فى اطار الحوار الذي يدور بين مختلف فئات المجتمع وبخاصة الحكومة والمعارضة حول القضايا التى تفرضها تحديات بناء دولة جديدة فى السودان الشمالي بعد الانفصال،بادرت الجمعية السياسية السودانية بتقديم دعوة لمختلف الاحزاب والمكونات المدنية فى المجتمع،للمشاركة فى ورشة حول هذه القضايا المهمة، وذلك بهدف الاسهام فى تحقيق وفاق وطني حول القضايا الكلية المختلف حولها، لتحقيق المصالح العليا للبلاد. وكانت الورشة قد شهدت مشاركة فعالة من ممثلين عن احزاب الامة القومي، والاتحادي الديمقراطي، والمؤتمر الشعبي، والمؤتمر الوطني، والبعث العربي الاشتراكي، والبعث السوداني، كما شارك فى ادارة الحوار الذي سادته اجواء من احترام الرأي والرأي الاخر عدد من اساتذة الجامعات والمراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني . واكد المشاركون فى الورشة على عدد من المحاور الرئيسية فى مقدمتها ،الشراكة فى السلطة والثروة وتقوية دور الاحزاب لمجابهة المرحلة المقبلة من تاريخنا الوطني ، ووضع دستور دائم يعبر عن تطلعات الشعب، مع اجراء التعديلات القانونية المصاحبة، والاتفاق الجمعي على برامج عمل استراتيجية. وصدرت توصيات الورشة فى صورة فضفاضة لتعبر عن توافق الاحزاب المشاركة على خطوط عريضة فى القضايا المطروحة، فقد تواضع المشاركون على ضرورة قيام حكومة انتقالية ذات قاعدة عريضة ببرنامج وطني موحد،ووضع دستور يحظى بالرضا العام ويؤكد مؤسسية الدولة ويستجيب للتنوع فى اطار الوحدة الوطنية، على ان تتم اجازة هذا الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي، ورجحوا خيار النظام المختلط الذي يجمع بين البرلماني والرئاسي فى الحكم، مع اعادة هيكلة الاجهزة التنفيذية ، هذا واعتماد نظام القوائم النسبية فى الانتخابات القادمة مع تعديل قانون الاحزاب لعام 2008،واجراء انتخابات تشريعية وولائية مبكرة ، وتغليب التداول السلمي للسلطة واطلاق كافة المعتقلين السياسيين،واقتصار عمل الحكومة المركزية على الشئون السيادية والخدمات الاستراتيجية، وترسيخ الفيدرالية لاستيعاب الخلافات الحيوية فى مستوى الولايات بعيدا عن المركز ،مع منح المحليات مزيدا من الاختصاصات والسلطات الاصلية ،ودعم محاربة الفساد اين ومتى كان . ورأت اغلبية القوى المشاركة ان هنالك ضرورة فى تفعيل النظام الفيدالي بعد اعادة تقييم تجربته ،مع اعادة النظر فى تقسيم الولايات والمحافظات، والتأكيد على الشريعة كمصدر اساسي للتشريع مع اعتبار كريم المعتقدات ،بجانب بناء الهوية السودانية على اساس المواطنة. كما تم التأمين من قبل الاحزاب والقوى المدنية المشاركة على تحقيق الوحدة الوطنية لبناء الامة المتماسكة على اسس دستورية جديدة ،وذلك ايضا من اجل تحقيق الاستقرار السياسي فى البلاد. واكدوا على ضرورة قيام السياسة الخارجية على المرونة والواقعية، مع التركيز على دول الجوار والانتماءات العربية والافريقية والاسلامية، وعدم الانحياز، مع استمرارية الحوار مع الغرب على أسس من المصالح المشتركة وتحقيق الامن والسلم الدوليين. وكان البروفيسور حسن علي الساعوري قد قدم فى هذه الجلسة من الورشة ورقة حول الحكومة القومية ، والتى يرى انها المخرج من الظرف الحرج الذي تمر به البلاد ، واشار الساعوري الى ان ورقته هذه نتاج دراسة للواقع السياسي فى السودان منذ الاستقلال،ولفت الساعوري الى ان هناك كثيرا من المستجدات التى تدعو الى تبنى الحكومة القومية الان بمشاركة كافة القوى السياسية مهما كان اطارها او برنامجها ،ذلك لان ظروف السودان اليوم تتفاعل مع تجاربه التاريخية ، ومما يستلزم بالتالي منهجا وفاقيا فى حكم البلاد، وهو ما يمكن ان يتم بواسطة حكومة قومية ، او بواسطة حكومة ومعارضة تتوافقان فى السياسة العامة، الا ان الساعورى قال ان المستجدات السياسية والاجتماعية والاقليمية، تجعل من وفاق الحكومة القومية اكثر رجحانا. ورأى الساعوري فى ورقته التى قدمها للمشاركين، ان انفصال الجنوب مهد ظروفا جديدة للاستقرار السياسي، ذلك لان الحرب الاهلية فى الجنوب وقضية الاختلاف العرقي والثقافي - والكلام للساعوري - كانت عقبة كاداء امام الاستقرار السياسي فى البلاد، وان نتاج هذا الامر هو تدني الصراع العرقي فى السودان لادنى درجة، واتاحة الفرصة لطغيان الثقافة العربية والاسلامية على ما تبقى من تعددية عرقية فى سودان ما بعد الانفصال. وطالبت الورقة بقيام انتخابات حرة نزيهة ،استجابة لظروف السودان المتجددة،وتحدياته الماثلة،ومن ثم يتم بعد ذلك تكوين تحالف حزبي يضم جميع القوى السياسية الرئيسية فى البلاد، لتنفيذ برنامج بناء القومية السودانية وترسيخ النظام السياسي الديمقراطي المنشود. وعددت الورقة كذلك الاخطاء التى لازمت مسيرة الديمقراطية فى السودان ،وبخاصة مشاكل التحالفات السياسية الفاشلة فى كل التجارب الديمقراطية ، وذلك فى محاولة للاستفادة من دروس الماضي التى لا يمكن ان يتم تجاوزها ، وابرزت فى مقدمة اسباب هذا الفشل ان اغلب التحالفات كانت تتم بين القيادات فقط دون مصاحبة القواعد، كحال الجبهة المعادية للاستعمار فى فترة حق تقرير المصير قبل الاستقلال ، والتجمع الوطني بعد انتفاضة 1985 م، فضلا عن ترجيح الهدف الذاتي على الهدف العام، وهو ما يؤدى الى تفكيك عناصر التحالف وبالتالي اضعافه وانهاء وجوده ، بالاضافة الى هواجس المكر والكيد السياسي التى دائما ما تقود الى عدم الثقة بين اطراف التحالف، وهو ما يستتبع فى الغالب ان يكون لاي حزب خط سياسي احتياطي غير خط التحالف الرئيسي ليستعمله فى الوقت المناسب. هذا بالاضافة الى غياب الآلية التنظيمية الفاعلة الموكل لها تحقيق الهدف العام للتحالف، اذا ان التخطيط الذي يفتقد التنظيم والامكانات،لا يكون تخطيطا بل يظل فى مرتبة التنظير التى يستحيل ان تحقق هدفا عمليا. ووصفت الورقة هذا النوع من التحالف بانه تحالف افكار لا افعال ،وبالتالي لا يتوقع منه أية حركة واقعية على صعيد الشارع، واشارت الورقة كذلك الى ان احتكار القرار بواسطة مراكز قوى داخل التحالف وعدم الاعتراف بندية المشاركة،دائما ما يقود الى التمرد عليه،وانهيار التحالف تبعا لذلك. واكد البروفيسور حسن الساعوري فى ورقته، على ان هنالك جملة من المتغيرات السياسية التى يجب على القوى المختلفة وضعها فى الاعتبار، وهى تخوض حوارا حول القضايا الرئيسية فى هذه المرحلة ،واهمها امتداد التمرد المسلح فى عملية الصراع على السلطة ، من الجنوب الى الشرق والى الغرب ، والى ان هنالك مفاوضات جارية لتقاسم السلطة والثروة تتواصل الان ، بالاضافة الى بروز ظاهرة النفوذ الاجنبي على كل المستويات، الرسمية منها والشعبية، بما فى ذلك الاحزاب السياسية، موضحا انه نفوذ اقليمي ودولي غير مرفوض من بعض القوى السياسية،وتعجب من انه لم يعد هنالك حرج او حساسية فى التعامل مع الاجنبي ،او الاعلان عن ذلك. واشارت الورقة كذلك الى نقطة اساسية وجوهرية وهى عملية تصدع الاحزاب التقليدية المعروفة وانشقاقها الى اجنحة او احزاب اخرى،مثل الامة والاتحادي و الشيوعي،وايضا الى ظهور احزاب جديدة تجاوزت ال 80، لكن الملمح الابرز فى حديث الساعوري كان تأكيده على ان عملية انفصال الجنوب حسمت مشكلة الهوية،التى يرى انها ساهمت فى تعقيد العملية السياسية فى السودان منذ الاستقلال.