(الباب البجيب الريح سدوا واستريح ) يعودالمثل ورياح التغيير هبت لتقتلع حصون من ظنوا ان ترسانتهم الامنية والعسكرية في مصر وتونس قادرة على الصمود في وجه ارادة الشعوب ولكن انتصر الشعب هناك وارادته في تغيير وجه الارض ، ولان الرياح لا تعرف محطات الوقوف عند نقطة واحدة والخرطوم ليست بعيدة بل هي في طريق الريح نفسها وباعتراف اهل السلطة انفسهم ومع تأكيدات من حين لآخر من المعارضة عن اقتراب هذه الرياح التي ستقتلع النظام من جذوره. اقتلاع يرى كثيرون انه لن يقف عند محطة القصر الجمهوري وانما سيتعمق في الجذور التي يهددها المد من الجوانب كافة وتتربص بها هشاشة التكوين الاجتماعي وفوهات المدافع المرفوعة بدارفور وذهاب الجنوب في حال سبيله والاختلافات التي لا تنتهي . رياح تهدد البلاد وتحتاج لمن يقف في سبيلها وقوفا يقوم في اساسه الاول على ضرورة الحوار بين الاطراف كافة ويبحث في سبيل التعبير عنها الا ان عملية سد ذريعة الاختلاف عبر الحوار نفسها امر تترصده رياح اخرى تتعلق بطبيعة الحوار وآلياته وتنفيذ المترتب عليه ومدى التزام الجميع بتوصياته .اسئلة تبدو رهينة بعملية الاستقرار السياسي في السودان وبشكل اساسي بعملية الاجابة عليها وعملية الاجابة عليها تفتح ابوابا لتساؤلات لا حدود لها، لكن ثمة اتفاق بين الجميع على ضرورة الحوار من اجل تحديد مستقبل الوطن، الحوار الذي تديره الآن مستشارية الحوار الوطني ويستهدف بشكل اساسي الحفاظ على الامن القومي السوداني وهو حوار اثار لغطا حول قيام الامن به من جانب وفي الجانب الآخر حالة الخلط بينه والحوار الذي يقوده الحزب الحاكم مع القوى السياسية الاخرى من اجل تكوين حكومة مابعد التاسع من يوليو، الا ان من يقومون بالحوار قالوا انه يتجاوز كل القوى السياسية بما فيها الحزب الحاكم من اجل ضرورة الحفاظ على امن الوطن القومي وهو الامر الذي بدا واضحا في تصريحاتهم وافتتاحية (الصحافة ) امس تحمل في داخلها مطالبة المستشارية للحزب الحاكم (ان تقديم تنازلات حقيقية من الحزب الحاكم على صعيد الاصلاحات السياسية وقبول الآخر واحداث تغيير جذري في السياسات العامة للحزب من المطلوبات بشدة لانجاح فرص الحوار الاستراتيجي) وشددت على انه بحلول التاسع من يوليو ستكون مخرجات الحوار جاهزة للعمل بها كخارطة طريق للدولة السودانية وقال المسؤول المكلف بالامانة القومية للحوار الاستراتيجي اللواء حقوقي حاتم الوسيلة ان فرص انجاح الحوار تعتمد بشكل اكبر على تلقي تنازلات حقيقية من المؤتمرالوطني من اجل وضع اسس متينة للدولة السودانية. ورأى الوسيلة في تصريح ل»الصحافة» ان التنازلات يجب ان تطال السياسات والاعتراف بالآخر وقال ان المؤتمرالوطني سيكون محظوظا اذا نأى بنفسه من الاحداث التي اجتاحت منطقة الشرق الاوسط باجراء اصلاحات سياسية وتقييم التجربة السابقة بصورة حقيقية ومخاطبة جذور الازمة ومعالجتها بشكل جذري ، معتبرا ان هذه هي خارطة الطريق الوحيد للخروج من الازمة مشددا على ان اعتبار السودان بمعزل عن فلسفة التغيير التي تضرب المنطقة تفكير غير واقعي ومعتبرا ان هذه هي الفرصة الاخيرة المتاحة للخروج ولكنه في المقابل وضع فاتورة وثمناً لهذا الخروج متمثلا في (ضرورة اجراء اصلاحات سياسية ومناقشة قضايا الاقتصاد والبطالة بشفافية وتضمين مطالبات الحد من الفقر والبطالة في مناقشاتها بجدية وانتهاج حوار بناء وشفاف مع القوى السياسية وعدم تسييس الخدمة المدنية واختيار الاشخاص على اساس الكفاءة والمؤهل دون النظر الى الولاءات الحزبية هو الطريق الاقوم الى الخروج من النفق وهو ثمن يجب على الوطني دفعه من اجل دفع سفينة الاستقرار الى الامام وقطع الطريق امام ثورة الآخرين واحتجاجاتهم) . وهو امر يبدو من الصعوبة الآن تحقيقه على ارض الواقع وفقا لما هو ماثل من سياسات او بحسب اتجاه الخارطة السياسية بالبلاد وفقدانها للقوى التي يمكن ان تفرض على المؤتمر الوطني انتهاج مثل هذه الخطوات وبما فيها الجهة صاحبة الدعوة نفسها والتي سبق ان وصف رئيس الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد كلامها بالسمح قبل ان يضيف ساخرا ولكن عليهم وضعه في دار الوثائق كتأكيد منه على ان الوطني لن يستجيب له بل ان الشواهد القريبة تحملنا نحو الامين العام للمستشارية نفسه اللواء حسب الله عمر والذي تم ابعاده من المستشارية بقرار من حزب المؤتمر الوطني بعد ان استدعاه البرلمان الذي يمثل فيه الحزب اغلبية ميكانيكية وهو امر يجعل من عملية التساؤل حول مدى القدرة على الوصول بالحوار الى خواتيمه الموضوعية المتمثلة في الاستقرار بالبلاد وهو سؤال يتطلب الاجابة على مدى التنازلات التي يمكن ان يقدمها الحزب الحاكم للمستشارية بحسب طلبها المدعوم بتعليق ان الوطني هو الاحوج لهذه الاصلاحات مما يجعل من عملية العودة للماضي وتحديدا هيئة جمع الصف الوطني التي عملت في فترات سابقة من اجل تقريب الكفة بين اطراف العملية دون ان تحقق نجاحاً في هذا الامر. وهو الذي قد يرافق مجهودات المستشارية الآن التي تنتظر تنازلات الوطني وهو امر يجيب عليه للصحافة المحلل السياسي الدكتور حمدنا عبد الحافظ استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الذي ابتدر حديثه عبر الهاتف قائلا ان الحوار الآن هو مطلب يمكن من خلاله العبور فوق الازمات وتمهيد الطريق نحو المستقبل قبل ان يتساءل عن التجارب الاخرى والى أي المحطات وصلت ويعزي فشل كل المحاولات السابقة حول تمترس الجهات حول فكرة آحادية ومحاولة فرضها على الآخرين تحت ستار الامر الواقع وهو الامر الذي يرى انه ما زال موجودا على ارض الواقع دون تعديل باعتبار تمسك الحزب الحاكم بآيديولوجيته ذات الطابع الآحادي وعدم وجود القوى التي يمكن ان تزلزل هذه القناعات نتاجا للفلسفة السياسية الحاكمة والمؤمنة بفرضية القوى وان كانت هذه الفلسفة غير ثابتة ويمكن ان تتزحزح بناء على الاحداث الآنية والواقع الوطني الذي يحتاج لحالة من الاتفاق حول القضايا الوطنية ومستقبل البلاد، الا ان مثل هذا التفكير يبدو بعيدا عن الاحزاب السياسية في الساحة والتي تحدد خطواتها حسب ماهو ماثل دون ان تكون لها القدرة على التنبؤ بالقادم ووضع الاستراتيجيات المناسبة له وبمافيها المؤتمر الوطني الحزب الحاكم الآن. ويرى حمدنا الله أن الاتفاق على ماهو مطروح من القضايا يمكن الاتفاق حوله لو ان النظرة نحو مصلحة الوطن تجاوزت ابعاد الذاتية والحزبية من اجل اعادة بناء الوطن بشكل جديد ومغاير. في المقابل فان كثيراً من قادة القوى السياسية المعارضة ينظرون لحوار المستشارية بانه حوار من طرف واحد يمثل المؤتمر الوطني ليس الا وان كل خطواته محسوبة وفقا لمصلحته الخاصة وهو الامر الذي يتمترس من خلفه كل من الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي في رفضهما الجلوس والحوار مع المستشارية ،وهو الامر الذي يفسر به كثيرون الدعوة التي تقدمت بها مستشارية الحوار له من اجل دفع التهمة عنها ولكن هذا الامر لا يضع اجابة ذات طابع ايجابي يجعل المؤتمر الوطني يتجه نحو تحقيق الاصلاحات المطالب بها من قبلها لقطع الطريق على الواقفين على اهبة الاستعداد في الشوارع يرددون هتافات الاسقاط التي تطرحها المعارضة الآن ،وإلى أن يستقيظ الناس في الصباح ليجدوا ان المحسوبية والفساد وتجاوز الولاء للكفاءة في تولي الوظائف العامة قد ذهبت الى غير رجعة ولكنها في المقابل تبدوا قضايا حقيقية يجب على الحكومة القيام بها من اجل قطع الطريق على ثورة تغيير يرى الكثيرون ويثبت الواقع ان تخرج بعيدا عن رغبات من يجلسون في مائدة المستشارية من الاحزاب محاورين او من الذين يعتصمون برفض الحوار مع الوطني في داره بالعمارات او عبر آلياته بحسب تعبيرهم . وربما يستيقظ الجميع ليجد ان اجندة الحوار قد تم الاتفاق عليها بعد ان التأم شمل الجميع في حكومة ما بعد الانفصال مشاركين في مؤسساتها بما فيها المؤسسات الأمنية.