- نسبة لتعقيد وحدة الصراع وعمق الأزمة وتعدد اشكالها واتساعها بالسودان ، فإن السبيل الوحيد لحلها يكمن في نظرنا في تحقيق السلام العادل والشامل. فالمشاكل المعقدة والمتسعة والشاملة كما يقول المثل تحل فقط بطريقة شاملة . صحيح أن تحقيقها بهذه الطريقة أصعب من نهج المصالحة والإستيعاب ، ولكنها تحقق نتائج ثابتة ومتينة ودائمة. - لتصبح هذه التسوية شاملة وعادلة وفاعلة ، على الأقل نظرياً ،لابدلها أن تتصدى لجذور المشكلة التي تتجاوز النظرة الضيقة المرتكزة على معالجة الظواهر والأعراض ( Symptoms). - لابد فى المقام الاول أن تهدف لحل النزاع بين الدولة والمجتمع ، من خلال بناء المؤسسات والهياكل المرتكزة على الجماهير والتي تضمن المشاركة الحقيقية للمواطنين في القرارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية. في هذا الخصوص لابد من التمييز بين مفهومين /قانوني وشرعي ، ليس كل ماهو قانوني شرعي، ولكن كل ماهو شرعي قانوني. إن عدم القدرة على فهم هذه الحقيقة الهامة ، يؤدي في حالات كثيرة لتقنين انظمة غير شرعية من خلال الإنتخابات الصورية التي تجريها بعض النظم. - إن الشرعية باختصار شديد تعني الأحقية او الحق ( Rightfullness) الذي يمنح الحاكم السلطة ويضمن إنصياع المواطن لها كواجب وليس بسبب الخوف. فغياب الشرعية ، يصبح الحفاظ على الحكم مرتكزا على العنف وتخويف الجماهير وترهيبها. يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في ( العقد الإجتماعي ) عام 1792م ( الأقوى لن يكون قوياً كاملاً ليستمر دوماً سيداً ، الا عندما يحول القوة لحق والطاعة لواجب ). ويركز البروفيسور الانجليزي ديفيد بيتهام من جامعة ليدز ، على ان الانظمة التي تحتكر السلطة فيها بواسطة الاقوياء وتعمل على إصطناع وتلفيق الأحقية بواسطة حملات العلاقات العامة وماشابهها لاتكون شرعية. - وعليه ، هنالك ثلاثة شروط لتحقيق الشرعية :- 1- ممارسة السلطة تحت سيادة القانون 2- القوانين يجب ان تجد مبررات سنها بواسطة القناعات المشتركة بين الحاكم والمحكوم. 3- يجب ان تكون الشرعية محسوسة (Must be Demonstrated) من خلال تعبير الجماهير بإجماهعم عليها . وهذا يعني أنه لكي تصبح الانظمة شرعية ، لابد من أن تحكم من خلال الإجماع الشعبي. - إن فقدان هذه الشروط يقود لأزمة الشرعية التي تتحايل على بعض النظم بالهيمنة والسيطرة الآيديولوجية وممارسة البطش والإضطهاد للمعارضين ،. ولكن المتابع للتاريخ المعاصر والحديث يتبين له بأن ليس هنالك نظام إستطاع أن يستمر في الحكم من خلال ممارسة القمع وإثارة المشاعر مهما بلغت قوته الأمنية ، وعلى عكس هذا النوع من الانظمة ، عادة ماتتبنى وتتبع الانظمة الشرعية دساتيرَ تشترك الجماهير في وضعها وإقرارها ، اشتراكاً حقيقياً وليس صورياً. هذه الدساتير النابعة من الإرادة الشعبية ، تمنح الشرعية بتقييد نشاط الحكومات بالقانون حيث تصبح الحكومة الممثلة حقيقة للجماهير حكومة دستورية، تمارس سلطاتها بعقلانيه قانونية (Legal Rational) ، بمعنى ان السلطة تصرح بالقانون الدستوري . - وفي نفس الاتجاه لابد من معلجة قضية الفقر ذات الارتباط الوثيق بالنزاع . في نظرنا ترجع اسباب هذه القضية اساساً للتوزيع غير العادل للدخول والسلطة ( رأسياً وأفقياً )). فالسيطرة غير المتكافئة على المواقع الهامة بواسطة الصفوة مقارنةً بالجماهير العريضة ، مع الضغط الناتج عن سلبيات ، اقتصاد السوق والممارسات التجارية (Commercialization) على القطاع شبه المعيشي ، تخل بالتوازن بين النشاطات الاقتصادية والبيئية وتؤدي الى إنكماش قاعدة الموارد بالبلاد وتكرار المجاعات والنزاعات. - عليه ،لابد من قلب وتبديل هذه الاوضاع الداعمة للنزاعات. ان تحقيق ذلك يتطلب في المقام الاول تمكين الشعوب المهمشة (Empowerment) خاصة النساء والنازحين ، وتقوية وتطوير منظمات المجتمع المدني فى كل من القطاعين التقليدى والحديث ومشاركتها المباشرة والفاعلة فى عمليات إتخاذ القرار وفض النزاعات وبناء السلام. وزد على ذلك ،لابد من إشراك كل القوى المتصارعة في بناء جسور الثقة . نعني بذلك المسائل المتعلقة بالحقوق ( Rights ) والإستحقاق (Entitlement ) لكل المواطنين كأفراد وجماعات ، وبناء المؤسسات المتسمة بالشفافية وبالمسؤولية الجماعية نحو البلاد اذا اردنا ان نحافظ على ماتبقى منها ككيان (Entity ). إن تحقيق كل ذلك لايتوافق مع غياب سيادة القانون وإنتهاك حقوق الانسان وعدم إحترام حق المواطنة، والتعنت فى تبني الاصلاحات الدستورية وتحسين الفرص الاقتصادية للجماهير العريضة لتنعم بحياة افضل . ان الحق في الحياة لا معنى له بدون حياة كريمة تليق بكرامة الانسان. - نعتبر الاتجاه نحو الوفاق الوطني اتجاها سليما لتحقيق السلام ، ولكن ذلك يتطلب اتخاذ خطوات هامة وشجاعة بواسطة الحكومة لتأكيد حسن النوايا وذلك من خلال تهيئة المناخ للوفاق الوطني الذي ننشده ، بإزالة كل الاسباب التي قادت وتقود للنزاعات ، وتتوفر وتحترم فيه التعددية بمفهومها السياسي الاقتصادى والاجتماعي ، وتحترم فيه حقوق الانسان باعتبارها حقوقا اساسية لاتتجزأ . كل ذلك يتطلب اتفاقاً سياسياً شاملاً يرتكز على تعريف اسباب النزاع بصورة علمية وشاملة لتوفر الارضية المشتركة للتفاوض والوفاق الوطني بين كل القوى السياسية. اذاً علينا جميعا بدون اقصاء او استثناء لأحد ، ان نبحث عن العوامل الاساسية للتوحد فى المصالح المشروعة وفي الحقوق والواجبات التي يحددها برنامج حد ادنى وطني وديمقراطي، اساسه العدالة لدولة تحترم التعدد وترتكز على دستور يقره كل أهل السودان. والله الموفق