«خصوصية وأزلية» العلاقات بين السودان ومصر حملت الرئيس عمر البشير إلى القاهرة كأول رئيس عربي يزورها عقب الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس محمد حسني مبارك،ووصل البشير بعد يوم من أداء الحكومة المؤقتة التي يرأسها عصام شرف اليمين الدستورية، ولا تزال آثار الثورة مستمرة والاستقرار لم يعد والحياة هناك ليست طبيعية والشرطة غائبة وشباب الثورة ينظمون السير في الطرقات ،وقد توفق موكب البشير غير ما مرة رغم تقدم التشريفات والمواتر الرئاسية مما يعكس الارتباك الذي تعكسه الصحف المصرية، وبعض المناطق في القاهرة ينتشر فيها البلطجية ويثيرون الفزع ...باختصار مصر تحتاج إلى بعض الوقت لتلتقط «المحروسة» أنفاسها. البشير انتقل من المطار إلى مقر وزارة الدفاع حيث استقبله رئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي، وعقب مراسم الاستقبال عقد الجانبان لقاءً ركز على سبل دعم العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها مصر، والتداعيات والأحداث المتلاحقة لعدد من دول المنطقة، وتعزيز الشراكة المصرية السودانية في العديد من المجالات. وشدد البشير على أهمية تخطي مصر للأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة واستعادة دورها العربي والإقليمي. وأشاد المشير طنطاوى بأواصر العلاقات المصرية السودانية من خلال تعزيز التعاون في العديد من المجالات بين الشعبين ، وحضر اللقاء الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة الأفرع الرئيسية، وعدد من أعضاء المجلس العالي للقوات المسلحة، والوزراء المعنيين، ووزيري رئاسة الجمهورية الفريق الركن بكري حسن صالح ،والخارجية علي كرتي، والسفير السوداني بالقاهرة عبد الرحمن سر الختم. في قصر القبة للمرة الأولى حل البشير والوفد المرافق له في قصر القبة التاريخي في قلب القاهرة، ويقع وسط مساحة شاسعة خضراء تحيط به الزهور الفواحة، وكانت زيارات البشير السابقة في عهد مبارك يستضاف في قصور صغيرة، ولعلها من أولى بركات ثورة 25 يناير، وقصر القبة مبنى عتيق منذ العهد الملكي يحكي عن حضارة مصر ويشهد على فترة مهمة من تاريخها،ولا يزال يحتفظ بعبقه،وصباح أمس قلبنا مع الزميل عادل الباز دفتر القصر الذي يوقع عليه الزعماء الذين استضافهم، ووجدنا أبرز من علقوا على الدفتر الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، والزعيم الليبي معمر القذافي، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والعاهل المغربي الملك محمد الخامس، وغيرهم ،فدهش الباز وقال إن الأيام دول، ولم يفوت الفرصة، فصور بهاتفه النقال توقيعات بن علي والقذافي.. واستقبل البشير في مقر إقامته، رئيس الوزراء الجديد عصام شرف، والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ، الذي اقترب من إنهاء فترة عمله في الجامعة العربية استعدادا للترشح إلى الرئاسة المصرية، كما استقبل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د.محمد بديع، وشارك فى اللقاء د.أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، وكل من د.محمد مرسي وعصام العريان، المتحدثان الإعلاميان لجماعة الإخوان. وقدَّم البشير التهنئة إلى الشعب المصري، بمناسبة نجاح الثورة المصرية، مؤكدًا حرصه على التعاون والتواصل مع مصر بفاعلية أكبر، مجدداً تأكيده على الحريات الأربع بين مصر والسودان، مشدداً على ضرورة استمرار التعاون الزراعي مع مصر، خاصةً أن السودان هو العمق الاستراتيجي لها، مبدياً حرصه على استقرار مصر، وأكد أن الثورة يمكن أن تكون مستهدفة من أعداء الأمة. وأكد بديع ، من جانبه ، على عمق العلاقات بين مصر والسودان، وأهمية دور السودان بالنسبة لمصر، باعتباره الامتداد الاستراتيجي لمصر، وله دور أساسي في العلاقة بين دول حوض النيل والقرن الأفريقي. أحزاب مرهقة منزل السفير السوداني في المعادي، ليل الثلاثاء، كان موئلا ً للقوى السياسية المصرية التي أوفدت قياداتها للقاء البشير، وكان الغائب الأكبر حزب المؤتمر الوطني الذي لا يزال يتزعمه الرئيس السابق حسني مبارك. والأحزاب المصرية التي ظلت منذ ثورة 1952 مخنوقة ومكبوتة ومقهورة ،بدأت تتنسم الحرية، ولكن للأسف دخلت الأحزاب التاريخية مثل الوفد والتجمع وغيرها مرحلة الشيخوخة،ولعلها تهتبل الفرصة المواتية في تجديد نفسها وضخ دماء في شرايينها الجافة، لأنها لم تعد مقنعة للشباب حتى تجاوزها، ولعل ثورة 25 يناير كانت تعبيرا للحالة السياسية في مصر، فالحزب الوطني الحاكم حينها جنى على نفسه، والقوى الأخرى لم تك تعبر إلا عن شريحة محدودة في المجتمع، فتجاوز الشباب والشعب كله قواه التقليدية وأخذ زمام المبادرة، واضطرت الأحزاب أن تلتحق بهم في الأيام الأخيرة للثورة، وشرعت مجموعات من الشباب في تسجيل أحزاب جديدة تعبر عن قناعاتهم وبرامجهم، مما يشير إلى عدم اقتناعهم بالأحزاب التي تطرح نفسها في الساحة، ولكن من الجانب الآخر فان عدم وجود قيادات معروفة وبارزة قد يبطىء بخطوات الإصلاح، ويمكن أن يفتح الباب أمام ثورة مضادة، ويلاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر تنظيما في هذه المرحلة وستحدد الانتخابات البرلمانية المقررة في يوليو المقبل أوزان القوى المصرية. وتحدث البشير أمام القوى السياسية بروح متفائلة، وكشف أن مصر والسودان يواجهان مؤامرات لتقسيمهما إلى ثلاثة كيانات، مصر إلى ثلاث دويلات في جنوبها كيان للنوبة ومجموعات ستنجو من السودان من مذابح ومحارق يخطط لها، كما يرمي المخطط إلى تقسيم السودان إلى خمسة كيانات، مؤكدا أن المخطط صهيوني، وانه تحدث مع القيادة المصرية السابقة وردت عليه أنها تعرف ذلك وطلبت منه عدم إثارته، مؤكدا أن فرص نجاح المخطط ضعيفة نسبة لتنامي القوى لدى الأمة العربية، وضعف أعدائها. وركز البشير على شعار وحدة وادي النيل الذي ظل مرفوعا منذ عقود، لكنه لم يتجاوز مرحلة الشعار، وقال انه بات الآن هو حديث الناس في السودان عقب انفصال جنوب السودان، ونجاح الثورة المصرية، ورأى ان العقبات التي كانت تعرقل تنفيذ هذا الشعار تلاشت وبات من الممكن أن يصبح واقعاً، ووجد ذلك صدى إيجابياً من القوى المصرية، التي ترى أن تكامل البلدين خطوة ينتظرها شعبا وادي النيل. ووجه البشير لوماً مبطناً إلى القيادة المصرية السابقة، لعدم تنفيذها اتفاق الحريات الأربع الموقع بين البلدين «التملك، التنقل، الإقامة، والعمل» رغم تنفيذه كاملاً من جانب السودان، وقال إنهم اتفقوا مع القيادة المصرية الجديدة علي تنشيط الاتفاقية . وتحدث عن ضرورة الأمن الغذائي خلال المرحلة المقبلة بعد ما بات الغذاء وارتفاع أسعاره مهدداً للاستقرار، وقال إنهم اتفقوا مع القيادة المصرية الجديدة على إقامة مشروع مشترك للأمن الغذائي بزراعة القمح في سهول أرقين في شمال السودان، حيث تتوفر الأراضي الخصبة والمياه، وستمد مصر الكهرباء إلى المشروع، وتوفير طاقة رخيصة، كما ستمد مصر أنبوباً من الغاز إلى المنطقة لتوليد الطاقة، مشيراً إلى انه طرح هذا المشروع على القيادة المصرية السابقة، لكنها ردت بأن أميركا لن تسمح بذلك،وركز على ربط البلدين عبر ثلاثة طرق اكتمل منها اثنان وهما الطريق الساحلي من بورتسودان إلى السويس،ودنقلا حلفاأسوان، بجانب طريق ثالث وقع عقد إنشائه ، على الجانب الغربي من النيل،وربط البلدين أيضا بالسكة الحديد. ووقف البشير وقيادات الأحزاب المصرية، ورفعوا أكفهم إلى السماء ترحماً على أرواح شهداء الثورة المصرية، واعتبر الثورة بداية مرحلة جديدة تعيد مصر إلى دورها الريادي في المنطقة بعد أن تراجعت في المرحلة السابقة، ورأى أن كثيرا من المؤامرات التي تعرض لها السودان كانت بسبب غياب الدور المصري، لافتا إلى أن مصر ستعود إلى دورها الطليعي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.