أعلنت محلية الخرطوم فرض رسوم جديدة على العاملين في القطاع غير المنظم، وهي فئة واسعة من الشرائح الاجتماعية التي تصنف ضمن المجموعات الاكثر فقرا في البلاد، وتضم تلك الشريحة «الكرشنجية» «الكومسنجية» وباعة «الكوارع» والخضر والبصل وباعة الفاكهة، الذين يفترشون الارض في الاسواق بوسط المدينة واسواقها الطرفية، وباعة شرائح الاتصالات، ولم يستثن الا صبية الأكياس الذين يصعب تعقبهم. القرارات الجديدة فرضت على «الكومسنجية» دفع رسوم خدمات بقيمة «100» جنيه، فيما فرضت على باعة الخضر دفع «10» جنيهات يوميا، وعمال تنجيد المراتب الذين بلغ الرسم الاداري عليهم «100» جنيه، وعلى الغسالين دفع رسوم إدارية «100» جنيه، فيما فرضت «75» جنيهاً على كل صاحب كارو، وعلى باعة الملابس في الشوارع دفع «200» جنيه في العام. وعلى باعة الاواني المنزلية في الشارع دفع «100» جنيه، وباعة الموبايلات «250» جنيهاً، وباعة الشرائح وتحويل الرصيد «100» جنيه. وقد قوبلت القرارات بالكثير من الاستنكار وسط تلك المجموعات. «الصحافة» انتقلت الى السوق المركزي جنوبي الخرطوم الذي يصنف باعتباره احد اكبر الاسواق، للوقوف على الرسوم ودلالاتها. وبالرغم من التعامل غير المحترم لأحد منسوبي ادارة السوق الذي هدد بتكسير الكاميرا، إلا أننا لم نابه لأمثال هؤلاء الذين نحسب أنهم قلة لا تخلو منها المجتمعات، فواصلنا عملنا في الاستطلاعات وسط ترحيب من القائمين على امر السوق، وخرجنا بالحصيلة التالية: يقول صبي في الرابعة عشرة من عمر، انه اضطر لترك المدرسة قبل عامين بعد وفاة والده، وذلك بهدف مساعدة والدته في تربية أشقائه الصغار، وفي وقت كان فيه الصغير يتوقع أن تساعده السلطات في العودة للمدرسة، فوجئ بالمحلية وهي تفرض عليه رسوماً باهظة، علما بأنه يعمل في تحويل الرصيد، لتشترط عليه المحلية دفع رسوم باهظة. فيما أشار أحمد المصطفى، وهو جزار بالسوق، الى أن الرسوم كانت «16» جنيهاً، وصارت «25» جنيهاً بنسبة زيادة بلغت «56%». ويرى أحمد أن الزيادات تأتي في وقت تشهد فيه حركة السوق تراجعاً ملموساً، كما أنهم لا يحسون بأي مقابل نظير الرسوم التي تأتي، في وقت تتحدث فيه الولاية عن تخفيف أعباء المعيشة. ويذهب أحمد المصطفى الى ان عدم دفع تلك الرسوم له آثاره على العاملين في السوق، وابسط عقاب قد يتعرض له المرء هو أخذ الميزان بواسطة عمال المحلية الذين يأتون برفقة عناصر من الشرطة، والغريب ان هؤلاء العمال غير قابلين للتفاوض، وكثيراً ما دخلوا في احتكاكات وملاسنات مع العاملين بالسوق. ومن جانبه ذهب محمد عثمان بائع خضر بالسوق، الى انهم يفترشون الارض لبيع الخضر، وهو توجه يصنف بغير المقبول، غير ان ادارة السوق تسمح لهم بذلك مقابل دفع جنيهين في اليوم. وبالرغم ذلك فهم يتعرضون للكشة من قبال عمال البلدية الذين يصادرون كل كميات الخضر دون مراعاة للخسائر التي يتعرض لها «الفراشة». والغريب في الأمر، برأي محمد عثمان، أن يحضر إليك للتحصيل شخص غريب، و«الخضرجية» مجبرون على الدفع، فالعمل يعني لهم التمكن من الايفاء بمتطلبات أسرهم. وناشد محمد عثمان سلطات المحلية تحديد اماكن خاصة لعرض بضاعتهم بدلا من افتراش الارض، وان يتعامل معهم منسوبو المحلية بطريقة إنسانية، فهم يعيشون في حالة من التوجس والخوف من مصادرة بضاعتهم. وطالب محمد عثمان والي الخرطوم بكبح تفلتات محلية الخرطوم، خاصة أن كل منسوبي الأعمال غير المنظمة مستعدون للتعامل لأبعد الحدود. فيما ذكر علاء أبكر، وهو تاجر إجمالي، أنه لا توجد آليات لسحب النفايات بالسوق، ويعتمد العاملون بالسوق على جهودهم الذاتية في جمع الاوساخ ووضعها في البراميل. والزائر للسوق المركزي يشاهد بأم عينه حالة «الوسخ التي صار اليها السوق المركزي». واللافت أن عربات الكشة عند دخولها تحدث حالة من الهرج والمرج لكثافة عدد العاملين الذين يأتون على متنها، وما يقوم به هؤلاء يعتبر عملاً غير حضاري، في وقت يتردد فيه عدد من الأجانب على السوق. وقال النور محمد بائع فاكهة إنهم يعملون بهدف توفير خدمة للمواطن، غير أن هنالك عوائق تسد الطريق أمامهم، تتمثل في عدم تنظيم السوق، اذ يفتقر السوق للتنظيم مما يدفعنا الى مناشدة المسؤولين القيام بجولة سرية على السوق، لأن الحديث دون المشاهدة يكون ناقصاً، لذلك نناشد المسؤولين زيارة السوق والوقوف على بيئته المتردية، في وقت باتت فيه المحلية مهمومة بالجبايات دون مراعاة لحالة العاملين الذين يعتمدون على السوق في توفير الحد الأدنى من مصروفهم، لتأتي المحلية وتضاعف الرسوم، علماً بأنها لا تقدم أي شيء ينفع الناس. ومن جانبه يذهب عثمان حامد، تاجر بصل بالسوق، إلى أن توجهات محلية الخرطوم من خلال حرصها على زيادة الأعباء على شريحة باعة الخضر والفاكهة، تأتي مناهضة لتوجهات ولاية الخرطوم والبرنامج الانتخابي للوالي الدكتور عبد الرحمن الخضر، خاصة أن الولاية تعمل جهدها لتخفيف العبء المعيشي على المواطن، وهو جهد مقدر ووجد الإشادة من العامة، بينما تتبنى المحلية المزيد من الضغط على المواطن، وهو أمر غير مستغرب، لأن معتمد الخرطوم ليس من عامة الناس، بل هو «برجوازي» لا علاقة له بالبؤساء الذين هم غالبية أهل السودان، وليت والي الخرطوم جاء لنا بمعتمد يشعر بالفقر والجوع.