والحريات أيضاً تعني أن يحدد الدستور صراحة فصل الحزب الحاكم عن مؤسسات الدولة تماماً حيث تتوفر المهنية في دولاب الحكم دون أن تتأثر بمصالح الحزب وأهوائه والمحاباة لعضويته خصماً على حساب المواطن غير المنتمي للحزب الحاكم وفي هذا الإطار لابد من الفصل التام بين الحزب الحاكم والمواعين المؤسسية التالية : - الخدمة المدنية - القضاء- القوات النظامية - الاتحادات المهنية - الاتحادات الطلابية - اتحادات المرأة - المؤسسات والشركات العامة يجب أن ينفض الحزب الحاكم يده من كل هذه المواعين حتى يتوفر لها مناخ الاستقلالية والمهنية الكاملة بنص الدستور وتكمن أهمية هذا المطلب في تساوي الحزب الحاكم ببقية الأحزاب حتى يتساوى الجميع في المنافسة الشريفة عبر طرح المبادئ والبرامج وتقديمها للمواطن ليختار من يريد أن يحكمه فليس من المنطق في شيء أن يستولى الحزب الحاكم على كل مفاصل الدولة وحياة المواطن وينادي الناس من ذلك الموقع العالي ليقول ها أنا أقدم كل شيء للمواطن والأحزاب الأخرى لا تستطيع أن تقدم أي شيء ، أين العدل في ذلك ؟ خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الحزب الحاكم ينظر إليه أنه جاء عبر انقلاب عسكري ثم وضع كل شيء في جيبه من سلطات وأموال وتحكّم في مصائر العباد ويحكم قبضته ليحكم إلى الأبد مما يولد الاحتقان والشعور بالغبن عبر سنوات ممتدة لا تنقطع إلا إذا جاء دستور ديمقراطي لتحقيق العدالة تتساوى فيه فرص الجميع للفوز بالحكم . الهدف الثاني للثورة : تقديم الخدمات للمواطن : ولتوضيح وتحليل هذا الهدف فلننظر في أرقام ميزانية الدولة لنستخرج منها كيف يتم التصرف في الإيرادات القومية وما هي نسبة الصرف على كل بند من بنود الخدمات في الصحة البيئية والعلاجية والوقائية ونسبة الصرف على التعليم العام والعالي والبحوث ، والخدمات الأخرى من مواصلات وبنية تحتية ومياه وكهرباء ونقارن هذه النسب مع ما يتم الصرف عليه في مجال الأمن والقوات النظامية والمواعين السياسية والسيادية المختلفة في ولايات الوطن الممتد والسياسة الخارجية وغيرها من بنود الصرف الصورية ، من خلال هذه الأرقام المقارنة سوف نجد أن هناك فجوة كبيرة وانحطاطاً شديداً في نسبة الصرف على خدمة المواطن في حين أنه يتحمل العبء الأكبر في جباية الإيرادات من خلال نظام الضرائب خاصة الضرائب غير المباشرة ومساهمته في خدمات البيئة وإدارة المحليات .. إذن الثورة تريد أن ترى برميل الإيرادات القومية مقلوباً أي أن تنقلب أولويات الصرف لتكون نسبة الصرف على الخدمات في المقدمة وليس في القاع ، وبلغة الأرقام ترى الثورة أن تكون ميزانية الصحة والتعليم والخدمات الأخرى لا تقل عن 70% من البرميل علماً بأن أحد خبراء الاقتصاد السودانيين قد ذكر بأن من 60% إلى 70% من الصرف من الموارد يذهب للقطاع الأمني والعسكري و 10% للقطاع السيادي ، مما يؤكد حقيقة أننا في حاجة إلى قلب برميل الموازنة العامة رأساً على عقب . فالمواطن صاحب الحق في موارد البلاد يفترش الأرض في المستشفيات الخاوية على عروشها انتظاراً لشفاء عزيز لديه وقد لا يجد سريراً وقد لا يجد دواء وقد لا يجد طبيباً أو أجهزة فحص متقدمة لإنقاذ حياته .. وقد تكون متوفرة ولكن لا يستطيع لها سبيلاً لضيق ذات اليد .. منطق الثورة وأهدافها تقول لماذا لا يجد المواطن العادي العلاج في مستشفيات أرقى وأنظف وأكثر حضارة وتقدماً وبدون عناء .. لماذا لا يجد هذه الخدمات دون رهق أو معاناة .. لماذا لا تكون مستشفيات الدولة شبيهة بالمستشفيات الخاصة أمثال مستشفى الزيتونة .. نعم لماذا يتمتع بذلك القلة من الأثرياء ويُحرم منها المواطن العادي الضعيف وهو يمثّل الغالبية وصاحب الحق في برميل الإيرادات القومية .. ولماذا تصرف هذه الإيرادات بزخاً على العسكريين والسفارات والدستوريين وماذا سيضير البلاد إذا انكمشت ميزانية الأمن والدفاع لتكون في قاع البرميل فنحن بلد حباها الله بالأمن والسلام ونحن شعب طيّب مسالم ولسنا صومالاً أو ما شابه ذلك وماذا لو تقلص عدد سفاراتنا في الخارج ليكون الصرف عليها في قاع البرميل . إذا أردنا أن نكون دولة متحضرة علينا أن نؤمن بمنطق الثورة ونقوم بعملية ثورية لقلب نسب الصرف لصالح المواطن الضعيف والذي يمثل 90% من الشعب وهو صاحب هذا البرميل ويجب أن يتم الصرف عليه من هذا البرميل بأعلى نسبة لا تقل عن 70% لتطوير خدمات الإنسان في الصحة والبيئة والسكن والتعليم والمياه والكهرباء لخلق مجتمع الإنسان المتحضر المنتج بعد تأهيله وانتشاله من حالة التردي والضياع .. وهنا أقول إن السياسات التي تقوم بها الدولة الآن لمحاربة الفقر ما هي إلا التفاف على الأهداف الحقيقية للثورة وما يتباهى به الحكم الآن من مظلة تأمين صحي أو تمويل صغير أو أصغر كله في رأي الثورة ترقيع والتفاف على الحقيقة ولابد من العلاج الثوري الكامل بقلب البرميل وإعادة توزيع الإيرادات بالعدالة التامة لجموع الشعب كله لأنه هو صاحب الحق وهو الذي يمثل الأغلبية الساحقة المستضعفة . الهدف الثالث للثورة : رفع المستوى المعيشي والتوظيف العادل للمال العام : ويعني ذلك مراجعة دورة الأموال في الحركة الاقتصادية عبر المصارف لمعرفة كيف يتم استغلالها ومن المستفيدين منها ومن هو الذي يتحكم في توجهات تلك الأموال عبر القطاع الخاص أو القطاع العام . ومنطق الثورة يقول لابد من عقد محاسبة علنية لكل أصحاب السلطة في الحزب الحاكم ومؤسساتهم لإبراء ذمتهم أو مساءلتهم من أين لهم هذا ؟ لكشف الفساد المالي في القطاع الاقتصادي وتوجيه رؤوس الأموال لاستثمارات عامة لمصلحة المواطن بإنشاء مشاريع انتاجية توفر العمل والحياة الكريمة للمزارع والمنتج والحرفي في جميع المجالات ، ومراجعة سياسات الاقتصاد الحر التي أدت إلى تكدس الأموال لدى القلة وخلق طبقة متنعمة في المجتمع على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة وفك الاحتكارات والامتيازات لصالح أعضاء الحزب ومريديه ومؤسساته ووضع سياسات منحازه للطبقات المنتجة الوسطى والفقيرة خاصة السياسات الضريبية لتحقيق العدالة وفقاً لمنهج الإسلام ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء ) . وعليه فإن منطق الثورة يتطلب ثورة في السياسات الاقتصادية لصالح الفقراء ليمكنهم في الدخول دون عناء في دولاب الحركة الاقتصادية واجتثاث الفساد عبر محاكمات علنية بقانون من أين لك هذا ؟ يُقدم فيه كل مسئول في النظام الحاكم براءة ذمة . من خلال هذا السيناريو يجب أن يبدأ الحزب الحاكم بحل نفسه كحزب قابض على ناصية الأمور وتشكيل مواعين وطنية من مكونات المعارضة غير المؤطرة ورسم استراتيجية جديدة لإنفاذ أهداف الثورة المرتقبة أي علينا أن نرسم صورة خيالية لثورة نرى أنها حدثت وطالبت بأهداف الثورة الشعبية كما حدث في مصر وغيرها وأن هذه الثورة قد نجحت وقد استجاب لها الحزب الحاكم قبل حدوث أية خسائر أو مواجهات وتمكن بذكاء من استباقها بتحقيق كل مطالبها المتمثلة في الحريات الكاملة - الخدمات - إعادة ترتيب أولويات الصرف - وإحداث ثورة في السياسات المالية والاقتصادية لصالح الطبقات الوسطى والفقيرة . بهذا السيناريو يمكن تفادي خسائر الثورة في الأرواح والممتلكات والإعلان بكل شجاعة عن أخطاء الحكم والسير نحو أهداف الثورة وإلغاء كل مواعين الحكم الحالي ومؤسساته وإحلالها بمواعين من شباب الثورة والمعارضة غير المؤطرة في شكل حكومة تكنوقراط وطنية انتقالية وتكوين لجان فنية مستقلة لإعادة صياغة مسودة دستور دائم لتعرض على برلمان أو جمعية تأسيسية منتخبة وتشكيل لجان وطنية مستقلة لتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في الحريات الكاملة - الخدمات للمواطن أولاً - محاربة الفساد والحفاظ على المال العام وترتيب الأولويات . (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) صدق الله العظيم [email protected]