كرّمت رئاسة الجمهورية رئيسي صحيفتي (الصحافة) و(الأحداث)، الأستاذين المبجّلين النور أحمد النور وعادل أحمد الباز، بدعوتهما لمرافقة فخامة رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير في زيارته (التأريخية) لأرض الكنانة مصر، والتي امتدت ليومي الثلاثاء والأربعاء المنصرمين. وكنت (على الصعيد الشخصي)، سعيداً جداً، بهذا الاختيار لأسباب تبدو (عاطفية)، فالنور رئيس تحرير (الصحافة)، والباز كان رئيساً لتحرير (الصحافة)، وأنا أحب (الصحافة)، ومن الحب ما قتل. (الصحافة) بالنسبة لي ولزملائي في صالة التحرير، أكثر من (صحيفة)، قال أحد الزملاء لحبيبته: (بوسعك أن تجلسي حيث شئتِ ولكن حذار بأن تجلسي في مكان الصحافة). وما كان هذا سيكون لولا منظومة القيم التي أرسى دعائمها الأستاذ الباز، وعضّ عليها بالنواجز و(عززها) الأستاذ النور. وبعيداً عن (الترويج).. في تقديري أن (الصحافة) من أحلى وأرقى وأصفى الصحف، وبشهادة (الأعداء قبل الأصدقاء)، ذات قدر عالٍ من (المصداقية المهنية).. ومع ذلك لا ندعي أننا أكثر (براءة) أو وعياً من غيرنا.. ولا ندعي بأننا نأينا ب (كاملنا)، عن كل ما يحِّرف ويشوِّه ويلوِّث ويفسد الممارسة الصحفية، في المشهد الإعلامي العام، لكننا نسعى جاهدين كل صباح، لمكافحة ما لحق بذواتنا من ضعف بشري جرّاء مكابدة مشقة ممارسة هذه المهنة، وعُسر الإخلاص لها، في هذا الزمن العجيب.. نقابل هذا الضعف البشري ب (التسامح) حيناً، وب (الصرامة) أحايين كُثر. قلت نكافحه أحياناً ب (التسامح)، رغم تقديري لما ذهب اليه أدونيس (علي أحمد سعيد)، من ان مفهوم (التسامح) ينطوي ضمناً على تمييز، ولا يخلو من تمويه يسهم في خلق كونية زائفة. الصحفي يتوجه إلى الرأي العام، وإلى لا أحد كما قال نيتشة في حديثه عن (المثقف).. الصحفي يتوجه الى الرأي العام وإلى لا أحد، ليعالج مشاكلَ تبدو جوهرية وشاملة ومرتبطة بمصير المواطن، وبالسياسة والعدالة والقانون، ولهذا فالصحافة معنية بالدفاع عن (النزاهة)، و(الاستقامة)، وكان الصديق عادل الباز (ابان توليه رئاسة تحرير الصحافة) يشدد في اجتماع التحرير على كلمة Integrity، ويضغط عليها ب (أسنانه).. لذا وجدتُ نفسي غير مرتاح، وأنا أطالع صحف الأمس: جاء في صحيفة (الأحداث) وفي صدر الصفحة الأولى وبالبنط العريض: البشير ل (الأحداث).... وحملت الصفحة صورة فخامة رئيس الجمهورية وهو يتحدث للباز، أما صحيفة (الصحافة) فقد جاء في صدر صفحتها الأولى: في حديث إلى (الصحافة) و(الأحداث) البشير.... وحمل صدر الصفحة الأولى صورة لفخامة رئيس الجمهورية وهو يتحدث إلى الأستاذين النور أحمد النور وعادل الباز، وكلاهما يكتب حديث الرئيس أحدهما بقلم (بيك) والآخر بقلم (فرنسي). بعد قراءة (الأحداث)، وجدت نفسي مضطراً أن اصرخ بصوت عالٍ: (كل هذا الضوء مقابل قطعة صغيرة من الحياة). ليه يا عادل!!