يترجل عجوز شركة اسمنت عطبرة عن جواده بعد سنين طويلة قضاها عاملا في نقل الصخر والحجر إلى مطاحن شركة اسمنت عطبرة التي بنى من خلالها العشرات بل المئات من الناس منازلهم في الداخل والخارج، والكثير من تلك البنيات الشاهقة كان لرجلها العجوز الدور الأكبر في نقلها وتوصيل الحجر إلى حضن مطاحن الشركة، ومن ثم تفتيته وتحويله إلى مادة قابلة للبناء. كما أن سبب مولده كان اقتصاديا فإن سبب ترجله يبدو كذلك اقتصاديا، فقد قال بعض العارفين إن تكلفة نقل الصخر عبر كبري أم الطيور الجديد اقل، خصوصا أن شركة اسمنت عطبرة حولت أكثر نشاطها للضفة الغربية للنيل، حيث تم بناء مصنع ضخم لصناعة الاسمنت تتوافر في قيامه الشروط الصحية المفترض توافرها في قيام المجمعات الصناعية، وفق تلك التجارب التي أجريت، كما قال أحد المهندسين المتابعين، ووفق أحدث الاجهزة القادرة على الكشف عن التلوث البيئي والضوضائي، حيث كان يعمل هذا الناقل في نقل الحجر من مناطقه إلى مقر المصنع بالضفة الشرقية. وأُحيل هذا الناقل إلى المعاش، وهو يعلم تماما حجم الجهد الذي قام به من تسهيل إلى تقليل تكلفة الإنتاج لتلك الصناعة المهمة، ومثل أي محال للمعاش بعد استراحة المحارب الطويلة التي قضاها عاملا دون كلل أو ملل، فماذا حل به وأية أرض سكن، وتلك الجرادل المميزة له كيف تمت الاستفادة منها، هل بيعت أم أدخلت إلى ورش إعادة البناء لإعادة تقييم وضعها، أو صهرها، أم أنها تركت لا حول لها ولا قوة. الناقل الهوائي لشركة اسمنت عطبرة يعتبر تاريخاً مهما ميز مدينة عطبرة لسنين طويلة، باعتبار انه أطول ناقل هوائي في إفريقيا، وكان رغم التوقف الذي يصاحبه أحيانا، تعرف من خلاله إسرار شركة الاسمنت إذا كانت تعمل أم هي متوقفة، مما يعني أن عمله يدل على عمل الشركة، وتوقف جرادله عن المسير يخبر عن عطل كبر أو صغر. والآن أسلاك الناقل الهوائي تبدو للناظر إليها والطيور تتخذها وطنا موقتا لها، كأنها أصبحت لا تستطيع حمل أكثر من تلك الطيور. شكرا لك أيها الناقل، فقد خدمت لسنين طويلة دون كلل أو ملل، ولم نتخيل انه قد يأتي يوم تكافأ فيه بالسكينة الابدية، إلا انه كما لكل شيء بداية ونهاية، فقد حانت لحظات التخلص منك، لأن في الاقتصاد حساب الربح والخسارة، ولك أن تنظر الى أعمدتك التي تتحدى الريح في عنفوان، وتتساءل جرادلك ماذا سيحل بها والى أين مصيرها، وكيف تنظر إلى تلك الحجارة التي تتحول إلى تلك البدرة الناعمة المستخدمة لتبييض بعض منتجاتنا المهمة، أو قد تنظر وتجد أن أرضك التي عشت عليها سنين طويلة قد تحولت إلى مركز دراسات للاسمنت.