مابين شح الوظيفة وصعوبات أخرى تعترض إشاعة ثقافة العمل الحر وسط الشباب من خريجي الجامعات عبر مايعرف بالإستخدام المنتج تزداد مشكلة العطالى تعقيداً ،فكل عام يمر على العام الذي إنطلقت فيه ثورة التعليم العالي بالسودان يضاف إلى العاطلين عن العمل من هذه الشريحة مايعادل 68 ألف خريج في مختلف التخصصات فقد أثبتت دراسة متخصصة عن العطالة أجريت في عام 2004 ان عدد الخريجين 290.5 ألف خريج معظمهم عاطلون عن العمل وينتظر أن يغذيها في السنوات القادمة حسب دراسة حكومية صدرت مؤخراً مالايقل عن 500 ألف خريج بحسبان أن الشباب في سن الدراسة الجامعية بين 15 إلى 24 سنة يمثلون 8 % من أصل 7 مليون شاب. هذا العدد الضخم من خريجي الجامعات حاملي التخصصات مثل تحدياً للحكومة الحالية وسيمثل تحدياً أكبر للحكومة القادمة بحسبان الذيادة المضطردة في أعدادهم . فبعد فشل سياساتها التخديمية بالمؤسسات الحكومية في إستيعاب هذا التدفق الهائل من الخريجين لجأت الحكومة لإنشاء مايعرف بمشروع الإستخدام المنتج وتشغيل الخريجين لمواجهة مشكلة العطالى وإستثمارطاقات الشباب لمعالجة مشاكلها خصوصاً في الجانب الإقتصادي تلك المتعلقة بالأمن الغذائي. ورغم ان هذا المشروع ظل فاتحاً ذراعيه للخريجين في محاولات يمكن وصفها بالناجحة نسبياً لكن ثمة صعوبات تعترض مسيرته منها الفنية والتمويلية واخرى ترتبط بالخريج نفسه . الصحافة وقفت على تجربة الإستخدام المنتج من خلال الخريجين أنفسهم بإستصحاب تجربتين الأولى تحمل في طياتها نسبة من النجاح بعد ان تجاوزت المرحلة التجربيبة بإنتاجية فاقت 80% نافست بها في السوق المحلي وهي تجربة حاضنة أبوحليمة، واخرى مثلت تجربة مجموعة كانات الهندسية والتى يرى أصحابها أنها فشلت ومثلت بالنسبة لهم عطالة مقنعة. هذا بجانب رأي الجهات المسئولة عن المشروع وتقييمهم لتلك المشاريع ودفوعاتهم الأخرى مضافاً لها الصعوبات التى تعترض عملهم . وقبل أن نتعرض للتجربتين وحديث الجهات المسئولة يجب ان نتعرف على ماهية مشروع الإستخدام المنتج ومايفترض أن يقوم به من ادوار والجهات الممولة بجانب الشركاء . يقول الأمين العام للمشروع الباشمهندس على أحمد محمد دقاش : مشروع الإستخدام المنتج وتشغيل الخريجين مشروع حكومي أنشئ بقرار من رئيس الجمهورية والذي قضى بتكوين لجنة تترأسها وزيرة الرعاية الإجتماعية وتضم في عضويتها عدداً من وزراء الدولة ومحافظ البنك المركزي ورئيس إتحاد أصحاب العمل هذه اللجنة مختصة بالإشراف العام على هذا المشروع بجانب تقويم برامجه وإستقطاب الدعم له وإجازة خططه وإستراتيجياته. ويذهب دقاش إلى أن هذا المشروع جاء كإستجابة لتحدي واجه الدولة تمثل في زيادة أعداد الخريجين العاطلين عن العمل بإعتبار ان كل المؤشرات تشير إلى أن عدد العطالى سيكون في تزايد مستمر نسبة لزيادة عدد الجامعات والمعاهد العليا وقصور حركة الإقتصاد القومي على إستيعاب هذا العدد ويشير إلى أن المشروع بدأ بتشخيص الظاهرة وتحديد حجمها وإقتراح المعالجات المناسبة لها من خلال إستراتيجية متكاملة مبنية على عدد من البرامج في أربعة مسارات الأول : التدخل بالسياسات ، والثاني : تمويل المشروعات الصغيرة و الثالث : التدريب التحويلي والمسار الأخير : الإستيعاب في المشروعات القومية ويذهب دقاش إلى أن واقع التجربة أكد على ضرورة ان تكون الحلول المتعلقة بالعطالة حلولاً متكاملة تراعي العوامل المتسببة في العطالة وهنا يقول : مثلاً مسار التدريب التحويلي الذي نفذ بشراكة مع هيئة التعليم التقني يعالج عدم التوافق بين مخرجات التعليم العالي وإحتياجات سوق العمل ويعمل من خلال تحويل تخصصات الخريجين حسب إحتياجات السوق عن طريق منهج يدرس في 200 ساعة ويضيف دقاش قائلاً : المعالجة عن طريق هذا المسار إعتمدت على دراسة متخصصة قام بها المشروع لتحديد إحتياجات سوق العمل من خلال مسح 250 مؤسسة عمل في القطاع العام والخاص تم تحويل تخصصات 2.2 ألف خريج في ستة مجالات فنية لعدد 34 تخصص وأثبتت التجربة أن أكثر من 70% من الذين تلقوا التدريب تم إستيعابهم في القطاع العام هذا ما أشارت به دراسة قام بها مختصون في التعليم العالي قدمت لجامعة الدول العربية . وفي ما يخص المسار الثاني وهو مسار تمويل المشروعات الصغيرة يقول دقاش : يقوم هذا المسار على تمويل عدد من الخريجين أفراد وجماعات لتنفيذ مشروعات خاصة بهم في شتى المجالات وذلك من خلال محفظة خاصة تم تأسيسها بواسطة عدد من المصارف يتولى مصرف الإدخار دوراً رائداً فيها بدعم من وزارة المالية والتى تساهم ب 54% من قيمة التمويل وحسب دقاش أن هذه المحفظة نفذت حوالي 1.8 ألف مشروع صغير إستوعب مايذيد عن 7 ألف خريج ويضيف دقاش قائلاً : بلغ عدد المتقدمين حالياً طلباً للتمويل حوالي 48 ألف خريج مشيراً إلى أن التمويل يتم حسب السيولة المتوفرة بتبسيط الضمانات في تكثيف المتابعة والقبول برهن أصول المشروع واخذ السندات الشخصية . ويشير إلى ان العمل توسع بفعل شراكات مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وصلت إلى 10 شراكة مما ضاعف العدد الذي تم تمويله عن طريق المحفظة أهم هذه الشراكات مع ديوان الزكاة والذي نفذت في شكل حاضنة بمنطقة أبوحليمة وهي الأولى من نوعها في المنطقة وتضم 13 نشاط إنتاجي مملوكة للخريجين تشرف الأمانة العامة عليهم وتدربهم وتقدم لهم المساعدات المطلوبة وتصل مدة الحضانة إلى ثلاث سنوات أو تقل يتخرج بعدها الخريج بأصوله وخبرته ليؤسس مشروعه في أى مكان يراه . كان إفتتاح حاضنة أبوحليمة بمدينة أبوحليمة ببحري مناسبة للوقوف على تجربة مشاريع الخريجين فيها فهي تضم : وحدة للإنتاج الحيواني والإنتاج النباتي والصناعات التحويلية بجانب الوحدة الإدارية وتحوى هذه الوحدات 13 مشروعاً يقع في مساحة 30 فدان يستوعب 120 خريج وخريجة في التخصصات المختلفة بتمويل يبلغ 2 مليون جنيه سوداني تموله وزارة الشئون الإجتماعية وديوان الزكاة ومشروع الإستخدام المنتج وتشغيل الخريجين . الصحافة في جولتها على تلك المشاريع بدأت بمشروع البيوت المحمية والذي يتكون من ثلاث بيوت مزروعة بالخيار التقينا فيها برانية على حسن وهي خريجة بساتين في جامعة السودان ذكرت لنا أنها وشركاءها ال 9 يملكون بيتين يتقاسمون الجهد والعائد بالتراضي سألت عن البيت الثالث فقالت انه يتبع لوحدة المشتل سألتها كيف جاءت هي ورفقاؤها إلى هنا فقالت : قمنا بالتقديم لمشروع إستخدام الخريجين قبل عام دخلنا خلالها معاينات استطعنا ان نجتازها وتم توزيعنا هنا وكنا نعتقد انها وظائف لكن علمنا فيما بعد انها إستثمار للخريجين وتواصل رانية : تم إستيعابنا في شهر مايو 2009 وتلقينا تدريباً وبدأنا في تنفيذ المشروع في شهر يوليو وكانت التكلفة التشغيلية للمشروع في الموسم الأول 7 ألف جنيه إستطعنا ان نحصد من هذا الموسم 11 ألف جنيه بعد ان سوقنا المنتج بالسوق المركزي بالخرطوم وتشير إلى أن هنالك رسوماً حاضنة وخدمات لكنها لم تطبق في الموسم السابق وستطبق هذا الموسم وفي مايخص المشاكل التى تواجههم تقول رانية : انهم يعانون من ملوحة التربة وعدم صلاحيتها قائلة : قمنا بتعديل التربة وتغيير شبكة الري لكن الملوحة مازالت تؤثر على اجهزة التبريد بإغلاقها للمواسير وتذهب إلى أنهم يحتاجون إلى فلاتر لتقليل نسبة الأملاح وفي سردها للمشاكل تضيف أنهم يعانون في النواحي المادية نسبة لأن العدد كبير مقارنة بالبيتين كما أن التمويل بسيط وهو 7 مليون تجاه تسعة أفراد ويفترض ان يكون لكل شخص 8 مليون وتذهب إلى ان كثرة الشركاء ستقلل حجم الربح للفرد الواحد نهاية الدورة مشيرة إلى أنهم يتقاضون 50 جنيهاً لكل فرد للحركة والتسيير وهنا تقول : نسبة لعدم كفاية العائد فإنهم يعتبرون الفترة التى سيمكثونها في هذا المشروع فترة تدريبية أكثر من كونها مشروعاً حقيقياً الا إذا تمت زيادة عدد البيوت وتضيف قائلة : سمعنا أنه سيتم جلب 13 بيتاً إضافياً لخريجين جدد هنا تعلق قائلة : لكن نحن نرى أن تكون هذه البيوت أو جزء منها من نصيبنا حتى نقلل من الضغط على هذه البيوت ونحقق الإستفادة المرجوة وسألتها هل سيتم تمليكهم المشروع اجابت بانهم سيخرجون من الحاضنة بعد 3 سنوات إذا كانت عندهم إمكانية لشراء البيوت فيمكن بعد ذلك ان يتملكونها والا فسيخرجون منها ليعودوا مجدداً كما كانوا في السابق بزيادة خبرة في مجالهم . بعد ان تذوقنا بعضاً من إنتاج هذه البيوت والذي يتميز بالجودة العالية تجعله صالحاً للتصدير بعد تحقيق الإكتفاء الذاتي للسوق المحلي بالتوسع في عدد البيوت ومعالجة المشاكل التى يواجهها، توجهنا إلى مشروع أبقار الحليب والذي يضم حسب سارة حسن بلال 19 خريجاً في التخصصات المختلفة لكنه يستهدف تخصصات الإنتاج الحيواني والزراعيين كمرحلة اولى بتمويل 58 ألف لقطيع يضم 30 بقرة 24 عجلاً وسيتم توسيع التمويل في المرحلة الثانية ليصل إلى 150 مليون حتى يكتمل العدد الكلي للقطيع وتشير إلى أنهم يقتسمون العمل بينهم حيث يعملون على تجهيز العليقة المركزة ونظافة الحظيرة وسقاية العجول بجانب الحلب وتسجيل الإدرار اليومي للحليب وتذهب إلى أن إنتاجهم في اليوم يصل إلى 520 رطل يتم تقسيمه بين الزبائن في المنطقة واصحاب البكاسي ومصنع البسترة داخل الحاضنة وتستدرك قائلة : انهم سيوجهون نهاية هذا الشهر كل إنتاجهم لمصنع البسترة. أما تماضر علي أحمد من مشروع الدواجن البياضة فتقول ان مشروعهم يضم 12 خريجاً من تخصصات مختلفة كانت البداية في شهر يوليو ب 6 ألف كتكوت في 9 حظائر وتشير إلى ان تمويلهم تجاوز القيمة المقدرة للمجموعة وهي 100 ألف جنيه وتذهب إلى انهم بصدد توسيع الحظائر وإفتتاح مراكز للبيع المباشر للجمهور بوسط العاصمة وترى انهم حققوا نسبة نجاح وصلت إلى 83% . وتقول أميمة محمد صالح عن مشروع الأرانب والدجاج اللاحم : ان فكرة المشروع هو توفير لحوم بيضاء بإضافة لحوم الأرانب وتشير إلى أن الأخيرة غير مكلفة لكنها غير موجودة في الثقافة الغذائية للسودانيين رغم ذلك فهنالك كما قالت إقبال على شرائها خصوصاً من الأجانب وتشير إلى أن تكلفة المشروع بلغت 1.2 ألف جنيه بشراء 30 جوز وألف كتكوت وتشير إلى أن المشروع يضم 6 خريجين وتذهب إلى أنهم حققوا نسبة ارباح وصلت إلى 80% وسيعملون على تنفيذ المرحلة الثانية من الدجاج اللاحم ب3 ألف كتكوت وتشير إلى أنهم يملكون حالياً 70 جوزاً من الأرانب وعن المشاكل التى تواجههم تقول إنها ترتبط في الغالب بتأرجح الأسعار في الأسواق بجانب مشكلة توفير الأعلاف لغلاء سعر الذرة . اما نجلاء عبدالجبار من مشروع تسمين الضأن فتقول : ان المشروع يضم 9 خريجين يشتركون في حظيرة واحدة تسع 200 رأس وتذهب إلى أنهم يجلبون الضأن من مواقع الإنتاج بالنيل الابيض وجنوب كردفان وتشير إلى انه تم إعفاؤهم من رسوم الطريق كما تقدم لهم جرعات التحصين مجاناً وفيما يخص عملهم تقول أنهم يعملون بطريقتين : اما البيع المباشر بجلب خراف بأحجام مختلفة وبيعها مباشرة بجانب جلب ضان والعمل على تسمينه بمعالجات معينة وهذه اما يتم بيعها مباشرة في الحظيرة او تباع للسلخانة وتشير إلى أنهم تعاقدوا مع جزارات للبيع المذبوح كما سيتم إنشاء مركز بوسط الخرطوم للبيع المباشر . عن مشروع مصنع البسترة تقول أميرة محمد كبوش : قمنا بشراكة بيننا نحن 10 أشخاص بتمويل 130 ألف جنيه بجلب وحدة بسترة من جنوب أفريقيا وهي ثاني وحدة من هذه الدولة تدخل للسودان الاولى كانت في منطقة دنقلا وتعمل على لبن الماعز وتذهب أميرة إلى القول إن هذه الوحدة بها ميزة لا تتوفر في كافة مصانع البسترة التى تعمل بالبلاد وهي انها تعمل على تغليف اللبن ثم تعمل على بسترته بالتسخين والتبريد الفجائي مما يضمن سلامته بعد التغليف وتشير إلى أن إنتاجهم خالي من المواد الحافظة وتشير إلى أنهم قاموا بعمل إنتاج تجريبي 50 رطلاً وسينطلقون في الإنتاج الفعلى هذا الشهر . اختتمنا جولتنا بمشروع المشتل رغم ان هنالك مشروعاً لتعبئة المياه النقية وتربية الأسماك وصناعة الأسمدة من مخلفات الحاضنة إلى غيرها من المشاريع يقول محمد شريف أحمد عن مشروع المشتل ان المشروع يضم 6 خريج في تخصصات زراعية مختلفة بتمويل قدره 25 مليون يعملون على إنتاج أصناف منوعة من النباتات ويذهب إلى أنهم بدأوا الإنتاج بصورة كبيرة بإنتاج 9 ألف شتلة بالإضافة لبيت محمى نزرع فيه الخيارويذهب إلى أن لديهم مساحة خصصت لهم لكن لم تستغل بعد سيعملون فيها على زراعة 185 ألف شتلة ويشير إلى أنهم يعتمدون على أنفسهم في العمل دون الإستعانة بعمال ويضيف في ما يخص التسويق أنه دون الطموح وسيقومون بحل هذه المشكلة بعمل 4 معارض للبيع تتراوح الأسعار فيها مابين 3 إلى 8 جنيه وبرر عدم إرتفاع أسعار معروضاتهم هو ان مشتلهم إنتاجي يختلف عن مشاتل العرض . هنالك العديد من الأسئلة ولدتها زيارتنا الميدانية لهذه المشاريع تتعلق بالعائد المادي الوقتي الذي سيجنيه الخريجون من هذه المشاريع بعد ان علمنا ان كل مايتقاضونه عباره عن تسيير للحركة والفطور في ظل بعد موقع الحاضنة عن اماكن سكن الكثيرين منهم وهل ستؤول لهم هذه المشاريع بعد السنوات الثلاث فعلاً أم سيمتلكونها إذا وفروا قيمتها وهل ستوفر لهم الحاضنة الحماية اللازمة ليتحقق لهم الإمتلاك الفعلي لها أم انهم سيخرجوا من الحاضنة ليتشردوا مجددا بحثاً عن تمويل لمشاريعهم بجانب أسئلة اخرى سيجيب عليها المسئولون في الحلقة القادمة.