شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان.. الاعتبارات الحاكمة للتغيير
نشر في الصحافة يوم 02 - 03 - 2011


الفوضى الخلاَّقة:
نود أن نشير إلى أنه في نهاية مارس من عام 5002م اطلقت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس شعارا ما سمَّته بالفوضى الخلاَّقة إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه كثير من الانظمة الحاكمة في الدول العربية.
مفهوم الفوضى الخلاَّقة:
إن مفهوم الفوضى الخلاَّقة وفق رؤية كونداليزا يعني التخلي تماماً عن مفاهيم الامن والاستقرار، حتى لو ادى هذا التخلي الى اسقاط العديد من الانظمة العربية، الحليفة والموالية والصديقة والمطيعة، والخاشية، والمضغوطة سياسياً واقتصادياً وجنائياً من قبل الولايات المتحدة الاميركية.
دعاوى الإصلاح والديمقراطية:
تحت دعاوى الاصلاح ونشر الديمقراطية في تلك البلدان التي تموج اجواؤها السياسية والاقتصادية بالصراعات القبلية والطائفية وبالنزاعات السياسية على المنطقة، فإن كونداليزا ترى من الضرورة بمكان ان تترك هذه التفاعلات السياسية والاقتصادية بدون تدخل مباشر من قبل الغير، لكي تحدث آثارها على النظام وعلى الدولة وعلى الشعب، حتى وان وصلت آثار هذه التفاعلات الى حد سيادة الفوضى العارمة في تلك البلدان. ووفق رؤية كونداليزا، فإن من المؤكد وليس من المحتمل أن تفضي هذه الفوضى في النهاية الى انتاج اوضاع سياسية واقتصادية في هذه البلدان، افضل بكثير مما كانت عليه الأوضاع في هذه البلدان قبل حدوث هذه الفوضى، وتأكيداً لهذه الرؤية بعد ذهاب بن علي من حكم تونس وذهاب حسني مبارك من حكم مصر، نتوقع بعد التغلب على الصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواكب مثل هذه الثورات والتغيرات المفاجئة، نتوقع ان تقيد كل من تونس ومصر مطالبتهما الحقيقية من الأسرة الإقليمية والدولية، وتجد هذه الشعوب وخاصة الشباب الذي أشعل نيران هذه الثورات أن تجد نفسها في البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان، عبر المشاركة الحقيقية في التغيير إلى الافضل.
تفعيل سيناريوهات التركيع والإطاحة:
والسؤال الذي يطرح نفسه في عجالة هذه الاحداث وتسارعها المفاجئ في هذه البلدان أو أتساءل من المسؤول عن تفعيل اميركا لسيناريوهات التركيع والاطاحة؟
داخلياً:
بالتأكيد الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان وأسلوب ادارتها الخرب وغير المتوازن للدولة.
خارجياً:
بالتأكيد الولايات المتحدة بحكم مسؤولياتها الدولية والدول الغريبة الدائرة في فلكها الداعمة للديمقراطية والحكم الراشد.
طبيعة النظم الحاكمة وسوء إدارتها للحكم متمثلة في النقاط التالية:
1- نظم استبدادية سواء أكانت ملكية أو عسكرية متسترة بجلباب الديمقراطية.
2- نظم تحسن كتابة الدستور ولا تحترمه ولا تحترم القانون وتطبقهما بمزاجية مفرطة في الوضوح.
3- لا تحترم مبدأ فصل السلطات.
4- نظم.. لا تحترم حرية الشعوب وحقوق الإنسان والرأي الاخر ولا تدرك أنه ليس بالانجازات وحدها تحيا الشعوب، والا كان الاتحاد السوفيتي وشاوسيسكو رومانيا وغيرها من النظم باقية في الساحة الدولية.
5- نظم تتغذى بالفساد والرشوة والمحسوبية.
6- نظم تمارس الظلم الاجتماعي والقهر عبر آلياتها الأمنية والبطش بالخصوم.
7- نظم لا تحترم إرادة الشعوب في الانتخابات وتقوم بتزويرها.
8- نظم لا تسمح بالتداول السلمي للسلطة «وتكنكش» في الحكم.
9- نظم تحيط حكامها بشلة من المنافقين والمنتفعين الذين يخفون عنهم حقائق احوال الشعوب المعيشية.
01- نظم تفرط في سيادة الدولة، واستقطاع اراضيها وتعترف بذلك من دون خشية.
11- نظم تقف مشلولة امام اتساع دائرة الفقر والبطالة بسبب سياساتها الاقتصادية العرجاء.
21- نظم تخص اعوانها غير الاكفاء وتمكنهم من ريع السلطة والثروة وادارة الدولة بعصبية وحزبية واقصاء الآخر.
31- نظم لا تعترف بالمعارضة وتعمل على اضعافها وتسخر منها، ولا تعي أن قوة النظام السياسي في اي بلد من قوة المعارضة وليس العكس.
مبررات بقاء واستمرار بعض الأنظمة في الحكم:
بالتأكيد أن الانظمة المشار الى طبيعتها آنفاً قد فقدت مبررات وجودها في الحكم سياسياً وأخلاقياً وشرعياً فقط باقية بالقهر، لا لاي سبب غير لحكمة يعلمها الله الذي يؤتي الحكم لمن يشاء وينزع الحكم ممن يشاء، وان هذا الاصرار على البقاء في الحكم واستمراره هيأ المناخ المناسب امام الولايات المتحدة والدول الغربية الدائرة في فلكها الى التدخل غير المباشر وعبر سيناريوهات التركيع والاطاحة من خلال الاستفادة من اعوانهم الشباب في الداخل، في تحريك الشارع الذي سبق أن حركوه عبر وقفات احتجاجية اجهضت بعنف السلطة نتيجة لعدم إعداد الشباب الاعداد الجيد لمواجهة السلطة في الشارع، ولكن اميركا حولت قوة هذا الشباب ورغبتهم الاكيدة في التغير الى قوة منتجة، مستغلة درجة الاستفزاز التي تعرض لها هؤلاء الشباب عندما وصفوهم ب «شوية عيال جرابيع مأجورين خرجوا لكي يتظاهروا في الشوراع امام نقابة الصحافيين ونقابة المحامين في وسط البلد تحت واجهات كفاية وشباب «6» أبريل وغيرهما من منظمات المجتمع المدني. وفي ما يبدو أن الولايات المتحدة استحدثت قرارا في استمرار حكم الرئيس مبارك وخشيت من المضي في مشروع توريث جمال مبارك الحكم، وما سيتبع هذه العملية من مآلات الفوضى الاكيدة من قبل المعارضة باختلاف توجهاتها السياسية المختلفة، خاصة الاخوان المسلمين، بالاضافة الى صعوبة اقناع قيادات القوات المسلحة بهذه النقلة النوعية في تاريخ الحكم في مصر، ولهذا بعد تقييم وتقدير الموقف برمته في مصر بكل جوانبه، رأت الولايات المتحدة من الضروري بمكان حفاظاً على مصالحها في مصر والمنطقة العربية، وتقديرا لموقف مصر الرائد في رعاية المصالح الاميركية في المنطقة، رأت ضرورة قطع الطريق على الرئيس مبارك بالرغم مما قدمه للولايات المتحدة من خدمات جليلة يشار اليها. ورأت أن تضحي به كما ضحت بالعديد من القادة في بلدان شتى الذين أسدوا لها في السابق خدمات عظيمة. فقط لكي تحول بينه ومشروع توريث الحكم لابنه جمال، تفادياً للفوضى التي ربما قد تحدث من جراء حالة التوريث. ولهذا نجد أن الولايات المتحدة الاميركية بعد تقدير الموقف بدقة شرعت في استدراج عدد لا يستهان به من الناشطين السياسيين من الشباب من ذوي الادراك السياسي الملحوظ والكفاءات العلمية في التقنيات الحديثة للاتصالات، ومن الطبقات الاجتماعية ميسورة الحال، واستدراجهم عبر سفارتها بالقاهرة، وسهلت اجراءات سفرهم سراً الى الولايات المتحدة، من أجل حضور دورات تأهيلية في نيويورك، واغلبهم من شباب حركة 6 أبريل وحركة كفاية. ولا ندري طبيعة هذا النوع من التأهيل، ولكن في ما يبدو فإن هذا التأهيل كان في كيفية اشعال الثورة في مصر وإحداث التحول الديمقراطي عبر هؤلاء الشباب، وقد اشارت صحيفة «الديلي تلغراف» بوضوح في احدى اصداراتها قبل اندلاع الثورة في مصر باسبوع تقريباً، إلى أن السفارة الاميركية بالقاهرة قد سهلت اجراءات سفر عدد من الناشطين السياسيين من الشباب المعارضين للنظام من اجل حضور قمة عقدت بنيويورك، دون محاولة الكشف عن هوية هؤلاء الشباب، كما أكدت الصحيفة بأن دبلوماسيين اميركان في عام 8002م ذكروا أن هناك تحالفاً لقوى المعارضة المصرية من الشباب أعد خطة سرية غير مكتوبة تهدف الى اسقاط نظام الرئيس مبارك وإقامة نظام ديمقراطي، كما اشارت الصحيفة الى أنه من عام 8002م ارسلت السفيرة الاميركية مارغريت سكوبي بالقاهرة برقية سرية الى وزارة الخارجية الاميركية تفيد بأن هنالك جماعات ناشطة من الشباب المعارض لنظام حسني مبارك، اعد خطة سرية لتغيير النظام المصري قبل الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في سبتمبر من هذا العام.
عظمة ثورات الشباب في كل من تونس ومصر:
إن هذه الاشارة من جانبنا للدور الاميركي الخفي، لا يقلل على الاطلاق من دور الشباب المصري في اشعال الثورة ودور الشباب التونسي ايضا، وكلاهما مرحب بهما، بدرجة من السعادة غير المحدودة، ونعتقد أن هنالك العديد من أوجه شبه الدوافع والنتائج بين الثورتين، ولكن نحن نود أن نشير الى بعض الخصائص المهمة للثورة المصرية، وفي مقدمتها الآتي:
1- ثورة قوامها الشباب المؤهل علمياً، والميسور طبقياً والى وقت ليس بالبعيد كانوا يصفون ب «العيال الجرابيع».
2- اول ثورة في العصر الحديث بدون قيادة، وكل فرد فيها يمثل قيادة، ونكراناً للذات.
3- ثورة بناءة المقاومة، اي بدون عنف، وبدون تخريب للممتلكات، وبدون ترويع للمواطنين.
4- ثورة واضحة الأهداف متدرجة المطالب وفق مقتضيات تطور الاحداث.
5- ثورة اشتركت فيها الشابات إلى جانب الشباب في تناغم ملحوظ وبدون تصرفات خادشة للحياء.
6- ثورة بعيدة كل البعد عن مؤثرات التيارات السياسية التقليدية.
7- ثورة يشتم منها رائحة إصرار الشباب على التغيير مهما كانت التحديات على الأرض، وكأنها مسنودة الظهر بحواجز صلبة.
8- ثورة نعتقد غير جازمين بأن لشباب الإخوان المسلمين دور معد بعناية ملحوظة فيها.
التساؤلات التي أفرزتها مجريات الاحداث في مصر:
هذه الثورة تتخلل مجريات احداثها تساؤلات ذات دلالات تبحث في نفس الوقت عن اجابة لها هي:
1- من الذي قام بسحب الشرطة وترك البلاد بدون حماية أمنية.
2- من الذي أنزل القوات المسلحة، ولماذا لم تتسلم القوات المسلحة السلطة وانما سلمت اليها؟
3- من الذي تهاون في حراسة السجون، واغرى المساجين واللصوص والبلطجية بكسرها واستباحة الاموال العامة والخاصة وترويع المواطنين في ديارهم.
4- من الذي اتى بالجمال والخيول الى ميدان التحرير من أجل ترويع الثوار.
5- من الذي قام بتمويل المقاومة الشبابية طيلة هذه الفترة، ومدها بالغذاء والكساء والدواء والعلاج وبدورات المياه المتحركة، ونحسب انه عمل منظم لتنظيم له خبرة.
6- من كان وراء أو خلف الرئيس مبارك من رجاله ومن اصدقاء الخارج في التردد والبطء لمعالجة الازمة عبر خطاباته المفضية الى الفهم بالاصرار من جانب مبارك على التمسك بالسلطة والحكم، الأمر الذي ادى الى انقسام المجتمع الى متعاطفين ومعارضين وآخرين ممسكين العصا من تحت اردافها، خاصة عن الاعلاميين، الأمر الذي حدا في النهاية بالثوار الى رفع سقف المطالب الى درجة المطالبة برحيل مبارك واسقاط النظام؟
السودان والاعتبارات الحاكمة للتغيير
٭ بداية ندعو الذين يدَّعون وهم واهمون أن السودان بعيد عن الذي حدث في تونس ومصر والحادث اليوم في كل من ليبيا والجزائر واليمن والبحرين، والمغرب ندعوهم الى عدم اجهاد اللسان في الاستخفاف بما يجري من حولنا، لأن الذي في طريقه الى السودان من تطورت وأزمات ربما يحتاج الى تحريك كل عضلات الجسم اذا غاب العقل وتاهت الحكمة وضاعت الفرصة المتاحة- اليوم للتغيير- والذي يقرأ ما يطفو على السطح السياسي من تطورات في سودان اليوم وما سيحدث في باطن الارض في مقبل الايام. اذا قرئ هذا المشهد على ضوء ما يدور حولنا من احداث وتطورات في الاقليم، يجعل كل مراقب حادب على السودان يقول بكل الصدق إن امام النظام الحاكم في السودان فرصة غالية ونادرة، ويتعين اقتناصها. وهى تتمثل في المبادرة بتغيير حال أداة الحكم في السودان لكي يكون اكثر اتساعاً ومشاركة، واكثر حرية واكثر اهتماماً بقضايا الشعب الحياتية وقضايا الشاب المستقبلية. واذا ضاعت هذه الفرصة فإن البديل للتغيير سيأتي من الخارج بالتعاون مع الداخل. ومن المؤكد وليس من المحتمل أن هذا التغيير لم ولن يأتِ بنفس الصورة والأسلوب الذي اتبع في الثورة المصرية، وانما سيأتي عبر سيناريو مختلف تماماً وعبر مفاجآت ليست في الحسبان. ونود أن نؤكد لمن يهمهم أمر السودان أن نظرية الاعتماد على الشرطة وأجهزة الامن في حماية النظام في الشارع قد سقطت تماماً مهما كانت درجة الولاء للنظام وقوته، وأن هنالك متغيرات ومستجدات كثيرة يفرضها الواقع على الأرض لم تدرس بعناية ولم تحسب بدقة عند لجوء الانظمة الحاكمة الى استخدام الشرطة والامن لحماية النظام، عندما تنزل الشعوب الى الشوارع، وهي اخطر مرحلة في مراحل المواجهة بين السلطة.. والشعب.. وعلى الذين يفكرون في اقحام القوات المسلحة مهما كانت درجة تبعيتها للسلطة الحاكمة في التصدي للشعب في الشارع، عليهم ان يصطحبوا معهم الحقائق التالية:
1/ السودان الدولة الوحيدة في العالم العربي الافريقي التي لديها تجارب في الثورات الشعبية ضد الانظمة الشمولية المتفردة بالحكم. كان هذا في اكتوبر في عام 4691م وتكرر المشهد في عام 5891م، وفي كلا الحالتين انحاز الجيش الى الشعب. وانتصرت الثورات الشعبية، وتعين ان يكون مفهوماً لدى الكثير من الحكام أن ليس من مهام القوات المسلحة حماية النظام الحاكم ضد شعبه، خاصة في حالة مطالبة الشعب بالتغيير والاصلاحات الضرورية التي تجعل من الحياة محتملة، وان الامن والاستقرار ممكن، وان التنمية المتوازنة سهلة والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية بين المواطنين مقدور عليها.
2/ بالإضافة إلى أن التجارب العملية اكدت في اكثر من مناسبة أن هنالك حساسية ازلية بين قيادات القوات المسلحة والشرطة والامن، لاسباب يصعب معرفتها، وتأكدت عندما قامت القوات المسلحة بحل جهاز أمن الدولة عام 5891م بدون مبررات وطنية أو قانونية او اخلاقية، وتم اعتقال قادة الشرطة عقب ثورة اكتوبر 4691م.
3/ بالاضافة ايضاً الى أن هنالك في الفضاء الدولي عدد من المحاذير الدولية والقانونية تحول بين استخدام القوات المسلحة النيران ضد المدنيين العزل، ناهيك ضد الشعب لصالح حماية النظام، وهنالك ايضاً قانون الامن الانساني، وقانون الجرائم ضد الانسانية، وجرائم الابادة الجماعية، واختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، وهنالك الرأى العام العالمي. ونذكر فقط ما حدث للقائد العسكري اليوغسلافي كرافنس مع المحكمة الجنائية الدولية.
4/ لقد وضح لقادة العالم أن الضامن الوحيد لأي نظام في العالم هو الشعب، وقدرة النظام على ارضاء الشعب عبر تحقيق حقوقه الاساسية. إذن ارضاء الشعب وهو الضامن وليس اجهزة الامن والشرطة والقوات المسلحة.
5/ الذين مازال لديهم اعتقاد ما بأن الوضع وطبيعة الولاء بالنسبة للشرطة والامن والقوات المسلحة في حالة الأنظمة العقائدية ذات العصبية الحزبية الصارخة، يختلف عن حال هذه لاجهزة في النظم القومية. وعلينا نذكرهم بتجربة الاتحاد السوفيتي وتجربة رومانيا في عهد شاوشيسكو وتجربة اثيوبيا في عهد منقستو هايلي ما يرايام، ولكنها انظمة عقائدية التوجه، ولم تتمكن هذه الأجهزة التي بنيت بعصبية عقائدية من حمايتهم والحفاظ على انظمتهم في البقاء في الحكم، وعندما يثور الشعب لاى سبب من الاسباب فإن ارادة الشعوب هى الحاكمة، وعندما تخرج هذه الشعوب الى الشوارع وتطالب بالتغيير أو الاصلاحات لكي تجعل من الحياة في هذه الاوطان متحملة، فإن التجارب العملية اكدت في اكثر من مناسبة أن هذه الأجهزة بالرغم من بنائها الحزبي العقائدي فإنها لا تقوى على مواجهة ثورة الشعوب في الشارع، بمعنى أنه غالباً ما يتحول القرار في قصر الرئاسة الى الضابط الذي يقدر الموقف في الميدان وعلى ارض الواقع.
6/ أغلب النظم الحاكمة اليوم في بعض البلدان العربية خاصة التي تواجه اليوم ثورات شعبية تطالب بالتغير والاصلاح، هذه النظم وصلت الى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية الشكل حقيقة، ومبرمجة النتائج، ولا نقول مزورة النتائج، وبنسب عالية للاصوات تتراوح بين 09-99-001%. ان ارتفاع هذه النسب ان دل على شيء فإنما يدل على عدم الايمان بالتداول السلمي للسلطة وظلت عبر اسلوب البرمجة الانتخابية واستمرت في السلطة والحكم زهاء عشرات السنين، ومؤكد ليست بسبب الادارة الشعبية وليست بسبب الانجازات العظيمة، وانما استمرارها في الحكم كان لحكمة يعلمها الله. وامهال هؤلاء الحكام في السلطة لكي ينهلوا ما طاب لهم من مباهج الحياة ولكي يفسد بعضهم في الارض، واستمروا بصبر الشعوب عليهم بالرغم من تحمل مصاعب الحياة المعيشية والظلم او سبب الخشية من بطش الشرطة والامن. ولكن عندما اراد الله ان ينزع منهم الحكم او الملك كان بالإرادة الشعبية عبر ثورة شعبية الحال بالنسبة لتونس ومصر. ولعل هذا يكون بمثابة عبرة لمن يعتبر من الحكام.
خصوصية الاعتبارات الحاكمة للتغيير في السودان:
٭ بالاضافة الى مشاركة النظام الحاكم في السودان في بعض الاعتبارات الحاكمة للتغيير في كل من تونس ومصر، الا ان السودان ينفرد بخصوصية تجعل من هذه لاعتبارات أكثر وطأة على النظام من المبادرة بالتغيير خاصة ونحن في هذه الايام نمر باجواء مضطربة من حولنا، وتحمل مهددات سياسية في غاية الخطورة على العديد من الانظمة الحاكمة في المنطقة. وقبل أن نخوض في اجواء الاعتبارات الحاكمة للتغيير الخاصة بالسودان تجنباً لبلادنا العزيزة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونخشى كثيراً مما بطن منها لأننا نعلم من هم وراء السيناريوهات الاستخباراتية وطبيعة هذه السيناريوهات من خبث وخداع وآلام التركيع والاطاحة، نقول إن لكل انسان في هذه البسيطة مهما كانت درجة وقوة شخصيته ومكانته الاجتماعية، نقاط ضعف. واذا عرفنا كيف ومتى يستخدم أسلحة الدمار او السيطرة على قوة هذا الرجل، وهى المال والجيش، نستطيع هزيمة هذه الشخصية، والتحكم في ارادتها.
وبنفس القدر نقول بأن لاى نظام حاكم في العالم اليوم مهما كانت قوة هذا النظام العسكرية والاقتصادية ومهما كانت مكانة دولته، لديه ايضاً نقاط ضعف تسمى بالثقوب الامنية، واذا عرف العدو متى وكيف يستخدم الاسلحة الاستخبارية المختلفة يستطيع ضرب هذا النظام عبر النفاذ من هذه الثقوب. وهكذا عبر هذه الثقوب ضرب الاتحاد السوفيتي وبنفس الاسلوب ضربت الولايات المتحدة الامريكية في عقر دارها في الحادي عشر من سبتمبر 2002م بواسطة عناصر من جهازI.C.G.B الروسي عالية الكفاءة المهنية والاستخباراتية من الذين (ناموا) في الولايات المتحدة الامريكية عقب تفكك الاتحاد السوفيتي. والذي قام بتمويل عملية 11 سبتمبر هو الرئيس العراقي صدام حسين، وكان تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن هو الوسيط بين التنظيم وعناصر ال.I.C.G.B ولهذه الاسباب قامت الولايات المتحدة بدون مسوغ اخلاقي ولا قانوني بضرب العراق وتصفية صدام حسين، والسعي الجاد لمطاردة بن لادن للامساك به وهو على قيد الحياة لكي يؤكد المؤكد من قبل الولايات المتحدة الامريكية.
وما نحن حريصون عليه من هذا الطرح اليوم، اقناع النظام بالمبادرة الجادة للتغيير تفادياً لما يحدث لبلادنا وشعبنا، خاصة أننا نعيش في اجواء مضطربة في العديد من البلدان التي من حولنا التي داهمها مهدد سياسي خطير فاجأ المنطقة والانظمة، ولا يعرف احد من اين اتى ومتى سيأتي وباية شاكلة من السيناريوهات المختلفة. وبهذه الكيفية المفاجأة والمباغتة داهم انظمة حكم راسخة وعاتية الانظمة الامنية.
ونحن نعلم جيداً أن بلادنا مأزومة الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، ومازالت بها منخفضات امنية في مناطق مهمة وحساسة،ونحن عندما نتعرض لها في هذا الطرح ليس لغرض في نفس يعقوب، وإنما من أجل الحرص على أمن واستقرار بلادنا، ومن اجل رفع درجات الوعي بالمخاطر المحدقة بالوطن في هذه المرحلة، والتحفيز بأهمية المبادرة بالتغيير الجاد، والتذكير بأن لعبة الهروب الى الامام وكسب الوقت للاطالة من عمر النظام ومحاولات تركيز السلطة عبر دعوات الحوار الوطني غير الجادة، نقول قد انتهى زمان هذه المناورات السياسية، خاصة ان ثورات الشعوب على الابواب يكاد وقع خطاها يلامس طبل الاذن، ونحن نخشى من المفاجأة والمباغتة، ونخشى من خبث السيناريوهات الاستخبارية، لأننا نعلم كيف تعد مثل هذه السيناريوهات وعلى ايدي من من العلماء والخبراء في شتى المجالات، ونعلم مدى القدرة على تحقيق اهدافها، خاصة في بلدان العالم الثالث التي تعج بالصراعات السياسية والعرقية وبالتناقضات وبالعملاء المأجورين.
الاعتبارات الحاكمة للتغيير:
1- موطن المنخفضات الامنية
1/ أول هذه المنخفضات الامنية هى ضياع تجربة حكم الاسلام السياسي جاءت في هذه التجربة للترحيب بهذه التجربة، ولم يفطن اهل الحل والعقد لهذه الاجواء ومدى خطورتها والعمل على اجهاضها، وكانت المحصلة النهائية لهذا الاهمال أن تحولت التجربة من تجربة رائدة ونموذج يحتذى به الى تجربة طاردة ومطاردة ويخشى الناس كل الناس الخلاص منها وعدم تكرارها داخلياً واقليمياً ودولياً.
2/ سوء إدارة التنوع الذي تعج به خارطة البلاد السياسية وحاكمية العصبية الحزبية وعدم الجدية من قبل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وادارة دفة برتوكولات نيفاشا كما ينبغي، والاصرار على الازدواجية وإقصاء الآخر بالمشاركة والممارسة السياسة في ظل غياب تام للوعي الامني والاطماع وطبيعة السيناريوهات الاستخبارية. هذا المسلك اضاع الجنوب التراب «الغالي الماليه ثمن»: حدث هذا الحديث تحت سمع وبصر وقسم الولاء بالمحافظة على تراب هذا الوطن من كل الدستوريين في البلاد، وتحت سمع وبصر تجربة حكم الاسلام السياسي الهشة المحتاجة الى دعامات من الانجازات الوطنية، باعوا الجنوب بابخس الأثمان لمن؟ لحفنة من النخب الجنوبية واغلبهم مركب ماكينة امريكية الصنع واسرائيلية المنشأ، وليس لشعب الجنوب الذي لا يدرك في أمره شيئاً واستخفوا بقيمة تراب الجنوب وتعاملوا معه باعتباره من نوع التراب (السفاية الذي لا يصلح إلا لردميات الارضية للمباني الجالوص في الاحياء الشعبية. ومع الأسف الشديد ان يوم اعلان نتائج الاستفتاء بالانفصال مرة كيوم عادي وكأنه من ايام اعياد شم النسيم الذي يتناول فيه اخوة لنا في الوطن كميات من سمك الفسيخ بالرغم من الروائح النتنة التي تعطر الفضاء المحيط.
واستمرار أزمة دارفور لضبابية افق الحلول المطروحة من قبل الكثير من الجهات الداخلية والخارجية، وان ابواب الازمات مازال متسعاً. والابواب والنوافذ اغلبها يطل على القضايا التي مازالت عالقة بين الشمال والجنوب، ومسألة ابيي مازالت تراوح مكانها- والمشورة الشعبية مازالت حائرة بين النيل الازرق وجنوب كردفان، والازمات الاقتصادية سيدة الموقف بعد فقدان موارد بترول الجنوب، واسعار السلع الضرورية مازالت ملتهبة وتقضى على الاخضر واليابس من الدخل بدون تفرقة بين القادر وعبد القادر. والمسائل الاجتماعية خربت النسيج الاجتماعي وبشرت في أكثر من مناسبة بخطر قابل للاشتعال، والقوات الدولية مازالت تتستر بجلباب الاجنبية الخارجية، والمنظمات الخيرة الاجنبية مازالت تعبث وتعمل لصالح مراكزها الاستخبارية، والتدخلات الخارجية باقية. واستقطاعات اراضي السودان وتجريف اطرافه مازالت مستمرة من قبل الجيران، وما زال السودان مكبلا بالعقوبات الاقتصادية والسياسية مرتهنا من قبل المحكمة الجنائية، والمبعوثون الدوليون يهتكون عرض السيادة الوطنية، والمديونية الخارجية متصاعدة الفوائد والضغوط، كل واحدة من هذه القضايا التي اشرنا اليها تشكل منخفضاً امنياً يبحث عن معالجة جادة من قبل السلطة الحاكمة، التي تدعي الشرعية الدستورية لأنها نالت الاغلبية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الاخيرة من قبل الشعب، ولكن الحقائق على ارض الواقع تشير الى أن الشعب انحاز الى النظام الحاكم وخصه بالاغلبية التي اتت به الى دفة الحكم، ولكن هذا النظام لم يف بوعوده للشعب- بترقية الحياة الكريمة له- بل يشك المراقب في اذا كان الشعب بالظروف المعيشية الحالية كان في يوم من الايام في دائرة اهتمام النظام الحاكم، بدليل اتساع دائرة الفقر والبطالة وارتفاع مستوى المعيشة، وبناء سياسات اقتصادية اهملت البعد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية- واذا رجعنا الى الخلف قليلاً واصطحبنا معنا أسباب تفجر الثورات في كل من تونس ومصر، نجد ما هو حادث في السودان من ازمات ومصاعب حياة كافياً جداً لتفجير اكثر من ثورة شعبية. ولهذا نأمل في المبادرة بالتغيير بارادة سودانية لكي لا يفرض علينا التغيير من الخارج متضامنا مع أهل الداخل.. ونخشى، واكرر نخشي، أن يأتي التغيير من الخارج، بصورة من صور السيناريوهات الاستخبارية التي لا تخطر على ذهن أحد.. اكرر لا تخطر على ذهن أحد.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
والله المستعان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.