من المهم ان تشيد الصحافة السودانية بالدور الكبير الذي ظلت تلعبه الشرطة السودانية طوال فترات الحكم الوطني بعد الاستقلال عبر رجالاتها واجهزتها واداراتها التي اسست خصيصاً لخدمة الشعب ، ومن المهم ايضاً ان نذكر رجال الشرطة السودانية بالتاريخ الناصع البياض الذي خلفه الرعيل الاول من رجالها باعتبار ان ما رشح خلال السنوات الاخيرة من انتقادات لأداء الشرطة هو سحابة صيف عابرة سرعان ما تبددها الايام لتعود الشرطة خادماً للشعب وليس أداةً من ادوات القمع والجباية التي يتحكم فيها السياسيون الانتهازيون ، نعم مرت مياه كثيرة تحت جسر السنوات الماضية تكون فيها رأي عام واسع النطاق بأن الشرطة اصبحت أداة قمع وجباية عكس المبادئ التي أسست من اجلها وبرز ذلك الرأي من خلال اسلوب الجبايات والإيصالات والرسوم الباهظة المفروضة على عملية استخراج الاوراق الثبوتية والتراخيص وغيرها من الخدمات . وقبل ايام اصدرت وزارة الداخلية قرارات جديدة خفضت بموجبها الرسوم المفروضة على بعض الخدمات مثل رسوم اصدار رخص قيادة السيارات وترخيصها ورسوم استخراج بعض الاوراق الثبوتية وبشرت باحداث ثورة في عالم السجل المدني ، وبرأي ان الخطوة تعتبر تقدماً ملحوظاً ولكن يبقى السؤال الجوهري هو ما هي الجهة المفترض بها تسعيير واصدار القوانين بشأن الرسوم التي ينبغي على المواطن ان يدفعها للتمتع بالخدمات ؟ كنا نظن ان المجلس الوطني او البرلمان والمجالس التشريعية في الولايات هي الجهات المفترض بها اصدار وتحديد رسوم الخدمات في كافة مرافق الدولة ولكن من الواضح ان الانحراف العام لمسار الدولة السودانية وايلولة عملية فرض الرسوم للوزارات المختصة كل بحسب اجتهادات رجالها ساهم في بروز هذا المسلك الغريب المنافي للأعراف والقوانين . نعم ليس لأية جهة الحق في فرض الرسوم او تحصيلها الا بموجب اورنيك مالي صادر من وزارة المالية الاتحادية بحسبانها صاحبة الولاية على المال العام وحتى لا يتسرب عبر الايصالات الملونة التي ابتكرتها بعض الوزارات وجمعت بموجبها مئات المليارات وقننتها في صورة مباني جميلة مغطاة بمادة ( الكلادن ) ، ان الازمة المالية والضائقة الاقتصادية التي تعيشها الحكومة حالياً سببها الحكومة نفسها وليس المواطن الذي تقول وزارة المالية الاتحادية على لسان وزيرها بأنه غير منتج ، ان المواطن السوداني اصبح يدفع للحكومة ومؤسساتها نظير تلقي الخدمات ما لم يكن يدفعه المواطن السوداني سابقاً لحكومة الاستعمار الانجليزي او التركية السابقة وبالتالي من الجحود ان يوصف المواطن المسكين المكتوي بنيران الرسوم الحكومية المبالغ فيها بأنه غير منتج في الوقت الذي تعتمد عليه الحكومة في تسيير اعمالها في المركز والولايات عبر مئات الوزراء و(متعهدي الحفلات) . ان الشرطة السودانية لم تكن يوماً من الايام طرفاً في الاستخدام السئ لسلطة ومن الراجح ان جهات ماكرة ارادت ان تحشرها في اتون العمل المضاد لمبادئها ولذلك عمدت الى تحجيم الميزانيات السنوية المخصصة لها لتضطرها للدخول في متاهات التعامل المالي والاجتهاد لتصريف اعمالها عبر فرض الرسوم الباهظة على الخدمات وبإيصالات ملونة فتصبح بذلك شريكة في المنظومة السياسية الرائجة وتفقد سمعتها الناصعة البياض ، ان القرارات الاخيرة الصادرة من وزارة الداخلية نتمنى ان تكون خطوة في الاتجاه الصحيح للعودة بالوزارة الى سكتها القديمة ومشروع السجل المدني نتمنى ان تكون اهدافه نبيلة لان اضافة الرقم الوطني لكل مواطن لا تتطلب عملية جديدة ورسوماً جديدة فالبطاقة الشخصية التي ظلت تصدرها وزارة الداخلية عبر ادارة السجل المدني للمواطنين وما تتطلبه من اوراق وبيانات ورسوم تبدو كافية وبرأي ان ( الجهات الإحصائية ) هي انسب من يقوم بعملية حصر السكان اذا كانت ثمة حاجة الى الحصر لتحديد الاحتياجات الانمائية والتنموية .