في مقالي السابق الذي نشرته الصحافة في يوم السبت الموافق 19/3 تحت عنوان هل يمكن تحقيق أهداف الثورة قبل وقوعها . ذكرت أن الساحة السياسية تتكون من ثلاث جبهات : 1- الحزب الحاكم ومن ارتضى النوم هادئاً تحت عباءته من أحزاب انشقت عن أصولها . 2- أحزاب المعارضة التاريخية . 3- الأحزاب والتنظيمات والفعاليات السياسية الصغيرة والأغلبية الصامتة ممن يقفون على الرصيف يرفضون كل ما يدور في الساحة من صراع ولا يثقون في الحزب الحاكم ولا أحزاب المعارضة . الفئة الثالثة المذكورة أعلاه كنت قد أطلقت عليها المعارضة غير المؤطرة وهي التي تمثل جموع الشعب المغلوبة على أمرها لا حيلة لها ولا وسيلة لديها للتعبير عن مطالبها المشروعة وصوتها خافت لا يصل لأجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فهي محتكرة جميعها لأحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة التقليدية . تلك الفئة - المعارضة غير المؤطرة - لا يسمع صوتها إلا من خلال الونسة في المجتمعات والمناسبات وفي المواصلات وفي أماكن الخدمات العامة من مستشفيات ومدارس ومواصلات وأماكن العمل حيث يجأرون بالشكوى من سوء الخدمات وشظف العيش ولكن لا يسمعهم أحد بل يسمعون بعضهم البعض وكأنهم يشكون لطوب الأرض يندبون حظهم في الحياة . هذه الفئة ترفض الحوار الذي يدور في الساحة السياسية بين الحزب الحاكم القابض على زمام السلطة يعض عليها بالنواجذ ولا يرى غيره مؤهلاً للجلوس على كرسي الحكم ويخاطب الجميع من موقع القوة والسلطة ويصل خطابه في كثير من الأحيان إلى التهديد والوعيد ، ومن الجانب الآخر يأتي الحوار من أقطاب المعارضة المنقسمة على نفسها بعضها يرغب في الحوار والبعض الآخر يرفضه ، وجميعهم يأملون إما في المشاركة في كيكة السلطة المختطفة منهم ، وإما المناداة بإسقاط النظام ، ولا حيلة لهم إلى ذلك سبيلاً سوى التودد للشباب وجموع الشارع للخروج في مسيرات الغضب ، ولكن بلا برنامج أو طرح يقنع هؤلاء لتلبية النداء ، والتضحية بمجابهة مخاطر الركل والضرب والبمبان وطلقات الرصاص الهوجاء التي يتوعد بها النظام الحاكم كل من تحدثه نفسه بالخروج في مسيرة الغضب أو يصل إلى ميدان أبو جنزير أو حتى الدعوة لذلك عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك ، ولم يسلم من الاعتقال حتى الشابات اللائي يتصفحن ويتخاطبن عبر ذلك الموقع الذي أصبح هو مراقباً مثله مثل ميدان أبو جنزير . في واقع الأمر فإن المعارضة المؤطرة تحاول التودد للمعارضين من الشباب ، والذين هم جزء من الفئة الثالثة غير المؤطرة ، والتي لا ترى ما يدفعها للتضحية والزج بنفسها في هذه المخاطر بدون برنامج أو بديل مقبول ، ويتساءلون عن البديل إذا ساهموا في المسيرات لإسقاط النظام الحالي ، وحقيقة أن الكثيرين يثيرون هذا التساؤل ، وبالرغم من مشروعية السؤال فنحن لا نرى فيه أي منطق ، لأن المطلوب هو تغيير النظام وليس تغيير الأشخاص ، تماماً كما حدث في ثورة تونس ومصر ، إذ لم تصل الثورة لأهدافها عند رحيل بن علي ومبارك بل كان عليها الاستمرار حتى يتم تغيير النظام من نظام فردي استبدادي متعالي يعمّر لعشرات السنين إلى نظام ديمقراطي مؤسسي عبره يختار الشعب من يريده ويحاسبه ويعزله متى ما شاء وفق آلية التغيير الديمقراطي . هذه الصورة القائمة الآن في الساحة السياسية والتي تمثل حالة الاحتقان ، وليس هناك ما يحسم هذا الصراع بين سلطة متمسكة بدستور مفصل عليها لا تسمح باختراقه ولا ترغب في تقديم تنازلات حقيقية لخصومها من المعارضة وترى أنها سيدة الموقف ولها الكلمة الأولى والأخيرة وغير مستعدة للجلوس إلى كلمة سواء ، وبين معارضة ضعيفة معزولة عن الشارع العام ، لا تقدم بديلاً مقنعاً للشارع للانضمام إلى صوتها لإسقاط النظام ، وكأنها تقول للناس نحن الذين يجب أن نحكم وليس الذين في كرسي الحكم ؟ دون أن يتم التغيير عبر برنامج يقتنع به الشارع ويلتف حوله لإسقاط النظام من أجل البرنامج ، وليس من أجل سواد عيون قيادات المعارضة . وبين هذين القطبين - الحكومة والمعارضة - تقف الفئة الثالثة صاحبة المصلحة في التغيير ، وهي مشحونة بالغبن والشعور بالظلم ، إذ لا تجد لها من مغيث وهي تعاني شظف العيش وتردي الخدمات ، وترى مالها يُصرف على الأمن والوظائف السياسية والسيادية وعلى السدنة بنسبة تفوق ال 70% من إيرادات الدولة ، والفتات الباقي للتنمية والصحة إذا كان هناك ما يُسمى تنمية أو صحة . والحال هذه ليس هناك خلاص من هذا الاحتقان إلا إذا قامت الفئة الثالثة بتأطير نفسها وتنظيمها من أجل اقتلاع حقوقها بالطرق السلمية والنظامية ، عليها أن تتجمع في حزب عريض بقيادة الشباب المستنير والتضامن مع أحزاب الوسط الصغيرة والتي تشكلت من رحم الأحزاب الوطنية التاريخية تحمل لواء التجديد والتحديث ، وترفع رايات الحرية وتنشد الحياة الكريمة للمواطن . على هذه الكيانات الصغيرة والمسجلة حالياً في سجل مجلس شئون الأحزاب ولكنها لم تجد صوتاً مسموعاً في الساحة السياسية أو في الإعلام ، عليها أن تتجمع في كيان وطني ديمقراطي كبير ، ليعبّر عن تطلعات الفئة الثالثة ، وبصوت مسموع لتفرض برنامج الطريق الثالث الشامل من أجل الحريات الكاملة ، والعدالة للجميع ، والفصل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة ، والاستقلالية التامة للخدمة المدنية والقضاء والقوات النظامية والإعلام ، لتبقى هذه المؤسسات ملكاً للجميع دون احتكار من الحزب الحاكم ، وبرنامج واضح من أجل التصرف العادل في الموارد ، والأولوية للخدمات ، وإنهاء شظف العيش وتهميش المواطن ، وتخفيض الصرف على الأمن والعسكريين ، والصرف على الوظائف السياسية الحزبية الهلامية والسفارات ، برنامج يعيد للمال العام براءته من الفساد والتغوّل وسوء الاستخدام والاختلاسات ، وتوظيفه فيما يعود على المواطن البسيط بالخير ويرفع عنه حالة الفقر والمعاناة ، برنامج يكفل للمواطن الحياة الحرة الكريمة ، والشعور بالانتماء والحق في وطنه ، والإرادة الكاملة للتقارب مع إخوته في العالم العربي والإسلامي والتكامل مع أشقائه في وادي النيل من أجل حياة أفضل وعيش كريم . هذه الدعوة نرفعها لكل المخلصين والشرفاء من أبناء شعبنا وعلى رأسهم الشباب المستنير في الجامعات ، وكوادر الأحزاب الصغيرة ، والناشطين في المنظمات والنقابات والاتحادات ، عليها أن تنظم نفسها وتبادر لقيادة الوطن ، لتحقيق البرنامج الذي تنشده ، وإحداث التغيير المطلوب عبر آليات ثورية ، وفي إطار القانون والديمقراطية وإذا تطلب الأمر ستكون قادرة لفرض التغيير عبر الثورة الخلاقة ، للّحاق بالثورة التي انطلقت في شمال الوادي تنشد الفكاك من قبضة النظام الواحد المتسلط على رقاب الشعب عبر قرون لن تنقطع إلا بثورة الشباب ، التي جاءت برياح التغيير التي تهب جنوبالوادي ، ومن أجل كل ذلك نكرر الدعوة بالانطلاق نحو التوحد والتواصل والتلاقي لقيام حزب الشباب لقوى الوسط العريض ، والقادر على تحقيق أهداف الثورة . ونحن نعلم أن هناك حراكاً نشطاً يسير في هذا الاتجاه ونأمل أن يصل إلى غاياته بجهود المخلصين من أبناء هذا الشعب لنشهد ميلاد العملاق الجديد الذي يتحدث باسم الشعب السوداني حقاً وحقيقة وليس بأجندات خاصة . والله الموفق ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) [email protected]