شكلت مشكلة دارفور تحديا كبيرا لكافة الأطراف، حيث تطلب حلها جهداً كبيراً، وتحقيقاً لذلك سعى المجتمع الدولي مراراً لوضع حد لمعاناة المواطنين، الى جانب الجهود المبذولة من الاطراف السودانية وتُعد الرعاية القطرية للمفاوضات من أهم مراحل حل النزاع التى أتت فى ظروف اقليمية ودولية مواتية. وأحاطت عملية توقيع الاتفاق الإطارى مجموعة من العوامل التى ساعدت على التعجيل بتوقيعها، وأهمها تأكيد التقارير الأممية على نجاح الشريكين بتنفيذ اتفاق نيفاشا وما أفضى اليه من جدية فى إقامة الانتخابات فى مواعيدها، ودعم المجتمع الدولى لها، وسعي كافة ألوان الطيف السياسى للاشتراك فيها، إلى جانب تحسن الأوضاع الإنسانية للنازحين واللاجئين، وضعف اهتمام القوى الدولية بها واستغلالها لتهديد وإضعاف الوطن وتفكيكه وتعظيم أزماته، الى جانب صدق وجدية الوسيط القطري ورغبة الأطراف فى التوصل لحل ينهى معاناة اهلنا فى دارفور.. كل ذلك يُعد من أهم محفزات الاسراع بتوقيع الاتفاق الإطارى، عليه يتطلع المواطن السودانى الى سلام شامل عادل لا يستثنى احداً، لذلك سعى الوسطاء الى إحداث اختراق كبير بين الأطراف لتحقيق ذلك. إن التوصل الى اتفاق إطارى يعجل بحل مشكلة دارفور لا يمكن قبوله إلا ان يكون شاملاً عادلاً، وهذا ما اكد عليه الاطراف، وذلك لتعقد وتشابك وتداخل متغيرات الأزمة ومقدرتها على الاستمرار والاستنساخ .. الا أن الاتفاق الاطارى الموقع فى 23 فبراير 2010م بالدوحة، من خلال نصوصه، لا يمكن أن يكون شاملاً بالشكل الكافى، لا معنى حيث لم يتضمن نصوصاً تمنح الحركات الأخرى الحق بالانخراط فى مفاوضات أخرى موازية، او اتاحته الفرصة لها مباشرة للتفاوض، ولا ضمناً حيث لم تحرص مفاوضات الطرفين على مراعاة مصالح الحركات الأخرى. وترك هذا الأمر تحت رحمتهم وتقديرهم، كما ان الاتفاق به عدم توازن بين ديباجته الواسعة العامة الطموحة وبنوده الضيقة المركزة على مصالح الحركة بشكل واضح دون الاهتمام الكافى بحقوق الآخرين. ويمكن وصف ديباجة الاتفاق بأنها عامة، ومعبرة عن قضايا وأزمات السودان وما يهم المواطن، وملبيةً لاحتياجاته الآنية السياسية والأمنية. وأكدت حرصها على تحقيق السلام، وغطت جذور الأزمة السودانية، واستندت على المواثيق الدولية والأممية، وأبرزت حرصها على تحقيق تنمية متوازنة للأمة السودانية محترمة فيها التنوع الإثني والعرقي للاقاليم، مشيرة الى الحريات العامة، ومعتمدة في ذلك على الدستور الانتقالي واتفاق السلام الشامل 2005م، واتفاق النوايا وبناء الثقة والتسوية، إلا ان الاتفاق فى بنوده المكونة من «12» مادة كرستها الحركة بشكل كبير لتحقق مصالحها، وهذا خطأ استراتيجى وقع فيه الوسطاء، حيث لم يتمكنوا من تضمين بنود تؤمن مشاركة الآخرين وتعالج حالة عدم التوازن بين الديباجة والبنود، كما ان الاتفاق لا يتناول في بنوده أية إشارات الى أهمية التحول السياسي المرتقب وما يتطلبه من إلغاء للقوانين المقيدة للحريات وتهيئة الأوضاع الى انتخابات نزيهة وآمنة، كما لم يشر الاتفاق الى اطلاق سراح كافة المعتقلين سياسياً، وانما حصر ذلك في منسوبي الحركة فقط .. كل ذلك يُعد نقائص تشوب الاتفاق وتجعل القادة السياسيين للحركات والأحزاب الاخرى يشككون فى مطالب الحركة ودوافعها الوطنية، كما يتناقض مع بعض الاتفاقيات السابقة التى اشارت اليها الديباجة، وذلك بدعوته فى مادته التاسعة «9» الى إعادة النظر فى التنظيم الإدارى الذى أرسته اتفاقية أبوجا التى لم يُشر اليها أصلاً فى الديباجة، إلى جانب إعادة تقسيم الثروة فى المادة العاشرة «10» التى تم تقسيمها مسبقاً بين الشمال والجنوب وفق اتفاق نيفاشا، الى جانب إلزام الحكومة فقط بضمان حق العودة المادة الثامنة «8»، دون اية اشارة لدور الحركة، على الرغم من انها تعلم الكثير ولديها معلومات عن النازحين واللاجئين، كما أن الاتفاق لم يوظف الوجود الاجنبى «الهجين» لاغراضه، الذى أوجدته الاتفاقيات والقرارات الدولية والأممية لاغراض سامية. هذه فكرة الاتفاق ومنطلقاته التى شكلته وتؤسس عليه المفاوضات الجارية اليوم، يُظهر خللاً بنيوياً حيث لا يمكن أن يؤدى الى اتفاق شامل او دائم ما لم يدرك الوسطاء والاطراف دوافع وتداعيات ذلك الخلل، وأن يتراجع الأطراف عن تعصبهم ،وتمسكهم به فى عملية التفاوض، واعتباره موجهاً عاماً واستخدامه بشكل يعزز السلام والثقة لا العكس، وترجع أسباب ذلك الخلل الى إغفاله عمداً قضايا مهمة، منها عدم اعتماده لاتفاقية ابوجا كإحدى المرجعيات على الرغم من إنها تشكل الواقع الادارى فى الاقليم ومشاركة فيه، كما إنها لم تفتح الباب أمام أية جهود أخرى لاحقة مكملة لهذا الاتفاق، ولم يدرك الاطراف حجم المصالح الدولية الذى يوازيه تعدد الحركات.. وبهذا يمكن وصفه بالجمود، حيث لا يعالج تلك التحديات بالشكل الكافى. إن الامكانيات والقدرات التى تمتلكها حركة العدل والمساواة على الارض، وعملية الذراع الطويلة التى نفذتها على امدرمان.. جعلتها تدخل المفاوضات بروح الحركة الشعبية فى نيفاشا، وتتجاهل مطالب الحركات الاخرى كما تجاهلت الشعبية مطالب ونداءات التجمع الديمقراطى عام 2005م ومحاولتها الاستئثار بكيكة السلطة والثروة، كما ذكر الاتفاق فى معظم موادة، على الرغم من الاختلافات البينة بين الحالتين.. والتفاف ومشاركة معظم الحركات فى دارفور حول مائدة التفاوض فى الدوحة، ورغبتها فى إحداث سلام شامل تحترم فيه الاوزان السياسية والعسكرية، ويحقق الامن لأهلنا فى الاقليم، فعلى قيادات الحركة تقدير الأمر والاستفادة من قدراتها المعنوية والمادية لبناء تكتل تفاوضى عريض يحقق مصالح الكل، ويحمى الاتفاق المتوقع فى الأيام القادمة من أي تهديد، بحيث يكون لها الفضل فى إرساء السلام الشامل والعادل فى دارفور كما اشارت اليه ديباجة الاتفاق، وكما ارسته الحركة الشعبية فى الجنوب يسجل لها فى ذاكرة الوطن. ٭ أستاذ بالمركز القومي للدراسات الدبلوماسية- وزارة الخارجية.