لاشك ان أزمة أبيي بين قبائل المسيرية وعشائر الدينكا نقوك لن تكتب لها نهاية ، وحتي افقها لا يحمل فوقه حلولا قريبة ، ولا بد لشركاء الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الاعتراف بذلك حتي يتسني لهما ايجاد طريق الحل قبل انقضاء اجل الفترة الانتقالية، هكذا تقول مجريات الاحداث . فالمنطقة شهدت تجدد المواجهات مرة اخري منتصف الاسبوع المنصرم ، مخلفة ضحايا تقديراتها حتي الان وصلت مايفوق الخمسين قتيلا وفر الالاف من البلدة جنوبا ، ويعد هذا الاشتباك الثاني منذ عشية استفتاء شعب جنوب السودان المنتهي بفصل ربع البلاد ، فالهدوء الحذر لم يفارق المنطقة الذي يعتبرها المراقبون المهدد الاول لتجدد النزاع بين الشمال والجنوب . ويعد النزاع حول أبيي بين قبيلة المسيرية والدينكا نقوك من اكثر ملفات اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان خلافا ، فالمنطقة التي اعتبرها احد طرفي النزاع القبلي انها خسرت من السلام اكثر من الحرب، مشيرا الي ان قبيلة المسيرية هم ايتام نيفاشا، ويتابع ناظر قبيلة المسيرية مختار بابو نمر في حديث ل»الصحافة» بداره بالمجلد «ان أبيي لم تشهد اياما دموية طوال الحرب الاهلية المستمرة 21 عاما لكنها تحولت الي انهار من الدماء عقب التوقيع علي السلام »، ويزيد لم نسمح باطلاق عيار ناري واحد حتي في الافراح حتي لا نزعزع المنطقة ، لكن سلطان الدينكا نقوك كوال دينق مجوك يتهم المسيرية بالوقوف خلف نسف الاستقرار القديم وارث التعايش بالمنطقة، ويوضح في مقابلة اجرتها «الصحافة» ان توتر العلاقات بين القبيلتين بسبب اطماع المسيرية في ارض يعتبرها انها ليست ملكا لهم، وقال «هم من نكروا هذا التاريخ، فالأخ مهدي والأخ مختار قالا انهما سألا والدهما عن رقعتهم الجغرافية اين تنتهي، فأجابهم محل تقيف البقرة ، واضاف نحن لا ذنب لنا مع قوم مثل هؤلاء، معتبرا ان حديثهم رسالة ارادوا ارسالها، فالبقر تذهب الى الجنوب حيث يوجد الماء والمرعى، وبعد قليل سيذهبون الى واراب والى مناطق اخرى للاستحواذ على جزء كبير من جنوب السودان ، ويشير مراقبون الي ان ما اضر بالأزمة في أبيي هو حالة الاستقطاب المباشر والحاد وظهور الشريكين كل واحد يقف في صف طرف من اطراف النزاع . الان وبعد ان بات الوصول الي استفتاء بالمنطقة امرا مستحيلا بسبب الخلاف حول اهلية الناخب وتمسك الحركة الشعبية بنص المادة 24 من قانون الاستفتاء والتي تحدد اهلية المشاركة في الاستفتاء بشرط أن يكون الناخب من سكان منطقة أبيي حسب المادة 6 «1» من بروتوكول حسم نزاع أبيي وتعرفهم علي ضوء ذلك بانهم « أعضاء مجتمع دينكا نقوك ،والسودانيون الآخرون المقيمون في منطقة أبيي حسب معايير الاقامة التي تحددها المفوضية وفق المادة 14 «1» من هذا القانون بجانب ان يكون الشخص قد بلغ الثامنة عشرة من عمره ، وسليم العقل » فيما رفض المؤتمر الوطني الامر وتمسك بمشاركة الجميع ، الامر الذي اطاح باجراء استفتاء المنطقة التي ينتظرها قرار سياسي من قبل مؤسسة الرئاسة ، وهو ما لا يتوقع صدوره قريبا ، فالحل بعيد عن الاستفتاء سوف يصطدم بعدة عراقيل فالمسيرية شروطهم لاي حل متوقع هي الابتعاد بالكامل عن خارطة ترسيم محكمة لاهاي التي تتمسك بها قبيلة الدينكا وتشدد بعدم التنازل عنها ، اذن التسوية التي يمكن ان يفكر فيها الشركاء لن ترضي من هم علي الارض فمختار نمر يقول في هذا الجانب « اذا تركتنا حكومة الشمال والتزمت بقرار لاهاي سنخوض الحرب من اجل استرداد ارضنا فاكثر من الموت لايوجد شئ والحركة الان تقف مع الدينكا وعلى الحكومة الوقوف معنا ، واذا رفضت سنقاتل لوحدنا « ، في ذات الوقت يعتبر عدد من ابناء أبيي تحدثوا ل»الصحافة» قبل استفتاء الجنوب بعشرة ايام انهم لن يتركوا شبرا من قرار لاهاي، وزاد احدهم يدعا الور شول ان مجمتع الدينكا نقوك يمكنه الصمت وعدم الاحتجاج لعدم تنظيم الاستفتاء لكن لن يصمت ان لم تتبع أبيي وفقا لقرار لاهاي الي الجنوب ، وزاد شول بقناعة « هذه الارض ستتبع للجنوب حال اقمنا دولتنا » ويضيف رئيس مجلس تشريعي أبيي شارلس أبيي في حديثه معي عبر الهاتف ان التنازل عن مزيد من الارض ليس امر قابل للنقاش ويطالب في ذات الوقت بتنفيذ مقررات المحكمة وبرتكول أبيي ، من هنا تكمن صعوبة التوصل الي تسوية تقذف بأزمة يمكن ان تحول كل المنطقة الي حرب اكثر دموية ، لكن اين الحل ؟ سؤال وجهناه الي مسؤول الملف في الحزب الحاكم السفير الدرديري محمد أحمد فهو يري ان الأزمة بالمنطقة تجاوزها يتوفر في ابقائها في الشمال كحالة راهنة بذات الوضعية الحالية قبل ان يضيف ان تحويلها الي منطقة تكامل هو مقترح مازال مطروحا من جانبهم ، اما الامين العام للحركة الشعبية رئيس جانب التفاوض من قبلها باقان اموم قال ان الحل هو اجراء مشاورة واخذ رأي الدينكا نقوك حول ما يريدونه البقاء شمالا او جنوبا قبل ان يضيف الخيار الاخير هو ما يريدونه لكن يمكن للمسيرية ان يمارسوا حقوقهم كاملة ، هذا ما يقوله الممسكون بالملفات مما يشير الي ان نقاط التلاقي فيما بينهم بعيدة للغاية . بالمقابل فمؤسسة الرئاسة وحسب ما قاله الرئيس البشير من قبل فان الحكومة لن تسمح باي حلول تتجاوز حقوق المسيرية، قال لي رئيس حكومة الجنوب النائب الاول ان الجنوب سيساهم من امواله لتنمية ارض المسيرية وسيضمن لهم حق الرعي الامن علي ان تعود أبيي جنوبا . لم يتبق الان سوي 120 يوما بعدها سنكون امام الثامن من يوليو اي اليوم الاخير للفترة الانتقالية حينها لن يكون هناك متسع للحديث عن مهلة او الاجتماع لنزع فتيل الأزمة بالمنطقة الخلافية ، فخطوات الحل التي ظل يتبعها شريكا الحكم الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ، وهو الاتفاق علي عدد من النقاط والتوجيهات لنزع فتيل الأزمة التي سرعان ما تعود للارض مرة اخري ، اثبتت فشلها وكشفت في الوقت ذاته ان الطرفين ليس لديهما اي حلول يمكن ان تحافظ علي المنطقة الخلافية وتجلب لها السكون قبل ان تحولها الي جسر بين الشمال والجنوب ، هذا ما توضحه التصريحات الاخيرة لناظر عموم المسيرية والتي نقلتها الصحف امس، وقال مختار بابو نمر ان قبيلته لا تريد حلاً «لا مع الحكومة ولا دينكا نقوك» لحل قضية أبيي. قبل ان يضيف «البحصل نحنا بنرجاهو والرهيفة التنقد» ، فيما نقلت ذات الصحف أن مجموعة من المتظاهرين من دينكا نقوك اقتحموا مقر «يونميس» وأحرقوا «11» عربة، وطالب المتظاهرون بتغيير رئيس الوفد المفاوض من جانبهم «رئيس ادارية أبيي»، وطالبوا بوفد من الشباب للتفاوض . فالتحول الحالي في الارض هناك ينذر بعدد من الصعوبات التي تشير الي النصف الثاني من العام لن يكون هاديا للجانبين شمالا وجنوبا ، فالتملل وسط الدينكا نقوك وعدم رضائهم امر لم ينفه نافذ بالحركة الشعبية، لكنه قلل من حدته وقطع انه قلق مشروع ومقدور علي ازالته بمجرد توضيح الامور لهم. لكن أبيي وكعادتها يمكن ان تعود مستقرة مرة والثانية والثالثة لكن هدوءها لايعني بالمرة اخماد ما يمكن ان تشعله من نيران عندما يتحول الصراع بعد يوليو بين حكومات وليس مجتمعات قبلية ، فالزمن هذه المرة ليس في مصلحة ما يؤكده الطرفان ان الحرب ليست في الحسبان لان الواقع يقول ان الحرب ممكنة وهذا هو مدخلها فهل بالمقدور اغلاقه ان علمنا ان اعواد الثقاب ليست بداخلها بل في الخرطوم وجوبا... ننتظر.