تلك الظهيرة جئنا علي عجل، الكل فكر في أسبابها الدعوة، لكن لم يتأخر أو يعتذر أحد، الفكرة كانت جزء من أحلامنا المشتركة أول تعلقنا بالفنون التمثيلية ، أيامنا الأولي حدثنا أنفسنا عن معني اللقاءات والحوار والمتابعة و تبادل الأفكار والإطلاع علي التجارب والمشاهدة للعروض الجديدة أو استرجاع القديم منها ، الفنون التمثيلية لا تبدو في قدرتها علي التعبير دون شراكة تؤسس لها اختيارات واعية ومدركة لتقيم التعدد والتنوع ، والرهان علي الاكتشاف والبحث عن الصيغ المغايرة . والمسرح رهبه فيه الكثير يومها ولا يزال من مشكلات القبول أو تغيير الاتجاهات فيه فلا يقال ذاك مذهب واقعي ، وتلك حيره بين المدارس ، أو أنها محاولات مستلبة ، لا نعرف في الفعل إلا الصورة الخارجية تغيب عنها موجباته الإبداعية ، وتعجز عن الوصول إلي الملهمات التي دفعت في النتائج لتعبر عنها بالشكل الأمثل خاصة في تلاقيها مع المحيط والأوساط والمجتمعات التي تقدم لها إبداعاتها . لذا أفكارنا تلك كانت تذهب في اتجاه التعابير التي ما عنت التعنت و الانغلاق ، لا ( السودنه ) كانت تعني أن تحيل النصوص حتى العربية منها إلي فضاء سوداني في تفاصيله . ( فرحله حنظله ) أو ( السلطان الحائر ) وغيرها من الروايات العربية النظر إليها وقتها كان مثل ( الثمن ) ل (أرثر ميلر ) و ( أنظر إلي الخلف في الغضب ) ل ( جون اسبون ) . كنا نبحث بعد مرحلة التأسيس بالروايات الفخيمة ( المك نمر)ل ( إبراهيم العبادي ) و ( خراب سوبا ) ل ( خالد أبو الروس ) ثم الوقت الأخر بدخول كتاب جدد أخذوا الواقع إطاراً ، دخلوا في تفاصيل المجتمع ، و في الوسط كنموذج ، عرضوا شخوصاً يعرفها الناس يمشوا إلي جوارها في الأسواق . ( بدر الدين هاشم ) ( حمدنا الله عبد القادر ) روايات تمثيلية ساهمت في اندفاع الجمهور للمسرح القومي أم درمان ، مواسم راتبه ، و( الفكي عبد الرحمن ) بفكره الخلاق يستدعي شباب جدد إلي فضاء المسرح السوداني ، جاءوا من الجامعات الأقرب في كليات الفنون ، كلية التربية ، و من كلية الفنون الجميلة ، و أحالوا الساكن إلي متحرك إيجابي ، تفاعلوا مع أفكار الأب المؤسس وهو المعلم الفنان ، ترك لهم ( الفكي عبد الرحمن ) أخراج المواسم ، عروضها . تنوعت الأعمال ، كلها كانت في مرحلة الفكرة الأولي ، أو التجارب الإخراجية المبكرة ، و الآباء المؤسسين في حضرة الفكر الجديد حاضرين ترحيباً و شراكة ( أحمد عثمان عيسي ) ( حسن عبد المجيد ) ( الفاضل سعيد ) ( عثمان المصري ) ، وأستمر التجديد والنظر إلي الآفاق الجديدة ، وانتظرنا أدوارنا ، ننظر كلنا بكل التقدير للحركة المسرحية تزدهر تحاول أن تفرد لنا في المسيرة مساحة تحمل من التغيير الكبير ، لكنه في الطرح كان لا يبعيد كثيراً عن الإطار الأشمل لحركة الفنون التمثيلية . تلك حقبه تمتد في بعدها لعقود تزيد عن الأربعة قبل ميلاد مهرجان أيام البقعة المسرحية في العام 2000م مع ميلاد الألفية الثالثة وتحفظات الناس بعضها ، وحكايات الرقمية وتأثر التقنية بفارق ( الصفر ) وعملنا للصفر قيمة وأن جاء خلف الرقم . تركت تلك السنوات أثرها علي دعوتنا لتأسيس المهرجان ، جديد يحمل بين يديه عطر البدايات عبر شباب المسرح . أنظر إلي الوثيقة التأسيسية للبقعة المسرح والمهرجان ( فضاء يتيح للجميع فرص العرض والحوار ، ويمنح بالتساوي ما عنده من قدرة علي الاستماع و التشاور ) ، وجلسنا تلك الظهيرة نفكر في إعلان المهرجان حكايات أخري في دهاليز قادمات لكنها جعلت من المهرجان وأيامه المسرحية حدثاً له بعده القطري وكان هذا في الخاطر أولاً ، أن نفتح بين المركز إذا كان هناك مركز في حالتنا الفنية . سألت شيخي المفكر والفيلسوف الدكتور ( عبد الكريم برشيد ) كنا نجالسه في ( الكويت ) تحدثنا عن الاحتفالية ونرد ونعتقد أنه صاحب المنهج و يرد :(أنت صاحب الاحتفالية العربية الأفريقية ) ونضحك للأوسمة التي يلبسني لها ، وأعيد سؤالي عن المركز والهامش ، يقول : ( يا سيد أنا المركز حيث أقف ، و الآخر الهامش حيث يكون ) و كنا في البقعة المسرح والمهرجان نهدف إلي تحول المفهوم إلي أن يرقي لأتساع الفهم له واستيعابه للآخر . جاءت الدورة الأولي للمهرجان وهي تقدم عروضاً من المركز إذا كانت الخرطوم مركز لكن الناظر في التفاصيل الأدق يشهد أن المبدعين خلفها من أطراف الوطن الكبير . إذا لا مركز ولا هامش غاب منذ البداية عن دعم الفكرة وتطويرها وترقيتها إلي وصلت الآن إلي كونها فضاءً دولياً . وفي دورات المهرجان تعلمنا كيف يمكن أنا تكون الشراكة بين ما نقول عنه دائماً وبإعزاز كيانات المجتمع المدني الثقافي وبين المؤسسات الثقافية الرسمية . المهرجان و لياليه المسرحية دفعت كل عام إلي حركة الفنون التمثيلية بالمئات من الناشطين في مختلف المجالات والمستويات في الأداءات المتعددة والمتنوعة كتابتاً وتمثيلاً وإخراجا وفي النقد والدراسات والبحث العلمي وبناء الصورة ألمشهديه . البقعة التي تحتفل بيوم المسرح العالمي ولأول مره من أفريقيا ونيابة عن العالم تستحق أن نعلن عنها في افتتاح عرسها أنها تجلس علي عتبات النظر للعالم والمشهد عندها يكتمل في دورتها الحادية عشر، قطرياًاستطاعت البقعة الفكرة والمسرح والمهرجان أن تشكل في هذه الدورة المزيد من الدعم للمسرح في ولايات السودان ، (كردفان ) الكبري شهدت ولأول مره تظاهرة مسرحية بمشاركة أربعة فرق مسرحية في حاضرتها ( الأبيض ) ، تنافس وحوار . ثم تنتقل لجنة الاختيار والمشاهدة إلي خمسة مدن آخري في ( الجزيرة ) و( كسلا ) ومهرجان ( البحر الأحمر ) ثلاثة عروض في ليلتين القمر شاهداً علي صفائها وانتظامها ، عروض تخللنها أشعار وأغنيات وازدان دار إتحاد الفنانين والأدباء في ( بورتسودان ) ، و ( عطبرة ) تدفع بالأسئلة المفروضة في عروضها . وتصل للمسابقة الدولية ثلاثة عروض من ولايات السودان وتتكامل العروض بتسعه من الخرطوم عموم سبقت الهيئة المديرة للمهرجان بمنهجها الجديد ودعوة المخرجين الذين شاركوا في الدورات العشرة الماضية وحصلوا علي جوائز المهرجان للمشاركة في هذه الدورة وهي مفتتح لعقد جديد تذهب مع الاتجاهات والعثور بينها الاجتهادات علي المدارس الجديد في فنون العرض . شارك في المسابقة التمهيدية تسعه وعشرون عرضاً مسرحياً تختلف في موضوعاتها ، وتناولها ، وتكوينها ، لغتها ، والمفردات عندها تجمع بين الفصحى والدارجة ، النص العربي ، والمترجم ، و ( المسودن )، والسوداني . كتاب قدامي جدد ، ومخرجين تجاربهم متصلة ، رواد الحركة المسرحية وشبابها وأجيال في الوسط كانوا حضوراً في المسابقة التمهيدية . أحدي عشر عرضاً تم اختيارهم بدقة بالإضافة إلي قبول عرضين ، الأول قطري شارك في الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، والثاني هولندي يقدم تجربه جديدة لمسرح الموسيقي ووسائط المسرح الحديث تجربة تستحق أن يشاهدها المتفرج السوداني الذي ظل يدعم مهرجان البقعة ويشارك ويحضر . البقعة تبحث في ملتقاها العلمي الثامن والذي ينظم بالتعاون مع إتحاد الكتاب السودانيين ( التأليف المسرحية تجارب وتقنيات ) . البقعة تكرٍم واحد من رموز المسرح السوداني ، كاتباً مبدعاً طرح مشروعه الإبداعي في وقت كانت الكتابة للتمثيلية الإذاعية فيها من المعضلات الكثير ، سمعنا شخوصه الأهم عبر الأسير ثم انتقلت إلي فضاء المسرح تجدد وتعبر عن واقع اجتماعي ، يسأل عن التغيير والإصلاح والتحديث ( خطوبة سهير ) و ( المنضرة ) مسرحيات شكلت علامات مدهشات في تاريخ النصوص المسرحية السودانية ( حمدنا الله عبد القادر ) شخصية هذا العام يكرٍم وينظر إلي إبداعاته بالتقدير وتطرح تجربته في الكتابة للبحث والدراسة . البقعة المهرجان فيها الكثير أهمها إنها تؤكد في هذه الدورة إنها تستحق أن نغيير اسمها بإعلان رسمي وتحولها إلي فضاء دولي .