تبدأ بولاية الخرطوم اليوم تجربة مخابز «سين» بطرح مليون قطعة خبز فى اليوم تباع مباشرة للمواطن بواقع ست «رغيفات» بسعر واحد جنيه، وكانت الآلية الاقتصادية للولاية التي يرأسها والي الولاية الدكتور عبد الرحمن الخضر قد قررت تعميم هذه التجربة على كل أنحاء الولاية، بهدف تحقيق الوفرة فى الأسواق المحلية، وثبات الأسعار وخفضها. وتأتي توجهات ولاية الخرطوم بهدف الحد من ارتفاع الأسعار وتمكين الشرائح الفقيرة من الحصول على المقومات الاساسية، وهو توجه يؤدي الى تغيير النمط الاستهلاكى للمعيشة عبر فكرة خلط الذرة والقمح، وهو توجه جديد على المواطن الذي ظل يعتمد على الذرة طيلة الحقب الماضية، ثم انتقل الى القمح في المناطق الحضرية، فهل يبدو من الصعب على المستهلك التأقلم على مقومات السياسة الغذائية الجديدة؟ «الصحافة» استفسرت مجموعة من المواطنين عن مدى تقبلهم للفكرة التى اتخذتها حكومة الخرطوم للحد من ارتفاع الاسعار أخيراً. ويرى المواطن عثمان الأمين ان فكرة الخبز بالدقيق المخلوط لن تنجح بسبب تقليدية المواطن السودانى وارتباطه بنهج الغذاء الذى قوامه «الكسرة والعصيدة»، لذلك من الصعب التغيير. والذين يسكنون المدن يعتمدون اعتمادا كليا على الخبز، لذلك سيكون التغيير صعباً في ظل التعود على شيء معين في حياتهم. ومن المؤكد ان الطعم سيأتي مختلفا تماما عن طعم الذرة والقمح. غير ان عثمان عاد للقول «قد تجد الفكرة القبول، لكن بعد فترة من بدء العمل بها». وقد اتفق معه المواطن حامد الحسن الذي قال إن المواطن السودانى ظل يعتمد فى غذائه على الذرة للكسرة والقمح للخبز، لذلك من الصعب قبوله فكرة الدقيق المخلوط، خاصة ان كل قبيلة لها وجبتها الاساسية التى تعتمد على الذرة او القمح، خاصة اهل الريف الذين يعتمدون على العصيدة. واضاف حامد: «اذا دعت الظروف شخصاً ما الى السفر الى اية دولة غير السودان، نجده يواجه صعوبة حتى يتأقلم على الغذاء الاساسى الذي تعتمد عليه الدولة» ويتساءل «كيف يقبل بتغيير غذائه الاساسى الذى اعتاد عليه منذ ميلاده». واكد حامد ان الفكرة فاشلة وعلى الدولة صرف النظر عنها. استشاري الاغذية الدكتور حامد عباس الفكي، قال ان فكرة الخبز المخلوط ليست بالحديثة في السودان، كما تمت تجربتها في بعض دول العالم الثالث، ولم تنجح الا في دولة السنغال التي تم فيها خلط القمح بالدخن، ولم يجرب خلط الذرة مع القمح الا في النيجر، وجاءت النتائج بنجاح منقطع النظير، غير ان تلك المعطيات غير متوفرة في السودان من النواحي الفنية والاقتصادية، فمن ناحية فنية فإن المشكلة الاولى التي تواجه تجهيز خليط القمح مع الذرة أنه يحتاج الي مساحة كبيرة، وهذه غير موجودة، بجانب ان طحن الذرة يتطلب تقشيره قبل خلطه، والمطاحن الموجودة مصممة لطحن القمح فقط، وانتاج الرغيف تحديدا يعتمد على كمية الجلوتين الذي تفتقر اليه الذرة، وعند اضافتها مؤكد انها تؤثر على جودة الرغيف، ولو اضيفت الذرة بكاملها الى القمح ستكون جودة الخبز رديئة، حتى اذا تمت اضافته في المخابز لن يكون الخبز المنتج مقبول للمستهلك. ومن ناحية اقتصادية حذر الفكي من ارتفاع اسعار الذرة نسبة لاستخدامها في تصنيع الخبز، وقال من المعروف أن الذرة في السودان تعتمد عليها الشرائح الضعيفة. وعند بدء خلطها مع القمح نكون قد نافسنا الفقراء في قوتهم برفع اسعارها، فبدلا من ذلك لماذا لا نعالج المشكلة بتنويع استيراد القمح. بينما جاء كلام الأمين العام لاتحاد المخابز عبد الرؤوف طالب الله، مغايراً بعض الشيء لما تحدث عنه خبراء الأغذية. وقلل من عدم قبول المستهلك للخبز المخلوط، وقال إن مسألة القبول نسبية، فطعم الخبز المخلوط مقبول الى حد ما، وبالطبع قيمته الغذائية أقل من خبز القمح. وعن استخدام المحسنات أكد على استخدام الأنواع الطبيعية منها، مبينا أن لكل شيء محاسنه ومساوئه، ولا بد من المعالجات حتى يتم التوصل إلى الشكل المقبول.