البشير الى اسمرا تقديراً لدور الاخيرة في صناعة الامن والاستقرار فيه . ان جبهة شرق السودان التي تفككت الى اربعة احزاب تم تسجيلها بواسطة مسجل الاحزاب كانت في ما مضى الطرف الاصيل الموقع على اتفاقية اسمرا للسلام وبموجبها تم تعيين عدد من قيادات الجبهة في مواقع رفيعة بالحكومة وليس الدولة اي بمعنى انه اذا تغيرت تشكيلة الحكومة فإن الموقعين على الاتفاقية سيذهبون قطعاً الى الشارع مباشرة فقد كانت الاتفاقية عبارة عن محاصصة قبلية والمواقع التي حققتها لا تقدم ولا تؤخر ويكفي دليلاً على هشاشة تلك الاتفاقية ان مدير صندوق الاعمار الذي اقرته الاتفاقية جاء بتعيين من الحكومة ولم يكن للجبهة يد في اختياره وكان ذلك اول الخروقات التي تم تمريرها ولسوء الحظ فإن الصندوق الذي تقدر ميزانيته ب600 مليون دولار ما يزال مهيمناً حتى على مخرجات مؤتمر المانحين المنعقد بالكويت مؤخراً في سياسة اشبه بالإصرار على التهميش والتجاوزات . عموماً يرى المراقبون ان زيارة البشير لاسمرا ربما تخفي وراءها عزماً جديداً واكيداً من اعلى الهرم الحكومي لانهاء حالة التوتر التي تلف الاقليم والممسكين بملف الشرق من كافة الاطراف فقد طفحت خلال الفترة الماضية عدد من الموضوعات كان ابرزها تبني الدعوة لتقرير مصير الاقليم من قبل دوائر مؤثرة في شرق السودان خصوصاً صحيفة ( صوت برؤوت ) الناطقة بلسان المؤتمر الوطني بولاية البحر الاحمر ومن وراءها بالاضافة الى زيارة غريشن التي حركت المياه الراكدة وما تخفي وراءها من امور جسيمة تتجاوز ارنبة الانوف الى ابعد من المسافة بين اسمرا وبورتسودان .