صحيح أين ذهبت عشرين ألف كراع وخمسة آلاف ضنب وخمسة آلاف رأس نيفة وكميات مهولة من «العفشة» من أم فتفت والجقاجق والعكو والفشفاش التي لا بد ان عملية ذبح وسلخ وتوضيب هدية الرئيس للشقيقة مصر البالغة خمسة آلاف رأس من الابقار المدوعلة قد خلفتها، ماذا فعلوا بها؟، هل تم توزيعها على الفقراء والمساكين أم تم بيعها ل «الكرشجية» في الاسواق الطرفية، واذا بيعت كم بلغ العائد وإلى أين ذهب؟ إلى الخزانة العامة أم إلى جيوب خاصة، هذه اسئلة جادة ومشروعة باعتبار ان «العفشة» التي أُخرجت من احشاء خمسة آلاف رأس من الابقار هي مال عام لا يصح التصرف فيه إلا بما يخدم ويفيد المصلحة العامة، فقد علمنا ورأينا بأم اعيننا ان الهدية اشتملت فقط على اللحوم الصافية ولكننا لم نعلم بعد المصير الذي آلت إليه الاجزاء الاخرى، هل اقيمت بها موائد رحمن لعباد الرحمن في الهوامش والاطراف أم وزعت بالمجان على الضعفاء والمعوزين الذين اذا وجد احدهم «رأس نيفة» كان ذلك يوم عيد له، أم انها «راحت في حق الله». لقد اتخذ احد الاخوة المصريين من الهدية البقرية مادة للطرفة ونسج منها رسالة ساخرة بعثها لصديقه الكاتب الصحفي السوداني حسن وراق تقوم على تصور ان السودانيين هذه الايام ومع هذا الكم المهول من احشاء البقر وارجله ورؤوسه غارقين في نعيم بقايا الهدية الرئاسية على طريقة «من جاه الملوك نلوك» يمزمزون الكوارع والباسم والعكو ويتلذذون بضرب الكمونية والجقاجق وتقول الرسالة الساخرة «شكراً ع اللحمة ويا بختكو.. أيامكو كمونية وكوارع» ولا ادري بم رد عليه صديقه السوداني ولكني اعتقد ان ابلغ رد هو «يسمنا»... إن مصر تستحق منا كل تعاون وتعاضد وتشارك في السراء والضراء ونحن أيضا نستحق منها ذلك، ولكن ما الذي يمكن ان تفعله عدة آلاف من اطنان اللحوم لتحسين وضع الامن الغذائي بمصر وهو الهدف الذي قيل ان هدية الخمسة آلاف رأس ستخدمه، فهذه الاطنان بالغا ما بلغت لن تفعل شيئا لما يزيد عن الثمانين مليون نسمة هم تعداد سكان مصر، الواقع انها ستختفي في لمحة بصر وقبل ان يسمع بها ثلاثة ارباع هؤلاء السكان دعك من ان تسهم بشئ يذكر لتحسين موقف الامن الغذائي المصري خاصة وان الهدية لمرة واحدة لن تتكرر، ورغم ان التخريج الاقرب والانسب لمناسبة هذه الهدية انها كرامة الثورة المصرية، يثير علينا غضب الاخوة التوانسة باعتبارهم الاسبق ولم نسبغ عليهم هدايانا، الا انه اخف من القول «الخفيف» بأن الهدية لتحسين الاحوال المعيشية للجماهير المصرية. نعم تهادوا تحابوا، وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه، ان تذهب عشرات الاطنان من الذرة كهدية لاثيوبيا وفينا من لا يجد قوت يومه نقول «ماشي وعدّانا العيب، وان ننير عشرات القرى التشادية ومن نسائنا من خرجن في عطبرة يحملن الفوانيس و«حبوبة ونسيني»يلوحن بها احتجاجا علي الظلمة والظلام والظلم «نسميها رضينا ونرضي بالمقسوم علينا»، وان نهب افريقيا الوسطى العلاجات والمستشفيات، ومستشفياتنا لسان حالها يقول «مش حتشفى» ولسان مقال اطبائنا لم يجد ما يقوله سوى الشكوى لغير الله مذلة، نقول «ونعم القائل ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة»، نعم لكل الهدايا والعطايا والتكايا والمكرمات من ابقار المسيرية وإلي اشبال الغابات الاستوائية ولكن ليس على حساب الحقوق الاساسية، اهدوا ما شئتم ولكن ليس بهد حيل المواطن الذي أرهقته الرسوم والمكوس والجبايات التي ما تزال سارية رغم عشرات القرارات.