ولأن التظاهر علني ومكشوف وفي الشارع العام والذي هو ملك للجميع ، ويمكن للمواطن أن يمشى فيه ، أو يعكس أفكاره وفق رؤيته لمجمل القضايا الراهنة ، وكل منغصات العيش الكريم في هذا البلد الأسير لنزوات الساسة ، ومن حقه التظاهر كذلك ،ضد أية سلطة أو نظام يهدر موارد وإمكانيات الدولة ، ويتماهى مع الفساد والمفسدين ، ولأن التظاهر عيان بيان يجعل الشعوب تتنفس وتخرج مابها من آهات وآلام وأحزان السنين ، ولكن إذا منع هذا الحق وهذا التنفس الطبيعي ، فسوف تبحث هذه الشعوب عن وسائل أخرى ، والشعوب مشهود لها بالعبقرية في هذا الشأن ، وبل أن التظاهر لا يمكنك أن تمنعه لأبد الآبدين ، فعندما يتم قمع وكبت المتظاهرين وعدم إعطائهم الحرية للخروج سوف تحتقن النفوس وعندما تملأ السجون والمعتقلات وتفيض ، عندها سوف يحدث الإنفجار البشري ويعقبه الطوفان والسيل البشري وتماماً كما حدث في تونس ومصر والبحرين واليمن وعندها سوف تقف آلة السلطة عاجزة عن عمل أي شئ ، ولذا على السلطة أن لا يعتريها الغرور وكما يقول الكاتب الأستاذ حسن إسماعيل - صحيفة السوداني عدد الأحد 13- مارس الجاري عن شأن مظاهرة المعارضة وموقف السلطة وإعلامها منها:- (وهؤلاء الذين يعبون للإنقاذ من بحر الغرور إنما يسوقونها إلى حتفها ، والذين يزيفون لها صلادة الأرض من تحتها إنما يقودونها إلى السقوط وبئس المصير). التظاهر حق لكل صاحب قضية : ومعلوم منذ بروز الدولة الوطنية بشكلها الحالي وبروز مؤسساتها ، والمؤسسات الدولية الموازية وفي قوانين الأممالمتحدة ومنظماتها المختلفة ، أن التظاهر ورفض المظالم حق مشروع لكل صاحب قضية وكل من يرى أن حقوقه قد أهدرت وخاصة ضد الأنظمة المتهمة بالديكتاتورية والشمولية ، وعليه وفق قوانين الدولة المدنية متاح تكوين الإتحادات والهيئات النقابية للقطاعات المهنية والفنية المختلفة ، وحتى العمالية ، ولذا فمن المنطقي وفق القانون إذا ما حاول المخدم ظلم المخدم ، فهذا من حقه الإضراب عن العمل ، أو التظاهر لإنتزاع حقوقه ودائماً ماتأتي الحقوق غلاباً ، وكذلك منظمات المجتمع المدني ، والأحزاب السياسية ، والتي من حقها التظاهر والتعبير عن مطالبها بشكل سلمي ، وهذا حق مشروع ، متى ما كانت هناك قضية جادة تستوجب الحل العاجل وليس الآجل ، وماضاع حق وراءه أهله . مابين أنظمة ديمقراطية وشمولية : ونحن هنا نتحدث عن تاريخ ،و تاريخ حركة السياسة في السودان بصفة أخص ،فالسياسة في هذا البلد منقلب الأحوال يحمل مزاج معظم أهل البلاد ، ونسبة لطبيعة الصحراء القاسية ، وإرتفاع درجات الحرارة لمستوى لايطاق ، مما يخلق توتراً يصبح الإنسان عصبي المزاج ، وهذا ينعكس على حالة المعاملات وتأتي على رأسها التعامل السياسي ، والذي يصبح مجالاً للعنف والعنف المضاد . وإذا أجلينا النظر في تعاقب الحلقة الجهنمية ، إنقلاب، حكم مدني ،وثم إنقلاب وهكذا ، نجد دائماً أن الساسة وبإستخدام المكر والمكيدة ، هم من يدعمون العسكر لإستلام السلطة بكل سهولة ويسر على طبق من فضة ،حدث هذا بين عبد الله خليل وعبود ، فعبد الله خليل أراد أن يضرب تحالف المصريين( الضباط الأحرار) ومبعوثهم صلاح سالم مع حزب الإتحادي الديمقراطي بشقيه ،ومن الأشياء الطريفة أن السيدين بعد إنقلاب عبود ، ذهبوا للإمبراطور هيلاسلاسي حتى يتناقش مع المجلس الأعلى لكي يتنازل من السلطة للأحزاب ، عندها ضحك هيلاسلاسي قوة الثالوث المقدس وقال وهو يقصد الضباط الذين حققوا الإنقلاب :- (ان خروج الأسد من قفصه سهل ولكن المشكلة في إرجاعه للقفص مرة أخرى) ، ولذا فإن الامبراطور (قوة الثالوث المقدس) يقال إنه ضحك ملء شدقيه مستعجباً كيف أن هؤلاء القوم سلموا السلطة للعسكر واليوم يريدون إرجاعها لهم مرة أخرى !! . كما ان هناك مثالاً آخر حدث في تسعينيات العام الماضي ، وهو ان الدكتور حسن الترابي الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية أيام الديمقراطية كان يخطط لانقلاب الإنقاذ الحالي ، وبعد التخطيط ودقة التنظيم ونجاح الإنقلاب وتسلم السلطة ، ولكن لخلافات شخصية أو منهجية حسب إدعاء كل طرف ، فإنه قد تم تشريده والى الآن فالرجل قد سجن 7 مرات ،ويحاول منذ خروجه عن السلطة وتكويين حزب المؤتمر الشعبي إستعادة السلطة المفقودة ، والرجل يحاول إخراج المظاهرات والتحريض علي الإضراب لما يملكه من ملكات ومعرفة الأسرار بحكم عمله السابق ، ومع كل هذا فإن الرجل لم يستطيع أن يستعيد المجد والملك الضائع من براثن العسكر وفشل في إرجاع الأسد إلى عرينه وهذه مشكلة من يثق في العسكر . خير للحكومة ألف مرة التظاهر : وفعلاً لأن التظاهر علني ومكشوف وفي وضح النهار والشمس في كبد السماء ، ولايضر الحكومة ذلك في شئ ، وإذا كانت تخشى الإنتفاضات العارمة والتغييرات التي حدثت في مصر وتونس ،فهي بعضمة لسانها تقول إن المعارضة لا تستطيع تحريك الشارع، وثم أن الإسلاميين هم فقط من يحركوا الشارع وينجحوا المظاهرات ، وفعلاً أن في الجزئية الأولى نصف الحقيقة وحقيقةً أن المعارضة ضعيفة وتمارس الكسل السياسي وإستطاع إعلام السلطة تشويه صورتها لدى الجماهير وأعطى إنطباعاً بأن المعارضة لاتستطيع أن تفعل شيئاً ؟ وحتى أن قواعد المعارضة ذاتها صدقت أحاديث السلطة هذه ،وأقعدت الى الأرض، ولكن وباستقراء بسيط لما حدث في تونس وبعدها مصر أن هذه الثورات ، قام بها رجل الشارع العادي والذي لاينتمي لأي حزب سياسي ، وقادها الشباب وهم لايعرفون اسماء الأحزاب الموجودة حتى ، هبوا لأنهم يعانون يومياً من شظف العيش ومن المواصلات ومن شح المصروفات ومن البطالة ، وتحرك العجائز وأرباب المعاشات وربات البيوت ، وبعد أن تمكن المتظاهرون من إحتلال ميدان التحرير وإستعصى على قوى الامن الآمر ، حينها خرجت الأحزاب السياسية من جحور النسيان ، تنفض عن أجسادها غبار خمسين عاماً ، قضوها في الخوف من قهر السلطة الباطشة الديكتاتورية ، وثم ثانياً فإن للشعب السوداني تجربتين في إسقاط الأنظمة العسكرية الشمولية ، ففي إكتوبر شارك الإسلاميون مع غيرهم من الأحزاب وفي أبريل لم يشاركوا ولكنهم كانوا في دهاليز السجون وكانوا سوف يلاقون مصير الحزب الشيوعي على أيدي نميري ، ولكن أخرجتهم الجماهير الصادقة ولكنهم ماذا فعلوا ؟ ولما تنقضي 4 سنوات هي عمر التجربة الديمقراطية الثالثة عادوا يمتطون الدبابات وليدخلوا قصر الرئاسة وثم لتقسمهم السلطة والسلطان عرضاً وطولاً . الكبت يولد الإنفجار : وفعلاً لو منعت المعارضة من التظاهر ، والتعبير عن نفسها وعن رؤاها ، وعن مشاكلها وعن مظالمها ، وعن معتقليها ، و خاصة أن جهازالامن متهم بتعذيب هؤلاء المعتقلين ، وبل بإغتصاب المعتقلات ، وفي ذات الوقت يتم إحتلال المكان المفترض أن تقام فيه وتبدأ التظاهرة ، وتسيطر السلطة على مفاصل كل شئ وخاصة الإعلام ، ولا تتيح للمعارضة أية فرصة للبوح بمعاناتها أو ما تعانيه الجماهير من مشاكل الحياة اليومية في ظل أوضاع أقل ما يمكن وصفه بها أنها قاسية ومجحفة ، وهناك مشكلة في تردي وتدهور الخدمات ، وخاصة في التعليم والصحة والترحيل ، والغلاء الفاحش في الأسعار وزيادة أسعار المواصلات مما أثقل كاهل المواطن ، وزاد عدد العاطلين من خريجي الجامعات عن العمل ؟ وحتى الذين يعملون يتظلمون ويضربون ويعتصون لإصلاح أوضاعهم المزرية ( الأطباء) وعندما ضاقت بهم السبل وجدوا أن الهجرة هي خير حل ، ولسان حالهم يقول : ولعمري ماضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق وفي ذات الوقت السلطة متهمة بالفساد وبأنها غير نظيفة اليد ، مما خلق غبناً داخلياً مريراً وتراكمات من الآلام والعسف تحول الى إحساس عارم بالكراهية والقرف يجتاح الدواخل ويجعل الدم يغلي في العروق ، وينفجر ضد كل شئ ،ويتخطى المعارضة المتهمة بالضعف ، ليتحدى صلف السلطة ، في موجات وكتل بشرية من الشباب اللامنتمي لغير هذه الدول الوطنية ذات الأنظمة الشمولية القمعية ، وحدث هذا في تونس وفي مصر وغيرها . هذة المظاهرات التي قام بها الشباب في هذين البلدين لم تأخذ لها أذناً مسبقاً من السلطات ، ولو كان أخِذَ لها إذن لما حدث التغيير ، ولاتوجد فرصة لأحزاب المعارضة سوى ركوب الموجة الشبابية للخلاص ، وعندها فقط سوف تسعى السلطة للتنازلات ، وفتح باب الحوار واسعاً ولكن المظاهرات والسيل البشري الذى يغلق المداخل والمنافذ ، ويشل حركة الجهاز الأمني للنظام لا يجعل الحوار ممكناً مع من يفتقد الشرعية إلا عن جملة يرفعها المتظاهرون (الشعب يريد إسقاط النظام ) ويقبل المتظاهرون فقط عن الحوار عن الآلية التي يتم بها تنحي الرئيس أو جعله ......... هل التظاهر فرض عين أم كفاية : وقبل المظاهرة بيومين ذهبت بعض الصحف تروج في المدينة وإستباقاً للمظاهرة التي أعلنت عنها عنها قوى الإجماع الوطني ، تروج هذه الصحف عن عمل تخريبي يوم الإثنين 7 مارس وذلك نقلاً عن إس إم ٍسي (المركز السوداني للخدمات الصحفية ) ، ولكن مر يوم الإثنين وبعده الثلاثاء ولم يحدث شئ ، وهذا أمر عادي ومن الواضح إنها مجرد فبركة إعلامية وذوبعة في فنجان ، ولكن لم يسأل ولم يحقق أحد مع هذه الصحف والدار التي أوردت عن خطة التخريب هذه ، ولم نسمع شيئاً ونرجو الإفادة، وقد تكون هذه الفبركة الإعلامية مقصود بها مظاهرة المعارضة المعلن عنها بالأربعاء 9 مارس الجاري وقد أعتقدت هذه الجهات أن مظاهرة المعارضة سوف تهز الخرطوم هزاً فلجأت لهذا العمل الإستباقي ، ولو صبرت لأغنتها المظاهرة عن إشاعة هذا الجو من الهلع والرعب . وجاء يوم الأربعاء وإحتلت الشرطة والأمن ميدان أبو جنزير كما تقول المعارضة لذا فشلت المظاهرة . ولكن يحضر الأستاذ محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي ولم يجد أحداً ، وليتم إعتقاله ، هذا الأمر لو حدث قبل خمسة أعوام قبل ظهور معجزة الفيسبوك لصدقناه ولو حدث قبل عشر سنوات قبل ظهور كرامة الموبايلات ، لصدقناه كذلك ، ولكنه يحدث الآن ، هذا يعني أن هناك ضعفاً في التنسيق والإتصال بين قيادت الأحزاب ، وهذا ماعبر عنه أستاذ إبراهيم الشيخ عن ماحدث من ضرب للتأمين (وإعتقال طارق عبد المجيد وخضر عطا المنان ومحمد ضياء الدين) ولكن حتى في مثل هذه الحالة فإن عدم التنسيق لحظة بلحظة قاتل وأين الخط الثاني والإحتياطي لمنظمي المظاهرة، لأن مثل هذه الربكة تصيب المعارضة في مقتل ، وتصيب الجماهير بالإحباط ، والمظاهرة تفشل ، ولأن تفشل المعارضة متحدة خير لها من أن تفشل وهي مبعثرة مثلما ما حدث في يوم الأربعاء ، ولكن لا أري سبباً واحداً يجعل الحزب الشيوعي يتخذ قراراً منفرداً بالخروج وأن نقد قد نفذ قرار الحزب، وماهي النتيجة لإعتقال الأستاذ نقد والإحتفال به من قبل الأمن وتكريمه ليس حباً فيه وإنما لأن المظاهرة قد فشلت ، وفعلاً المهم هو إنجاح المظاهرة حتى ولو جزئياً خير وأنفع ألف مرة من إعتقاله ، وأقول هذا له وهو خير العارفين ولأنه قضى نصف عمره في الإختفاء لما تقتضيه المرحلة الحالية . وكما جاء أن الإمام الصادق المهدي خارج السودان ، ومع أن قيادات حزبه موجودة ام أن هناك سبباً آخر لغياب حزب الأمة ؟ ان الأمر يتعدى مجرد التنسيق والإتصال ليصبح الامر في عمق برنامج المعارضة ومجمل رؤاها تجاه نظام الانقاذ والحوار معه أم إسقاطه ؟ مما حدا بالمؤتمر الوطني أن يقول :-( إن مايسمى بقوى الإجماع الوطني ما هي إلا عبارة عن خمسة أشخاص!!) وكما جاء في صحيفة الميدان عدد الأحد 13 مارس الجاري :- (من ناحية أخرى إتفقت أحزاب الشيوعي والشعبي والبعث العربي الإشتراكي على عدم جدوى الحوار مع مستشارية الأمن ) هذا يعني أن هناك أحزاباً مع الحوار وهناك إختلاف حول الرؤية ومصداقاً لما قاله الأستاذ الطاهر ساتي في مقاله اليومي بالسوداني :- (كل القوى السياسية - الحاكمة والمعارضة - سواسيةً عند الشباب من حيث البرنامج غير الطموح والقيادة غير المواكبة تلك صنيعة يجب أن تواجهها القوى السياسيةُ بشجاعةٍ ، حتى الحزب الحاكم صاحب السلطة لم يعد يملك من الشباب غير الفئة التي إذا إجتمعت في قاعة الشهيد الزبير ، تغلق سياراتها الشوارع المحيطة بالقاعة) ولقد لخص الموضوع تماماً عن أحوال الحكومة والمعارضة ، وفعلاً في يوم المظاهرة كانت أعداد الشرطة والأمن أكثر من المتظاهرين وسيارات الأمن أكثر من أعداد رجال الشرطة والأمن . وإذن فقوى الإجماع الوطني تحتاج لوقفة وتقييم لمجمل هذه الأحداث ، والإتفاق على رؤية واضحة سلباً أو إيجاباً ، حواراً مع النظام من عدمه ، وتحتاج المعارضة لإعادة ثقتها في نفسها وتمليك برامجها وتكتيكاتها للجماهير حتى لاتسمع تشويهاتها من الإعلام الحكومي ، وكما قال الإستاذ الكاتب حسن إسماعيل في شأن التحضير للمظاهرة وعدم حضور أحد :- ( لأن العقلاء لاتجمعهم مثل هذه الدعوات السطحية والإعداد الفطير ، إن التظاهر ضد الإنقاذ ليس بفرض كفاية ) . وفي هذا المقام فإنني لا أريد أن أسدي نصحاً لشيوخ وقيادة قوى الإجماع فهم أدرى مني بذلك لأنهم من صقلتهم التجارب وعركتهم دروب النضال الوعرة وقاوموا سلباً وحرباً ولكنني أتحدث كمواطن سوداني يؤرقه جغمسة المعارضة ودغمسة النظام ، فأصبح قدره أن يكون بين مطرقة النظام وسندان المعارضة . [email protected]