ربما لم يدر بخلد الرئيس البشير بان أيدي الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي اللتين صافحتاه، الجمعة قبل الماضية، بود حميم،بعد جلسة حوار مغلقة، إستغرقت أكثر من خمس وأربعين دقيقة ، سترتفع في وجه نظامه بعد إسبوع واحد فقط من لقاء التقارب و(الأجندة الوطنية) المشتركة الاخير بالتهديد والوعيد. وإن كان الوطني وقادته قد أمنوا شر معارضة الزعيم الطائفي الكبير عقب لقائه بالرئيس الخميس قبل الماضي ،وإستبعدت أخيلتهم أن ينقض الرجل عليهم مجدداً ،فان سجلات لقاءات المهدي البشير تقول بغير ذلك تماماً ،فتكتيك المهدي إزاء الانقاذ كان واضحاً وربما يكون محفوظاً من لدن (نداء الوطن) وإلى التقارب قبل الاخير بين المهدي والبشير والذي إلتأم في الثاني والعشرين من يناير الماضي بذات ود اللقاء الاخير الذي أعقبه ، فسرعان ما ذهب الود وحميميته أدراج الرياح، ما أن أمسك المهدي بالمايكرفون ليلة السادس والعشرين من ذات يناير ،وهو يخاطب الآلاف من أنصاره، بميدان الخليفة بام درمان في ذكرى تحرير الخرطوم ،لينسف الرجل حينها كل ما بنى في الايام الاربعة التي فصلت بين لقائه بالبشير ومهاجمته لنظامه وطريقة حكمه .وهاهو ذات الصادق المهدي يعود مجدداً ليرسم ذات السيناريو في أقل من شهرين ، بذات عبارات الاول ،مع فروقات طفيفة في ترتيب الخطاب وحدته والمدة التي فصلت بين لقائه الاخير بالرئيس البشير وتهديده لنظامه والتي فاقت هذه المرة الايام الاربعة بثلاثة أيام إضافية . وإن كان تهديد المهدي الاول للحكومة بالتذكرة التونسية المصرية قد إنطلق من قلب العاصمة الوطنية أم درمان ،فهاهو يشهر ورقة ذات التذكرة (المصرو تونسية ) ،في وجه ذات الركاب من الجزيرة أبا أمس الاول، لدى مخاطبته الآلاف من أنصاره بمناسبة مرور ثلاثة عقود على ذكرى شهداء الجزيرة أبا وودنوباوي والكرمك ،بيد أن التذكرة هذه المرة لم تأتِ كسابقتها المقتصرة على تهديدات باسقاط النظام عبر إنتفاضة شعبية شاملة ،فتذكرة الجزيرة أبا، تُذكر الوطني وحكومته أيضاً بمخاوف يعلمونها تتمثل في أن ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للمسؤولين السودانيين،والتي هدأت حتى يمر انفصال الجنوب دون عوائق، ستتزايد لمسؤولين سودانيين إلى أقصى درجة،حسبما يؤكد على ذلك الصادق المهدي معضداً حديثه بماحازته المحكمة من تأييد أكبر بعد إنضمام كثير من الدول لها مثل ماليزيا، واحتمالات انضمام مصر ودولة الجنوب الوليدة لها ، بالاضافة لدور المحكمة الجديد في أحداث ليبيا، ليردف المهدي الذي كان يتحدث وسط هتافات أنصاره بان ملاحقة المحكمة للمسؤولين السودانيين سوف تحدث شللا كبيرا لحركة النظام الدولية ،قبل أن يحذر من أن فشل الحوار الجاري بين حزبه والمؤتمر الوطني سيفتح المجال امام التغيير بوسائل أخرى،لم يحددها،قائلاً: (المضطر يركب الصعب)،ليحدد الرجل وبدقة لطالما عرفت بها تكتيكاته ،نهاية الاسبوع القادم كموعد نهائي لحواره مع الوطني والذي إذا ما كتب له الوصول إلى (نهايات سعيدة ) فسيفرز دستوراً جديداً ،ووقفاً تاماً للتوجهات العدائية نحو الجنوب ،بالاضافة إلى حل شامل لازمة دارفور بما يستجيب لتطلعات أهل الاقليم المشروعة . لكن مايرشح من غرف حوار الوطني الامة المغلقة يشير إلى أن ثمة تقارب كبير قد تم بين الطرفين خلال الايام الثلاثة الاخيرة ،وهي التسريبات التي تتسق وما مضى إليه المسؤول السياسي للمؤتمر الوطني إبراهيم غندور ،مشيراً في تصريحات صحفية الاربعاء الماضي أن حوارهم مع حزب الأمة القومي قد وصل إلى نهاياته،مردفاً أن ما إتفقوا عليه مع الامة أكبر بكثير مما علق بينهم .ومابين تأكيدات الوطني وتهديدات الامة تمضي الامور بصورة هادئة داخل غرف الحوار ،بغية الوصول إلى إتفاق حول عدة نقاط عالقة سيستمر الحوار حولها إلى أقصى درجة ممكنة ،بغية الوصول إلى مكاسب ومقاعد ضمن تشكيلة حكومة سودان مابعد الانفصال التي سوف تباشر أولى مهامها في التاسع من يوليو القادم والتي غالباً ماسيكون المهدي وحزبه ضمن تركيبتها وفقما أكد على ذلك قيادي بارز بحزب الامة القومي ،آثر في حديثه ل(الصحافة) أمس حجب هويته ،مشيراً إلى أن توجيهات المهدي الداخلية ،تشير إلى أن الحزب سيمضي في حواره مع الوطني لنهاياته ،دون أن يصحب هذا التقارب أي تلميح بان الحزب ضد خيار إسقاط النظام ،حتى لايحسب ضمن صفوف الحكومة إذا ماقدر للقوى الشبابية الساعية لاسقاط النظام أن تصل لمبتغاها وتنجح في إزاحة النظام ،ويضيف الرجل أن التوجيهات تشتمل كذلك على إستخدام الخروج للشارع والتعبئة لاسقاط النظام كورقة ضغط على المؤتمر الوطني ،بغية تحسين الموقف التفاوضي لحزب الامة ،وهي الورقة التي أشهرها الامة بالامس عبر شباب الحزب الذين طالبوا المؤتمر الوطني بتفكيك الانقاذ سليماً وتلقف طوق النجاة وما أسموه بالفرصة الاخيرة المقدمة من حزبهم والقبول السريع بتشكيل حكومة قومية إنتقالية والتفكك السلمي للنظام الحالي مهددين في بيان صحفي مزيل باسم (شباب حزب الأمة القومي ) بمواجهة الحكومة حال تلكؤها في التغيير الجذري للنظام مردفين أن (لاتنازل عن تفكيك الانقاذ لنفسها سلمياً أو الخيار الثاني وهو الاطاحة وإسقاط النظام وليس هنالك مساومة في هذه الخيارات ). قبل أن ينوه البيان إلى وجود ما أسماها بالفئة القليلة داخل الحزب، تصور للقيادة والجماهير عدم قدرة الانصار على التضحية من أجل التغيير وتعمل على تغذية إسلوب الاتفاق مع الانقاذ بشتى الطرق .وهو الاتفاق الذي يهدف للتغيير الناعم للحكومة وليس للمشاركة فيها حسب الصادق المهدي الذي إعتبر الحديث عن سعي حزبه للمشاركة في الحكومة بالتخريف السياسي وانه لاخيار سوى إسقاط النظام حال فشل الحوار مع الوطني .وهو الحديث الذي يشي بفراق لالقاء بعده بين الامة والوطني ،ممايعني أن الاسبوع المتبقي من مهلة المهدي وحده الذي بقي بين الحزبين اللذين لابد أن وفديهما يتبادلان النقاش بحدة حول حديث الصادق المهدي الناري الاخير،والذي لايعدو في مجمله كونه مجرد جلبة يثيرها الرجل بعد أن فشلت عملية المحاصصة على الكيكة السلطوية في أروقة الحوار مع المؤتمر الوطني ،حسبما يرى ذلك المحلل السياسي المعروف الدكتور حاج حمد محمد خير مشيراً في حديثه ل(الصحافة) أمس أن الصادق المهدي وهو يهدد باسقاط النظام أسوة بالنظامين المصري والتونسي يعلم علم اليقين أنه ما من حزب سياسي أو زعيم طائفي قد لعب دوراً في إسقاط النظام في إحدى الدولتين اللتين إستدل بهما ،مضيفاً أن الصادق المهدي يستخدم ذات التكتيك للمرة المائة للضغط على المؤتمر الوطني في الحوار ،بعد أن توقف المتحاورون في نقطة تخص الصادق المهدي شخصياً ،والذي يرى أنه قد خلق ليصبح رئيساً للوزراء بحسب حاج حمد الذي يتابع متوقعاً أن يعود الصادق المهدي وحزبه إلى طاولة الحوار مجدداً بعد أن أرسل إنذاراته المكرورة من الجزيرة أبا ،ليعود للمحاصصة وهو أكثر قوة ،كما يؤكد حاج حمد كذلك على أن لعبة المهدي السياسية أضحت مكشوفة للجميع ،ليردف :(صحيح أن المؤتمر الوطني حزب يتسم بقدر كبير من الغباء ومتخبط وفاقد للاتجاه ولكن ليس بالقدر الذي لايتيح له كشف لعب الصادق المهدي المكشوفة ). [email protected]