قيل والعهدة على القائل الشيخ إبراهيم السنوسي القيادي المعروف بحزب المؤتمر الشعبي، ومن قبله العهدة على الراوي الصحافي محمد غلامابي طرف صحيفة الأخبار الذي نقل على لسانه قوله بأن أحد قادة المؤتمر الوطني قال إن الملائكة سيصوتون لصالحه، وبعد أن سخر الشيخ السنوسي من هذا القول الشاطح واستنكره، إستدرك قائلاً هو التزوير إذن، إذ لم يعرف عن الملائكة الواجب الايمان بهم، المشاركة في أية عملية سياسية بشرية أو كما قال الشيخ الذي لم ينف عنهم من قبل المشاركة في العمليات الحربية العسكرية إبان اشتداد حرب الجنوب، وتوالي تجريد الجردات وتسيير اللواءات والكتائب بمختلف المسميات، حيث شاع وقتها ضمن ما شاع من شطحات أن الملائكة كانت تقاتل المتمردين الى جانب المجاهدين، ولم يكن يراها إلا الواصلون، وغير ذلك من قصص وحكاوى تخصص في نسجها البرنامج التعبوي «في ساحات الفداء»، الذي كان يقف على رأسه شخص اشتهر بخياله الخصب في السابق والآن، فالشيخ ربما تراجع عن ذلك في إطار المراجعات الكبرى التي أجراها حزبه الذي يحتل فيه موقع الرجل الثاني منذ أن آل شأن الاسلامويين إلى مفاصلة فرقتهم الى وطني وشعبي ومعتزلة. أما البرنامج الفدائي فقد انتهى أمره بعد أن انتهى أمر الطرفين المتقاتلين الى تسوية لم يكن فيها منتصر قاتلت الى جانبه الملائكة، أو مهزوم أغوته الشياطين، وانما كان الاثنان سواء.. وعلى ذكر الملائكة الذين سينزلون إلى الارض ويصوتون لهذا المرشح، وبالضرورة لكافة مرشحي حزبه، أذكر القصة التي حوّلتهم الى ناقلات فائقة السرعة تقطع المسافة من الخرطوم إلى أدغال الجنوب واحراشه في طرفة عين، وذلك في الطرفة التي ذاعت وانتشرت في زمان تكاثر أعراس الشهداء الذين كانت أخبارهم تُستقبل بإطلاق الزغاريد والبخور والرصاص، ويتم زفّهم الى الحور العين على غرار ما يفعله عامة السودانيين في أعراسهم العادية التي يزفون فيها عرسانهم الى عروساتهم من البشر. قيل ان خفيراً ناصحاً تم استئجاره لحراسة مخزن كبير تتراص داخله كمية كبيرة من جوالات السكر التي كانت معدة للترحيل الى مواقع القتال كزاد ضروري للمقاتلين، هداه ذكاؤه الفطري الى استغلال هذه الأجواء التي يكثر فيها الاعتداد بالغيبيات والخوارق والمعجزات في زمن انتهت فيه المعجزات، فعكف بالاتفاق مع آخرين من المسحوقين مثله على نقل محتويات المخزن وتخزينها بأحد الأحياء الطرفية الهامشية لصالحهم، وقضوا في هذه المهمة الشاقة ثلاثة أيام بلياليها يعملون بهمة عالية حتى أفرغوا المخزن تماماً، ولم يتركوا فيه حتى (حق النمل)، وفي صبيحة اليوم الرابع وبينما كان الخفير يستلقي على عنقريبه المهترئ، وقد أعد نفسه جيداً للرد على أي سؤال عن (العهدة)، إذا بالمسؤولين عن العمل اللوجستي والتشويني يقفون أمامه ومن خلفهم كنڤوي الشاحنات التي أتوا بها لنقل السكر إلى مناطق العمليات. حيّوه فرد التحية وهو يتثاءب، أمروه بفتح المخزن فنهض متكاسلاً يجر رجليه بتثاقل واضح، مما يدل بوضوح انه قد فهم (اللعبة) واستوعبها تماماً، ولم يكد الخفير يكمل فتح البوابة الضخمة حتى انفتحت معها أفواه المسؤولين من الدهشة وصاحوا بصوت غاضب: أين ذهب السكر؟، لم يتلعثم الخفير أو يتلجلج، بل أجاب بثقة وفي تؤدة «شوف عيوني ديل الحياكلم الدود، الملايكة تنقل في السكر دا من بعد صلاة العشاء وحتى أذان الفجر، ولمن المؤذن قال حي على الفلاح، المخزن دا أصبح فاضي، نقلوا السكر جت للجنوب ما خلوا الحبة»، تكبير، الله أكبر، تهليل، لا إله الا الله،... وفاز باللذة الخفير.. فهل يا ترى هي ذات الحكاية، وهم ذات الملائكة الذين نقلوا السكر؟ يبدو أن هي كذلك، بل أهون من ذلك، فما أيسر حمل بطاقات التصويت عليهم من أن تنوء ظهورهم بجوالات السكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..