جاء في مذكرات الشيخ القرضاوي ما يشير إلى أن المفكر الإسلامي «الاخواني» كما ينطقها المصريون، سيد قطب رحمه الله، كان من أبرز من يكتبون ويصيغون المنشورات السياسية والثورية إن لم يكن أبرزهم على الاطلاق، وجاء في صحف الخرطوم الصادرة أمس أن محكمة الخرطوم شمال أدانت ثلاثة من الشباب، شابتان وشاب، بتهمة توزيع منشورات أثناء تظاهرات يوم الاثنين الماضي، وقضت المحكمة على الشابتين بالغرامة المالية فيما حكمت على الشاب بثلاثة أشهر سجنا، وقد أصبح الحكم سارياً رغم إحتجاجات محامي الدفاع ساطع الحاج على عدم تمكينه من الجلوس مع موكليه ليتعرف منهم على ملابسات القضية ليبنى دفاعه على ذلك، وان المنشور محل الادانة لم يكن مرفقاً كمستند إتهام وإنما أخرجه الشاكي من جيبه، حسناً، فحسبنا من هذه القضية الآن ما نقلناه من وقائعها كما جاء ذكرها في الصحف، ولا تعليق لنا عليها في هذه المرحلة، وإنما أوحت لنا بما يجعلنا نتخذها سبيلاً ومدخلاً للتعليق حول قضية أخرى ليست بعيدة منها إن لم تكن قريبة جداً بل وتكاد تكون متطابقة معها تماماً، ونعنى قضية زميلنا الصحافي جعفر السبكي الذي ظل رهين الحبس التحفظي لما يقارب الخمسة أشهر منذ لحظة إقتياده من بين زملائه في صالة التحرير بالصحيفة، ولم يفرج عنه أو يقدم لمحاكمة حتى الآن، ولا يدري أحد غير معتقليه متى سيحصل على إحدى «الحسنيين»، الافراج أو المحاكمة، ولا غرو، ففي حالة السبكي هذه وآخرون من أبرزهم الدكتور حسن الترابي يعتبر التقديم لمحاكمة من «الحسنات» التي تستحق الحمد والثناء.. وما أوحت لي به قضية الشباب الثلاثة الذين جاء في حيثيات محاكمتهم أنهم قُبضوا متلبسين بجرم توزيع منشورات تسيء إلى رئيس الجمهورية بالاضافة إلى نشر أخبار كاذبة، مقروءة مع قضية زميلنا جعفر السبكي التي لا تبعد التهم الموّجه إليه «في حالة توجيه تهم اليه بالمعنى القضائي للتهمة» وليس مجرد إستجواب وتحري، لا تبعد عن التهم التي تحاكم بسببها الشبان المذكورين، فالسبكي وحسب ما علمنا قد تم إعتقاله والتحفظ عليه حتى الآن بصفته مراسلاً لاذاعة «دبنقا» المتخصصة في الشأن الدارفوري والتي تبث إرسالها من هولندا وبسبب ما كان يبعث به لهذه الاذاعة من تقارير صحفية أُعتبرت كاذبة وملفقة ومسيئة للبلد، فما الفرق إذن بين التهم التي وجهت لشباب المنشورات وتلك الموجهة للصحافي جعفر السبكي، تقديرنا الذي نزعم ألا أحد يخالفنا فيه هو أن هذه مثل تلك وقع الحافر على الحافر، اللهم إلا أن يكون الفرق -حيث لا فرق- بين البلد ورئيسها، بإعتبار أن الاساءة للبلد كما جاء في التهمة الموجهة للسبكي هي غير الإساءة لرئيس الجمهورية كما جاء في حيثيات محاكمة الشباب الثلاثة، وعلى إفتراض أن هناك فرقاً فانه لن يكون سوى فرق مقدار وليس نوعاً بأية حال من الاحوال، إذ يستحيل التفريق بين البلد ورئيسها الذي هو رمزها وممثل سيادتها، وحتى لو صحّ هذا الافتراض رغم تيقننا من عدم صحته، فان العقوبة التي يستحقها السبكي لابد أن تكون من جنس عقوبة الشبان الثلاثة ولا تختلف عنها إن اختلفت إلا في المقدار، فيعاقب مثلاً بغرامة ألف جنيه بدلاً من الخمسمائة التي عوقبت بها الشابتان، أو بالسجن أربعة أشهر بدلاً من الثلاثة التي حوكم بها الشاب وذلك على إعتبار أن الصحفي السبكي قد بعث للاذاعة التي يراسلها بمناشير سياسية وليس تقارير صحفية، أمّا وان يقضي السبكي ما يقرب من الخمسة أشهر ظل خلالها رهين الحبس ينتظر بملل مصيراً مجهولاً فذلك كان أفضل منه أن لا يعتبر صحافياً بل ناشطاً سياسياً يوزع المنشورات...