فى البدء لا بد لنا أن نشيد باهتمام وزارة تنمية الموارد البشرية بالتنسيق والتكامل بين كل الجهات ذات الصلة بالتدريب وتشجيعها، وتبنيها للبرامج الطموحة فى مجال التدريب عامة والتدريب الفنى والتقنى خاصة. ومما لا شك فيه أن التدريب الفنى والتقنى قد فرض نفسه باعتباره لبنة اساسية لا غنى عنها لإحداث التنمية والطفرة التقنية لأى مجتمع. فالدول الأوربية جميعها ارتقت الى مصاف الدول المتقدمة لاعتمادها على استراتيجية التدريب الفنى والتقنى، وكذلك الدول الآسيوية كالهند والصين وكوريا الشمالية والجنوبية وماليزيا وغيرها، بدأت الانطلاقة والتقدم بعد اهتمامها بتلك الاستراتيجية. عليه اصبح لزاماً على السودان متى ما خطط لأن يصبح من الدول النامية المتطورة أن يتبنى مشروع التدريب الفني برؤى أكثر واقعية، متفادياً الإخفاقات فى التجارب السابقة. لذا وجب إجراء دراسات عن ماضى وحاضر التعليم الفنى والتقنى والدروس المستفادة ايجابياً وسلبياً. ابتداءً من المدارس الصناعية الثانوية وكلية التدريب المهنى والمعهد الفنى ومراكز التدريب والتلمذة الصناعية، بجانب مناهج وسنين تعليم الأساس والتغيرات التى طرأت للسلم التعليمى. لذا لوضع خطة سليمة للتدريب الفنى والتقنى، لا بد من تفصيل كل الفئات المستهدفة ابتداءً من الفاقد التربوى لمرحلة الأساس ومكملى مرحلة الاساس بنجاح. والفاقد التربوى للمرحلة الثانوية، بجانب حاملى الشهادة السودانية، واخيراً المستوى الجامعى. فكل فئة لها خصوصيتها ودورها المهم، حيث تحتاج لنوع من التدريب الفنى والتقنى مختلف ولفترة زمنية متفاوتة، لتمكين كل فئة من أداء رسالتها بمستوى جيد. وفي ما يختص بمقترحات الوزارة الخاصة ببداية مسار التعليم التقنى فعلياً بالصف السابع والثامن أساس، ويستمر تدريجياً فى الفترة 2012م 2015م ويكمل المسار ويبدأ فى عام 2016م على المستوى الجامعى، هنالك سؤال يطرح نفسه هل هذا المقترح على ضوء تجربة مستوحاة من تجارب ناجحة فى دول أخرى من العالم أم اجتهاد؟ وفى كلا الحالتين فوضع السودان مختلف تماماً، والتطبيق الفعلى لتلك المقترحات سيكون مصيره المحتوم الفشل، لأن التعليم الفنى والتقنى يحتاج لإمكانيات هائلة، حيث الأجهزة والمعدات والمعلمين الماهرين، بجانب معوقات التجارب السابقة لوضعنا الراهن مثل: 1/ عدم تمكن الدولة من تهيئة البنيات الاساسية اللازمة لمرحلة الاساس، من حيث المبانى والمعامل والتربية والإجلاس، وتوفير الكتب والمعلمين المتدربين. 2/ عدم التوفيق فى دعم المدارس الصناعية الثانوية للمستوى المطلوب رغم قلتها مقارنةً بعدد مدارس الاساس بالبلاد. 3/ العجز فى دعم وتنمية معامل الحاسوب بالمدارس الثانوية، وتفشى أمية تقنية الحاسوب وسط المعلمين رغم الخطة الطموحة. 4/ التدهور المشهود الذى لحق بقطاع التعليم الفنى والتقنى بالسودان، مما ادى إلى وقف الكلية المهنية والمعهد الفنى بالخرطوم سابقاً وتحويله الى جامعة السودان. 5/ عدم وجود آلية فاعلة تهتم بخريجى التعليم الفنى والتقنى لدعمهم فنياً ومالياً، لضمان الاستمرارية فى عطائهم وتوجيهه نحو التنمية المستدامة، وجعل التدريب المهنى والتقنى جاذباً. لكل ما ذكر لا بد من إخضاع الأمر برمته الى دراسات مكثفة للاستفادة القصوى من الامكانات المتاحة، ودعم الإيجابيات وتقليل السلبيات ليقوم المقترح على أساس متين، وتكون المقترحات أكثر واقعية وقابلة للتنفيذ ولو تدريجياً على فترات. والله من وراء القصد وما الوفيق إلا من عنده.