الدعوة التي اطلقها وزير المالية للشعب السوداني بعدم دفع اي رسوم الا عبر اورنيك «ثمانية» الرسمي الصادر عن الوزارة تخفي خلفها أزمة كبيرة تعتمل داخل اجهزة الجهاز التنفيذي ، ومن الواضح ان الاسباب تعود الي شح الامكانات المالية المفترض توجيهها نحو غايات الخدمات والتنمية بالمقارنة مع حجم الاموال المستخدمة في توفير الكماليات وتصرف تحت ستار التسيير وما الي ذلك من «خزعبلات» ، ودعوة وزير المالية ليست جديدة فقد سبقتها تصريحات نارية اطلقتها وزيرة قبل فترة عن تضخم الاموال المصروفة علي الامن في مقابل تقليص الدولة لميزانيات التعليم والصحة والخدمات ، ان المسألة واضحة ..هنالك مراكز قوة داخل السلطة تعطي الاولوية لقضايا استمرار بقاء بعض الوجوه في السلطة بطريقة لا تقبل النقاش والشوري وهي بموجب ذلك تمنح نفسها الحق في التصرف في الاموال جبايةً وتصريفاً خارج نطاق ولاية وزارة المالية، الامر الذي يهدد باغراق البلاد في بحر من الفوضي وغلاء المعيشة وتدهور الخدمات وتضخم سعر صرف النقد الاجنبي . قيل في الزمن الغابر ،ان قوماً استأجروا غولاً لحماية قريتهم من هجوم الغادرين نظير جعل من الانعام يأكلها يومياً وكلما تكاسل اغدقوا عليه حتي نفدت منهم انعامهم فماذا حدث بعد ذلك ؟ لقد بدأ في أكلهم واحداً تلو الآخر وهو ما سيحدث حينما يحكم الحصار علي غول الفساد في السودان...سيحاول حماة الفساد عرقلة مسار الامور وسيتحالفون مع الشيطان من اجل الاضرار بأولياء نعمتهم ، ان تصريح وزير المالية يعني بداية الحرب بين اجهزة الدولة باعتبار ان العديد من المؤسسات التي تعتبر نفسها سيادية صنعت سلفاً امبراطوريات مالية تبتلع وزارة المالية ولديها ايصالات ملونة تدر عليها مليارات الجنيهات يومياً يتقاسمها العديد من « الأكلة » بنظام « أم دورور » اي انت تجلب المال ولديك نصيب فيخرجون كالطير خماصاً من الصباح الباكر ويعودون اخر اليوم بطانا ويا دار ما دخلك شر وياوزارة المالية ليس لك « دخل » فيما يجري لان هؤلاء حماة النظام مثلما كان يفعل رجال الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك ليحافظوا له علي استقرار النظام علي مدي ثلاثين عاماً دون ان يتذكروا يوم الحساب حتي جاءهم بغتة فاذا هم جميعاً مبلسون . اذن وزير المالية يحرض المواطنين علي عدم الاستجابة للصوص الايصالات الملونة لانها غير قانونية ولا تدخل الي خزانة الدولة وبما ان هذه الايصالات متوفرة لدي بعض الجهات الحكومية وشبه الحكومية فقط فان الدعوة تبدو واضحة وصريحة وهي تقول « هؤلاء لا يمثلون الحكومة » ولكن الحكومة لا تستطيع ايقافهم وعلي الشعب ان يوقفهم عند حدهم بتجفيف مصادر تمويلهم وعدم الدفع لهم وهو ما سيفعله الشعب بالتأكيد، ولكن دعونا نتساءل عن مصير تلك الاموال التي اخذت من الشعب السوداني علي مدي عشرين عاماً ونيف ..كيف هي وجهة نظر الجهات الحكومية الناشطة في مكافحة الفساد لاستردادها ؟ ام ان مسألة الاسترداد ستترك لمن سيرسو عليه عطاء « التغيير » ؟ ان المنطق يقول علي وزارة المالية مقاضاة ومطاردة كافة الجهات التي تحاول انكار ورفض ولايتها علي المال العام ، والعمل بكافة الوسائل علي احصاء وجمع بيانات عن حجم الاموال المتداولة رسمياً خارج مظلة الوزارة واستردادها علي دائر المليم وبالسرعة المطلوبة قبل ان تتحول الي حسابات خارجية . ليس هذا فحسب وانما يتوجب علي وزارة المالية اصدار قائمة تتضمن اسماء الوزارات المؤسسات والشركات الحكومية- والافراد الرسميين الذين لهم نصيب من هذه الايصالات - وكافة الجهات التي تتعامل في جباية الاموال عبر ايصالات غير قانونية ، كما يتوجب علي السادة المواطنين الاستعانة بمحامين مستقيمين لاسترداد ما اؤخذ من اموالهم بالباطل وبرأي وبعد صدور فتوي بطلان تعامل شركات الاتصالات بنظام الدقيقة فان كافة ابناء الشعب السوداني ممن يحملون شرائح شركات الاتصالات لديهم اموال ضخمة كانت تستقطع منهم بالباطل دون علمهم ورضاهم وقد حان الوقت ويجب ان يستردوها خصوصاً في ظل الضوائق المعيشية الحالية .