٭ الحديث عن الراحل المقيم الطيب صالح يطول ويستحق ذلك لأن الطيب صالح مبدع تخطى المحلية وتوغل في العالمية منذ زمن طويل.. لفت الانظار إليه بمفردته التي تتدفق حيوية حتى تكاد ان تنطق وهي مكتوبة على الورق مما يجعل القارئ يلتهم بعينيه كتابات الطيب فيهضمها بسهولة ويسر بعد أن يسترجع معه ذكريات قديمة صارت الوجود الآني للطيب صالح، فمفرداته السودانية التي خرجت من بيئته في القرية شكلت عموداً أساسياً في الكتابة الابداعية للرجل وجعلت منها صدقاً في السرد والحكي والتأثير عليه رغم بعده عنها... ٭ حمل الطيب قريته وذكرياته خارج الوطن فهم الأدب السوداني الذي صعد به إلى العالمية فاهدى المجتمع الثقافي والأدبي (موسم الهجرة إلى الشمال) التي اطلع عليها العديد من كتّاب القصة والرواية ولم يجدوا إلا أن يضعوا عليها علامة الايجاب السردي لرجل امتلك أدوات صناعته تماماً. ٭ عشق الطيب صالح الشعر وتلذذ بموسيقاه فاتجه بكل قلبه للمتنبي وقرأ له ونهل من معينه بجانب ذلك قرأ الشعر المعاصر لكنه وجد نفسه مع الشعر العربي بلغته العربية التي أسماها بالشريفة إذ غاص في الدواوين القديمة والدراسات العربية ومجالس الرواة في المغرب العربي مما جعل منه محللاً وكاتباً وعارفاً ببواطن اللغة ومساراتها.. أهَّلته للنقاش والحديث في كل ما اطلع عليه بثقة ومعرفة واطمئنان... ٭ أُعجب الطيب صالح بالشعر الدارجي ووقف عنده وأصبح مصدراً من مصادر ثقافته إذ تحدث الطيب عن فن الدوبيت في السودان والشعر النبطي في الخليج وكلاهما يتحدث عن البيئة الموجودة البسيطة بأسلوب (وصفي) محبب يجعل المستمع (مشدود الانتباه)... ٭ اجادته للانجليزية مهدت له الاتصال بثقافات أجنبية أخرى في أماكن كثيرة ويسرت له حبل التواصل الثقافي والأدبي ومنحت قلمه الفرصة للكتابة عن اعلام الثقافة الاوربية كما اتجه افريقياً للكتابة عن اعلامها ومشكلاتها فجاءت كتاباته صادقة و(مصورة) للواقع تماماً... ٭ رحل الطيب ونحن نبدأ في تكريمه بعد أن غادر جمعنا كل ذخيرتنا اللغوية وعبارات الاشادة والجمال لنثبتها على (قبره) وردة وهو الذي كان يستحق التكريم في كل لحظة وثانية ولكن يكفيه فخراً أن كلماته وكتاباته وحدها قد كرمته ومنحته جواز المرور للعالمية ولقلوب الناس البسطاء وقلوب الأدباء وزملاء دربه من سودانيين وغيرهم... ٭ في تكريمه شارة مهمة في الطريق تفسح المجال لتكريم الشعراء والأدباء الذين يجب أن يشاهدوا (عزتهم ومكانتهم) في قلوب الناس بأعينهم لا بعد حملهم على الآلة الحدباء.. فالتكريم تقدير واعزاز واعتزاز بالمبدع الذي يجب أن ينال هذا الحق البسيط والصغير داخل وطنه أولاً... ٭ رحم الله الطيب صالح بقدر ما ترك من (ورثة) كبيرة لأجيال قادمة تجد فيها كل الكمال الابداعي والجمال الكتابي لرجل اهتم بالتواصل الثقافي ونجح تماماً... ٭ همسة:- من خلف النافذة... أطل الوجه الحبيب... فمنح داري الدفء والدهشة...